ثروات هائلة:
ثالثًا: رزق الله عزوجل إقليم التركستان الشرقية ثروات ضخمة جدًّا من البترول والغاز والفحم، وهي تمثِّل بذلك قاعدة طاقة في غاية الأهمية بالنسبة للصين، وهي الآن ثاني منتج للنفط في الصين؛ حيث تنتج 27.4 مليون طن سنويًّا، وتأتي بعد إقليم "هيلونجيانج" في شمال شرق الصين والذي ينتج 40.2 مليون طن، ومع ذلك فإنه من المنتظر أن تصبح التركستان في سنة 2010م هي المنتج الأول للنفط في الصين، حيث سيصل إنتاجها إلى 60 مليون طن سنويًّا، أما في سنة 2020م فيتوقع الخبراء أن يصل إنتاجها إلى 100 مليون طن سنويًّا، لتصبح لها مكانة عالمية، علمًا بأن احتياطي النفط بالتركستان يبلغ 8.2 مليار طن!!
أما بالنسبة للغاز الطبيعي فإن الاحتياطي التركستاني هائل، ويبلغ 10.8 تريليون متر مكعب، وكذلك بالنسبة للفحم، حيث يبلغ الاحتياطي منه 2.19 تريليون طن، وهو يمثِّل 40% من إنتاج الصين بكاملها، فضلاً عن أنه يتميز بكثرة أنواعه، وجودته الفائقة، وفي مشروع الصين أن تحوِّل هذا الفحم إلى قاعدة ضخمة لإنتاج الكهرباء.
رابعًا: مع كل هذا الإنتاج الضخم من البترول والغاز الطبيعي فإنه لا يكفي دولة صناعية مثل الصين، حيث تأتي الصين في المرتبة الثانية مباشرة بعد أمريكا في استهلاك الطاقة؛ ولذلك فإن الصين تعتمد بشكل أساسي على البترول القادم لها من دول وسط آسيا في منطقة القوقاز، وقَدَر التركستان الشرقية أن أنابيب نقل البترول تمر بكاملها في أراضيها! وبالتالي فسيطرة الصين على التركستان يمثِّل بُعدًا استراتيجيًّا خطيرًا، حيث يمكن للحركة الصناعية أن تُشلَّ إذا ما تعرضت هذه الأنابيب للخطر.
مناجم اليورانيوم وصحراء تاكلا:
خامسًا: تمثِّل التركستان كذلك مخزونًا استراتيجيًّا لما هو أغلى من البترول والفحم!! فالتركستان غنية بمناجم اليورانيوم اللازم للصناعات النووية، وبها ستة مناجم تنتج أجود أنواع اليورانيوم؛ ولهذا فهي مؤهَّلة لأن تكون دولة نووية إذا انفصلت عن الصين، خاصةً أن لها علاقاتٍ حدودية مع روسيا، التي قد تقف إلى جوارها في مشروعها النوويّ مثلما تفعل مع إيران؛ وذلك لإحداث توازن في المنطقة مع الوحش الصيني.
وليس البترول والغاز والفحم واليورانيوم فقط هي الثروات الوحيدة التي تنتجها أرض التركستان، بل إن بها الكثير من المعادن الأخرى، يأتي في مقدمتها الذهب!!
سادسًا: توجد في أرض التركستان مساحة شاسعة من الأرض الصحراوية تستخدمها الصين في إجراء تجاربها النووية العديدة وهي ، والصين بلا جدال دولة نووية من الطراز الأول؛ ولذلك فهي تحتاج إلى مثل هذه المساحة لاستمرار التجارب، وهي أرخص كثيرًا من الخوض إلى أعماق البحار لإجراء التجارب، كما أن الشعب الذي قد يتأثر سلبًا من التجارب النووية شعب مسلم لا تجد الصين غضاضة في إلحاق الأذى به! ولنفس السبب أيضًا فإن الصين تحتفظ بمعظم صواريخها الباليستية النووية في هذه المنطقة؛ مما يرفع من قيمتها الاستراتيجية.
