الصيد
الثمين من كتاب العلم للعلامة ابن
عثيمين
فوائد متنوعة في العلم
1. الفائدة الأولى
لا
بد لطالب العلم من مراعاة عدة أمور عند طلبه لأي علم من العلوم:
أولا: حفظ متن مختصر فيه.
خذ من كل فن تطلبه
متنًا مختصرًا فيه واحفظه.
ثانيًا: ضبطه
وشرحه على شيخ متقن وتحقيق ألفاظه
وما كان زائدًا أو ناقصًا.
ثالثًا: عدم الاشتغال بالمطولات، وهذه الفقرة
مهمة
لطالب العلم، فلا بد لطالب العلم أن يتقن المختصرات أولا حتى ترسخ
العلوم
في ذهنه ثم يُفيض إلى المطولات.
رابعًا: لا
تنتقل من مختصر إلى آخر بلا موجب
فهذا من باب الضجر، وهذه آفة تقطع
على الطالب طلبه وتضيع عليه أوقاته.
خامسًا:
اقتناص الفوائد والضوابط العلمية، فهناك
فوائد التي لا تكاد تطرأ على
الذهن، أو يندر ذكرها والتعرض لها، أو تكون
مستجدة تحتاج إلى بيان
الحكم فيها، فهذه اقتنصها، وقيدها بالكتابة، ولا
تقول هذه معلومة عندي،
ولا حاجة أن أقيدها؛ لأنها سرعان ما تُنسى، وكم من
فائدة تمر بالإنسان
فيقول هذه سهلة ما تحتاج إلى قيد، ثم بعد فترة وجيزة
يتذكرها ولا
يجدها.
2.
الفائدة الثانية
تلقي العلم عن الأشياخ؛ لأنه يستفيد بذلك
فوائد عدة:
اختصار الطريق، السرعة في الإدراك، الربط بين طلاب العلم
والعلماء
الربانيين.
3.
الفائدة الثالثة
إذا دعت الحاجة للسؤال فليحسن طالب العلم
السؤال، أما إذا لم تدع
الحاجة فلا يسأل؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن
يسأل إلا إذا احتاج هو أو ظن أن
غيره يحتاج إلى السؤال
كذلك ينبغي
أن يكون عند طالب العلم حسن الاستماع لجواب العالم، وصحة الفهم
للجواب،
فبعض الطلبة إذا سأل وأجيب تجده يستحي أن يقول ما فهمت.
والذي ينبغي
لطالب العلم إذا لم يفهم أن يقول : ما فهمت لكن بأدب وتوقير
للعالم.
4.
الفائدة الرابعة
الحفظ ينقسم إلى قسمين:
الأول: غريزي يهبه الله تعالى لمن يشاء،
فتجد
الإنسان تمر عليه المسألة والبحث فيحفظه ولا ينساه.
الثاني: كسبي بمعنى أن يمرن الإنسان نفسه على
الحفظ،
ويتذكر ما حفظ فإذا عوَّد نفسه تذكُّر ما حفظ سهل عليه حفظه.
5.
الفائدة الخامسة
المجادلة والمناظرة نوعان:
الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء
ويجاري
العلماء ويريد أن ينتصر قوله ؛ فهذه مذمومة.
الثاني:
مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه ؛ فهذه
محمودة مأمور بها.
6.
الفائدة السادسة
من الأمور التي ينبغي
لطالب العلم أن يهتم بها المذاكرة، والمذاكرة
نوعان:
النوع الأول: مذاكرة مع النفس، بأن تجلس مثلا
جلسة
وحدك ثم تعرض مسألة من المسائل أو مسألة قد مرت عليك، ثم تأخذ في
محاولة
عرض الأقوال وترجيح ما قيل في هذه المسألة بعضها على بعض، وهذه سهلة
على طالب العلم، وتساعد على مسألة المناظرة السابقة.
النوع الثاني: مذاكرة مع الغير، بأن يختار من
إخوانه
الطلبة من يكون عونًا له على طلب العلم، مفيدًا له، فيجلس مع
ويتذاكرون،
يقرأ مثلا ما حفظاه، كل واحد يقرأ على الآخر قليلا، أو يتذاكران
في
مسألة من المسائل بالمراجعة أو بالمفاهمة إن قدرا على ذلك فإن هذا مما
ينمي
العلم ويزيده، لكن إياك والشغب والصلف؛ لأن هذا لا يفيد.
7.
الفائدة السابعة
كراهية التزكية والمدح والتكبر
على
الخلق:
وهذه يُبتلى بها بعض الناس فيزكي نفسه،
ويرى أن ما قاله هو الصواب
وأن غيره إذا خالفه فهو مخطئ وما أشبه ذلك،
كذلك حب المدح تجده يسأل عما
يقال عنه فإذا وجد أنهم مدحوه انتفخ وزاد
انتفاخه حتى يعجز جلده عن تحمل
بدنه، كذلك التكبر على الخلق، بعض الناس
ـ والعياذ بالله ـ إذا آتاه الله
علمًا تكبر
8.
زكاة العلم تكون بأمور:
• الأمر الأول : نشر العلم من زكاته،
فالعالم
يتصدق بشيء من علمه، وصدقة العلم أبقى دومًا وأقل كلفة أبقى دومًا؛
وهذه الزكاة لا تنقص العلم بل تزيده كما قيل:
يزيده بكثرة الإنفاق
منه ... وينقص إن به كفًّا شددت
• الأمر الثاني:
العمل به لأنه دعوة إليه بلا
شك، وكثير من الناس يتأسون بالعالم،
بأخلاقه وأعماله أكثر مما يتأسون
بأقواله، وهذا لا شك زكاة.
• الأمر الثالث: الصدع بالحق ولكن النشر قد يكون
في حال السلامة وحال الأمن على النفس وقد يكون في حال الخوف على النفس،
فيكون
صدعًا بالحق.
• الأمر الرابع: الأمر
بالمعروف والنهي عن
المنكر.
9.
الفائدة العاشرة
المقصود
ببركة العلم:
البركة هي كما يقول العلماء "الخير الكثير
الثابت"
أما البركة في العلم فتجد بعض الناس قد أعطاه الله علمًا
كثيرًا لكنه
بمنزلة الأمي فلا يظهر أثر العلم عليه في عباداته، ولا في
أخلاقه ولا في
سلوكه، ولا في معاملاته مع الناس، بل قد يكسبه العلم
استكبارًا على عباد
الله وعلوًّا عليهم واحتقارًا لهم، وما علم هذا أن
الذي منَّ عليه بالعلم
هو الله، وإن الله لو شاء لكان مثل هؤلاء
الجهال.تجده قد أعطاه الله علمًا،
ولكن لم ينتفع الناس بعلمه. لا
بتدريس ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو
منحصر على نفسه، لم يبارك الله
له في العلم، وهذا بلا شك حرمان عظيم، مع أن
العلم من أبرك ما يعطيه
الله العبد؛ لأن العلم إذا علمته غيرك، ونشرته بين
الأمة، أُجرت على
ذلك من عدة وجوه:
أولا: أن في نشرك العلم
نشرًا لدين الله -عز وجل-
فتكون من المجاهدين، فالمجاهد في سبيل الله
يفتح البلاد بلدًا بلدًا حتى
ينشر فيها الدين، وأنت تفتح القلوب بالعلم
حتى تنشر فيها شريعة الله -عز
وجل- .
ثانيًا:
من بركة نشر العلم وتعليمه، أن فيه حفظًا
لشريعة الله وحماية لها؛
لأنه لولا العلم لم تحفظ الشريعة، فالشريعة لا
تحفظ إلا برجالها رجال
العلم، ولا يمكن حماية الشريعة إلا برجال العلم،
فإذا نشرت العلم،
وانتفع الناس بعلمك، حصل في هذا حماية لشريعة الله، وحفظ
لها.
