El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: يخشى إذا نشأ في طاعة الله أن يزعجه الفضول ! الثلاثاء 8 يونيو 2010 - 10:47 | |
| سألني بعد حيرة قرأتُها طويلا في عينيه ، كأنه كان مترددا أن يسأل ، أو كان لا يعرف الصيغة الحسنة للسؤال ، ثم جاء سؤاله كالتالي : ( ما هو الأحسن حين يكبر الرجل : أن يكون الفتى من صغر سنه مستقيما على دين ربه ، ثم يصير رجلا ، أم يكون قد تعرف إلى هذا اللهو وذاك ، ثم يستقيم في شبابه ؟ ) ..
وأنا أعلم ما يقصده باللهو ، فهو فتى في الخامسة عشرة من عمره ، مقبل على حفظ كتاب الله وتعلم دينه ، تواجهه مشكلات من يستقيم في مثل عمره ، كصعوبة التعامل مع الأهل ، وبُعد الأصدقاء , وغير ذلك .
وما يقصده هو المبالغة في اللهو المباح ، كالرياضة وقضاء الأوقات في السمر ، وإن ساء الأمر فهو ك ترك صلاة الجماعة ، أو التدخين ، أو سماع الأغاني ، لا يصل إلى الزنا وما شابه .
قلتُ : ما الذي يجعل المرء الذي عاش شيئا من شبابه عاصيا قد يفضُل إذا تاب ؟
قال : لن يكون عنده الفضول الذي يكون عند من لم يجرب هذه الأمور .
قلت : أواثق أن من نشأ على الطاعة يجد في نفسه فضولا إلى هذه الأمور ؟
قال : نعم ! فعلمتُ أنه يقصد نفسه ..
لم أكن فكرت في هذا الموضوع من قبل ، ولا أدري ما يُقال فيه ، فأعملتُ ذهني في ذلك المقام .. وبدت لي أمور أعرضها عليكم ، عسى تعليقكم عليها يصوب ويُثري .
هناك فرقٌ بين شابٍ نشأ في طاعة الله ، وآخر نشأ في بيت طاعة ، فإن الأول قد سلك هو سبيل الطاعة محبا مختارا ، والثاني قد يكون فيه اضطرارا .
الشاب الذي نشأ يحب ربه ، ويتدبر كتابه ، ويعلم أن الله رقيب عليه ، ويعلم أن الحلال حلال لأن الله يحبه ويرضاه ، ثم هو حسن في ذاته ، والحرام حرام لأن الله قد كرهه من عباده ، ثم هو قبيح في ذاته ، فأحب الحلال لحب محبوبه له ، وكره الحرام لكره محبوبه له ؛ هذا القلب على هذا النحو قد عُمِّر بالإيمان .. فإذا نظر إلى الحرام ؛ يرى شيئا يبغضه وتشمئز منه نفسه ، بل ربما سمت همته إلى كره فضول المباحات من لهو مسرف وغيره ، فأني للفضول أن يأتيه ؟!
وشاب آخر نشأ في بيت ملتزم ، غير أن الأبوين لم يغرسا الإيمان في قلب ابنهما ، بل أسرفا عليه من كلمة ( حرام ) وكلمة ( عيب ) وكلمة ( خطأ ) دون بيان لما وراء هذه الكلمات ، وما سبب الحُرمة ، ومن الذي حرم ، ولم نلتزم أمره بالتحريم .
وهذا الصنف غالب في بيوتاتنا ، وهو نذير ضياع ومهلكة ، إذ الأب قد انشغل في طلب العيش ، والأم ما تدري التربية أيْش ..
فهذا قد يجد في نفسه الفضول ، وربما إذا تحرر من قيد قوانين والديه أن ينحد إلى سُفول !
فالقضية إذن : كيف تنشأ على الطاعة ، فتربي نفسك على ما ذكرتُ من حال الشاب الأول ، وثق حيئذ أنك مستمتع بحياتك كاملة ، حلوها ومرها ، عسى أنها في ما يُرضي الله ، أيُظن بصاحب هذا الحال بؤسٌ ؟
ودعنا نتنزل ونقول : إن الشاب الأول قد يجد في نفسه فُضولا ، فأقول لك : ليعِش عمره كله يعاني فُضولا لكن لا يطاوعه وأجره على الله .
أما الثاني ، الذي عاش شيئا من شبابه لاهيا ثم تاب ، إنه لا شك ، إن كان في توبته صادقا ، يصيبه الأسى على ما فرط في جنب الله في سالف عمره ، فإن الندم الذي هو من شروط توبته يمزق قلبه ، وكلما ذاق شيئا من حلاوة الإيمان ، صاحبها وجع ما كان عليه من عصيان ، فلا يكاد يهنأ بحلاوة إيمان إلا إذا شاء الله بعد حين ، إذ معالجة ما تحمله ذاكرته من قرب عهد بالمعصية ، وربما تعلق قلبه ببعضها ، ينغص على ما هو مقبل عليه من سكينة العبادة وراحة الإيمان .
وهنا أذكر شيئا عجيبا أجده في بعض أهل هذا الشأن : تُحدث أحدهم وقد ملأت لحيته صدره ، فيذكر في معرض حديثه شيئا مما كان عليه من قبل ، مبتسما منشكحا ! لا يُرى عليه شيء مما يُدعى " الندم " ، أن عصى الله يوما ، ولا شك أن هذا قدح في توبته ، وذكره لمثل هذا غالبا ينقصه من أعين الناس خاصة إذا كان ممن يتصدرون لدعوة أو طلب علم ، ويُخشى أن هذا من المجاهرة !
أعود إلى هذا الذي عاش شيئا من شبابه غافلا ثم تاب ، فإن تفكير الفتى في أن يعمل هذا الأمر مظنة هلاك ، إذ الأجل لا يعلمه إلا الله ، وما يُدريك أن الله يُمهلك حتى تتوب ؟!
ثم ألا يُخشى أن يغرق الشاب في الغفلة ، فلا يتذكر التوبة ، أو يغضب الله عليه ، فيطلب التوبة فيُمنعها ، إلى غير ذلك مما هو معلوم من حال المعرضين ؟!
وأطلتُ عليه شيئا ما في الإيضاح كما أطلتُ عليكم ، ثم ودعتُه وانصرف .
فتذكرت قوله تعالى : " إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " ، ومن معناها أنه تتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية ، كما قال السعدي رحمه الله .. فالشاب الذي عاش في معاصي ثم تاب تتحول كل هذه الذنوب العظيمة إلى حسنات !
فاستدركتُ : لا ؛ بل الحسنات أعظم – وإن قلت – من تلكم السيئات ، فإن الله تعالى " يضاعف لمن يشاء " !
وحسبُك من نُبل الشاب الذي عاش منذ صغره في نور الإيمان ، أنه ممن ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله في ظله : " وشاب نشأ في عبادة الله " ، فلو كان غيره يفضل عليه في الدنيا أو الآخرة لكان بها أجدر .
أحب أن ستفيد منكم بتصويب أو استدراك ، وجزى الله خيرا من وقف على كلام لأحد أهل العلم فنقله ..
عبد الملك السبيعى
جزاه الله خير الجزاء ونفع به الموضوع : يخشى إذا نشأ في طاعة الله أن يزعجه الفضول ! المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|