مساحات زراعية وأهمية استراتيجية:
سابعًا: من الناحية الزراعية تمتلك التركستان مساحات زراعية شاسعة، وهي من أجود الأراضي في الصين، وبالتركستان أكبر نهر داخلي في الصين، وهو نهر تاريم، كما أن بها أكبر بحيرة عذبة في الصين، وهي بحيرة بوستينغ. وتتمتع التركستان بجو دافئ مشمس طوال العام تقريبًا، وهذا يؤهِّلها لإنتاج زراعي متميز، وهي من أكثر المناطق المصدرة للمنتجات الزراعية داخل وخارج الصين، وهي أكبر قاعدة لإنتاج القطن في الصين، ويتميز قطن التركستان بجودة فائقة، وهو القطن الطويل التيلة. كما تنتج التركستان أفخر أنواع العنب والبطيخ الأصفر، وإضافةً إلى ذلك تنتج التركستان الذرة الشامية والأرز والتفاح والكُمَّثْرى والمشمش والكَرَز، وعددًا كبيرًا من الخضروات المتميزة.
ثامنًا: تمثل التركستان بحدودها الواسعة، التي تبلغ أكثر من 5600 كيلو متر أهمية استراتيجية قصوى للصين، فهي تجاور 8 دول آسيوية، يمثِّل كلٌّ منها مشكلةً بالنسبة للصين؛ فمن الغرب يحدّها خمس دول إسلامية هي كازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان وأفغانستان وباكستان، وهي دول تمثِّل خطرًا داهمًا على الصين من حيث إنها تضم أعدادًا كبيرة من المسلمين، ومنهم الكثير من الذين يُطلقِون عليهم "إرهابيين"، ومِن ثَم تعتبر الصين أنّ إقليم التركستان الشرقية عبارة عن حائط صدٍّ يمنع دخول الإرهابيين إلى الصين الأصلية. كما تجاور التركستان الشرقية دولتيْن خطيرتين على الصين لأنهما من الدول النووية، وهما روسيا والهند، وهذا أيضًا يفسِّر تركُّز الصواريخ الباليستية في منطقة التركستان. وأما الدولة الحدودية الثامنة فهي منغوليا، ومشاكلها مع الصين قديمة، وتبادل الاحتلال بين الدولتيْن أمر تاريخي مشهور، ولم تبنِ الصين سورها العظيم إلا للحماية من منغوليا.. ولهذه الحدود الملتهبة يصعب جدًّا على الصين التنازل عن دولة التركستان الشرقية.
الروح الإسلامية العالية والرعب الصيني:
تاسعًا: الروح الإسلامية العالية التي يتمتع بها الأتراك عمومًا، وشعب الإيجور خصوصًا، ترهب الدولة الصينية؛ فهذا الشعب عانى الكثير في تاريخه من أزمات كان من المتوقع أن تمحو عقيدته، أو تجعله يتنازل عن ثوابته، ولكنه استمر على دينه محافظًا عليه، فخورًا به، معتزًا بأن التركستان هي تركستان المسلمة.. وراجعوا قصة الشعب العظيم الذي تلقى الضربة الأولى من التتار، فإذا به بصبره وقوة تحمُّله وحُسن تطبيقه لقواعد الإسلام يحوِّل المغول من وثنيِّين لا وزن لهم إلى مسلمين يعبدون الله عزوجل، ويتّبعون رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم. ولا ننسى الاحتلال الصيني المتكرِّر، ولا ننسى الدموية الشيوعية، ولا ننسى أن دولة التركستان كانت محصورة بين أكبر قطبيْن شيوعيين إجراميين في العالم هما الاتحاد السوفيتي والصين، ومن جنوبها دولة هندوسية مضطهِدة للمسلمين وهي الهند، ومع هذا لم يغيِّر كل ذلك شيئًا من عقيدته.
هذا التمسُّك العجيب يُرهِب الصين، خاصةً أن الإحصائيات الرسمية الصينية تقول إن إجمالي المسلمين في الصين يبلغ ستين مليونًا، وتقول الإحصائيات الإسلامية إن العدد يربو على مائة مليون مسلم، ولكن الصين تقلِّل من الأَعداد؛ لتهمِّش دور المسلمين وتُضعِف من حَمِيَّتهم. ولا شك أن الصين تفكر في خطورة انتشار هذه الروح المتمسكة بالدين الإسلامي في الأعداد الإسلامية الغفيرة في الصين، كما أنّ احتمالَ انتشار الدعوة الإسلامية في الصينيين أنفسهم احتمالٌ كبير؛ فهم يعانون من خواءٍ رُوحي كامل، وليس عندهم عقيدة يتمسكون بها، ولو عُرض عليهم الدين الإسلامي بشكل واضح فقد يرتبطون به، وهذا خطر أيدلوجي كبير على الصين الشعبية التي ما زلت تتبنَّى الفكر الاشتراكي الإلحادي.
كل هذا يجعل الصين متمسكة بدولة التركستان لتمارس عليها القمع الذي يمنع وصول الإسلام إلى عموم أهل الصين.
الأحلام الاستعمارية:
عاشرًا: لا تهدأ الدول الاستعمارية عن التوسُّع، ولا تتوقف أبدًا أحلامُ الإمبراطوريات عن ضمِّ أراضٍ جديدة، وزيادة الرقعة المملوكة لها، ولا يقف تفكير الصين عند التركستان الشرقية، بل هي بوابتها إلى عدة دول ضعيفة لم تتحرر من الاستعمار السوفيتي إلا منذ أقل من عشرين عامًا، وهي كازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان، ومن ورائهم أوزبكستان، إضافةً إلى الدول المحتملةِ التحرُّر والواقعة الآن تحت الاحتلال الروسي مثل تتارستان والشيشان وداغستان، وكلها دول إسلامية.
وتعتبر الصين نفسها الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، وإذا كان الاتحاد السوفيتي، ومِن قبله روسيا القيصرية الأرثوذكسية قد احتلوا هذه الدول الإسلامية أكثر من ثلاثة قرون فليس هناك مانع من أن تبدأ الإمبراطورية الصينية دورتها، وأن تتوسع في هذه المناطق الضعيفة جدًّا، خاصةً مع حالة السكون الإسلامية، ومع الغفلة غير المبرَّرة التي يعاني منها العالم الإسلامي بشكل عام.
هذا سيناريو قد يراه البعض تشاؤميًّا، ولكن أقول إنه السيناريو الأقربُ إلى الحدوث، ولا تقبل الدول الاستعمارية الكبرى عادةً بوجود كيانات هشّة إلى جوارها.
كان هذا هو السبب العاشر الذي من أجله تتمسك الصين بدولة التركستان المسلمة، فتلك عشرة كاملة!!
ولهذه الأسباب -وقد يكون لغيرها كذلك- قال الباحث الصيني في جامعة ألبرتا الكندية "وينران جيانج"، وهو يعلِّق على الأسلوب القمعيِّ المتعسِّف الذي رأيناه من الحكومة الصينية في تعاملها مع الأزمة الأخيرة في التركستان في يونيو 2009م.. قال الباحث الصيني: "إن الأهمية الاستراتيجية لشينجيانج (التركستان الشرقية) تعني أنّ أيَّ اضطرابات أو قلاقلَ تُحدِث مثل تلك الاضطرابات الأخيرة، لن تجد أيَّ ذَرَّة تسامحٍ من جانب الحكومة الصينية".
وهذا الذي قاله الباحث الصيني أمرٌ واقعيّ تمامًا، وبعد أن رأينا كنوز التركستان وقيمتها فإنه من العبث أن نظنَّ أن الصينيين يتركونها راغبين.. بل على العكس علينا أن نفهم أن الحكومة الصينية ستبذل كل طاقاتها، وستستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتركيع هذا الإقليم الإسلامي العظيم.
لقد استخدمت الصين بالفعل وسائل شيطانية كثيرة تهدف إلى تحقيق أغراضها، ولم يعُدِ القتل هو الوسيلة الوحيدة للسيطرة على الشعوب إنما تتعدد الوسائل، وتتنوع الطرق، وكلها يؤدي في النهاية إلى نتيجة واحدة.
تُرى ماذا فعلت الصين في الثلاثين سنة الماضية لتحقيق السيطرة الكاملة على دولة التركستان الشرقية؟، وماذا يجب على الشعوب الإسلامية فعلُه إزاء هذه الكارثة؟!
هذا ما سنتناوله بإذن الله في المقال القادم..
وأسأل الله عزوجل أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
الموضوع : كنوز التركستان الشرقية!! المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: د-محمد سالم توقيع العضو/ه:د-محمد سالم |
|