ثالثًا: فيه أنك تُحسن إلى هذا الذي علمته؛ لأنك
تبصره
بدين الله -عز وجل- فإذا عبد الله على بصيرة؛ كان لك من الأجر مثل
أجره؛
لأنك أنت الذي دللته على الخير، والدال على الخير كفاعل الخير،
فالعلم
في نشره خير وبركة لناشره ولمن نُشر إليه. رابعًا: أن في نشر العلم
وتعليمه
زيادة له، علم العالم يزيد إذا علَّم الناس؛ لأنه استذكار لما حفظ،
وانفتاح لما لم يحفظ، وما أكثر ما يستفيد العالم من طلبة العلم، فطلابه
الذين
عنده أحيانًا يأتون له بمعان ليست له على بال، ويستفيد منهم وهو
يعلمهم،
وهذا شيء مشاهد.
ولهذا ينبغي للمعلم إذا استفاد من الطالب، وفتح له
الطالب شيئًا من أبواب
العلم ـ ينبغي له أن يشجع الطالب ، وأن يشكره
على ذلك ؛ خلافًا لما يظنه
بعض الناس أن الطالب إذا فتح عليه، وبيَّن
له شيئًا كان خفيًّا عليه، تضايق
المعلم، يقول هذا صبي يعلم شيخًا
فيتضايق، ويتحاشى بعد ذلك أن يتناقش معه،
خوفًا من أن يطلعه على أمر قد
خفي عليه، وهذا من قصور علمه بل من قصور
عقله.
لأنه إذا منَّ
الله عليك بطلبة يذكرونك ما نسيت ويفتحون عليك ما جهلت، فهذا
من نعمة
الله عليك، فهذا من فوائد نشر العلم أنه يزيد إذا علمت العلم كما
قال
القائل مقارنًا بين المال والعلم يقول في العلم:
يزيد بكثرة الإنفاق منه
... وينقص إن به كفًّا شددت
إذا شددت به كفًّا، وأمسكته نقص، أي تنساه،
ولكن إذا نشرته يزداد. وينبغي
للإنسان عند نشر العلم أن يكون حكيمًا
في التعليم، بحيث يلقي على الطلبة
المسائل التي تحتملها عقولهم فلا
يأتي إليهم بالمعضلات، بل يربيهم بالعلم
شيئًا فشيئًا.
ولهذا قال
بعضهم في تعريف العالم الرباني: العالم الرباني هو: الذي يربي
الناس
بصغار العلم قبل كباره.
ونحن نعْلَمُ جميعًا أن البناء ليس يؤتى به
جميعًا حتى يوضع على الأرض،
فيصبح قصرًا مشيدًا بل يبنى لبنة لبنة، حتى
يكتمل البناء، فينبغي للمعلم أن
يراعي أذهان الطلبة بحيث يلقي إليهم
ما يمكن لعقولهم أن تدركه، ولهذا يؤمر
العلماء أن يحدثوا الناس بما
يعرفون.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: إنك لن تحدث قومًا حديثًا لا
تبلغه عقولهم
إلا كان لبعضهم فتنة.
كذلك أيضًا ينبغي للمعلم أن
يعتني بالأصول والقواعد؛ لأن الأصول والقواعد
هي التي يبنى عليها
العلم.
وقد قال العلماء: من حُرم الأصول حُرم الوصول، أي لا يصل إلى
الغاية إذا
حرم الأصول، فينبغي أن يلقي على الطلبة القواعد والأصول
التي تتفرع عليها
المسائل الجزئية؛ لأن الذي يتعلم على المسائل الجزئية
لا يستطيع أن يهتدي
إذا أتته معضلة فيعرف حكمها؛ لأنه ليس عنده أصل.
منقول
الموضوع : الصيد الثمين من كتاب العلم للعلامة ابن عثيمين المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya