السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الداعية الأستاذ
"محمّد بن إبراهيم الحَمَد"
في كتابه
"رسائل متفرقة" :
".. و يجملُ
بنا أن نُحسِن الظنَّ بأهل العلم و الفضل إذا ردّ بعضُهم على
بعض،و ألا
ندخل في نيّاتِهم ، و أن نلتمِسَ لهم العذر .
و إذا تبيّن لنا أنّ
أحداً من أهل العلم و الفضل
أخطأَ سواء كان رادّا أو
مردوداً عليه فلا يسوغ لنا ترك ما عنده من الحق،
بحجة أنه أخطأ.
و
إذا كنا نميل إلى أحدٍ من الطرفَين أكثر من الآخر
فلا
يجوز لنا أن نتعصّبَ له، أو نظنَّ أن الحق معه على كلّ حال.
و إذا كان في نفس أحدٍ منا شيء على أحد الطرفَين، فلا يكون
ذلك
حائلا دون قَبول الحق منه.
قال ربنا:"و إذا
قلتم فاعدِلوا و لو كان ذا قربى".
و قال:"و لا
يجرمنّكم شنآنُ قومٍ على ألا تعدلواُ
اعْدِلوا هو اقربُ للتقوى".
و
قال:" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسطِ
شهداء
لله و لو على أنفسِكم".
قال
ابنُ حزم رحمه الله:
"وجدتُ أفضلَ نِعَم الله
على المرء أن يطبَعه على العدلِ و
حُبِّه، و على الحقّ و إيثارِه" .
..
و إذا كان لدينا قدرة على رأبِ الصدع، و جمعِ الكلمة، و تقريب وجهات
النظر
فتلك قربةٌ و أيّ قربة!
قال الله:" لا خير
في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمرَ بصدقة
أو معروف أو إصلاحٍ بين الناس و
من يفعل ذلك ابتغاءَ مرضاة الله فسوف
نؤتيه أجراً عظيما".
و
إذا لم نستطِع فلنجتهِد بالدعاء و الضراعة إلى
الله أن
يُقرِّبَ القلوب، و يجمعَ الكلمة على الحق،
و لنَحذَرْ
كُلَّ الحَذَر من الوقيعة بأهلِ العلم، أو السّعاية بينهم ، و
لنعلم
بأنهم لا يرضون منا بذلك مها كان الأمر.
و
إذا سلّمنا الله من هذه الردود، فاشتغلَ الواحدُ منا بما يَعنيه، فهو
خيرٌ
و سلامة إن شاء الله.
والذي يُظَنّ بأهلِ الفضل
سواء كان الواحد
منهم رادّاأو مردودا عليه،
أنهم لا يَرضَوْنَ منا
أن نتعصّبَ لهم أو عليهم تفنيدا، أو تأييدا بل
يُرضيهم كثيرا أن
نشتغِلَ بما يُرضي اللهَ،و ينفع الناسَ،
و يؤسفهم كثيرا أن تأخذَ تلك
الردود أكثرَ من حجمها، و أن تُفسَّر على غير
وجهِها.
هذا و إنّ العاقلَ المُحبّ لدينه و إخوانه المسلمين ليتمنّى
من
صميم قلبه أن تجتمِعَ الكلمةُ،
و ألا يحتاجَ الناسُ أو يضطروا إلى أن
يردّوا على بعض،و ما ذلك
على الله بعزيز، و لكن :
فيا
دارها بالحزن إن مزَارَها * قريبٌ و لكنّ دون ذلك أهوال
فمن العسير أن تتّفِقَ آراء الناس، و
اجتهاداتهم، و من
المتعذّر أن يكونوا جميعاً على سنّة واحدة في كلّ شيء،
و من المحال أن
يُعصم الناس فلا يخطئوا.
ثم ليكن لنا في سلفنا
الكرام قدوة، فهم خيرُ الناس في حال
الوِفاق و حال الخلاف، حيث كانوا
مثالا يُحتذى في الرحمة،
و العدل، و الإنصاف حتى في حال الفتنة و
القتال.
...و لا ريب أنّ هذه المعاني تحتاج إلى مراوضة النفس
كثيرا،
و إلى تذكيرها بأدب الإنصاف، و إنذارِها ما يترتّب على العناد و
التعصّب
من الإثم و الفساد.
و إذا استقبلنا الخلافَ و الردود
بتلك الروح السامية، و النفس المطمئنة
صارت رحمةً، و إصلاحاً، و
تقويماً،
و ارتقاءً بالعقول، و تزكيةً للنفوس.
و بهذا نحفَظ لرجالِنا، و أهل العلم منا
مكانتَهم في
القلوب، و نضمن-بإذن الله- لأمتنا تماسُكَها و صلابة عودها،و
نوصِد
الباب أمام من يسعى لتفريقها والإيضاع خلالها.
و
العجيب أن ترى أن اثنَين من أهل العلم قد يكون بينهما
خلاف
حول مسألة أو مسائل، و تجد أتباعَهما يتعادون،و يتمارون، و كلّ فريق
يتعصّب
لصاحبِه مع أنّ صاحِبَي الشأن بينهما من الودّ، و الصلة ، و الرحمة
الشيء
الكثير!
و أخيرا لنستحضِر أنّ ذلك امتحانٌ
لعقولنا و إيمانِنا، فلنُحسن القولَ، و
لنحسن العملَ، و لنجانب الهوى".
م ن ق و ل
الموضوع : حسنُ التعامل مع الخلاف و الردود المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya