تروي لنا المصادر الإسلامية التي تحدثت عن معركة أُحد تفاصيل غزو جيش مشركي مكة المدينة النبوية، و تحكي لنا كيف كانت ردود فعل سكانها ، بدءاً بالنبي صلى الله عليه وسلم و صحبه الكرام و الذين كانت ردة الفعل لديهم الاستعداد للعدو و إعلان الجهاد دفاعاً عن الدين و طلباً لإحدى الحسنيين ، و دفاعاً كذلك عن الأهل و الوطن ، فكان أن أثنى الله عليهم بقوله : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) الأحزاب: ٢٣
و تروي نفس المصادر خبر رجلٌ من الأوس يقال له قزمان خرج للقتال مع المسلمين ، و بالرغم من أنه لم يكن ينطلق في قتاله ذلك من منطلقات شرعية ، ولكن من منطلقات وطنية صرفة تتمثل في الأنفة من تسلط الغزاة على قومه ، إلا أنه ( لما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول : الموت أحسن من الفرار يا آل أوس قاتلوا على الأحساب واصنعوا مثل ما أصنع ، قال فيدخل بالسيف وسط المشركين حتى يقال قد قتل ثم يطلع ويقول أنا الغلام الظفري حتى قتل منهم سبعة وأصابته الجراحة وكثرت به فوقع . فمر به قتادة بن النعمان فقال أبا الغيداق قال له قزمان : يا لبيك قال هنيئا لك الشهادة قال قزمان : إني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين ، ما قاتلت إلا على الحفاظ أن تسير قريش إلينا حتى تطأ سعفنا ) المغـازي للواقـدي.
بينما و في المقابل وُجد ضمن صفوف المسلمين في تلك المعركة فئة تدعي الإسلام خرجت مع المسلمين لا للقتال ، و إنما للتخذيل و بث روح الهزيمة في صفوف الجيش المدني ، و كانوا يشكلون ما يقارب ثلث الجيش ، و قد كان من خبرهم أن انسحبوا من أرض المعركة بعد وصولهم إليها و على مرأى و مسمع من العدو ، و ذلك رغبة منهم في رفع معنويات العدو و إضعاف الروح المعنوية للمسلمين ، ثم أنهم و خلال هذا الظرف الدقيق و المتطلب توحيد الصف في مقابلة العدو و تأجيل الخلافات الداخلية أخذوا في التشويش و المزايدات ، و ذلك بالزعم بأن الاشتباك مع العدو في ذلك المكان نوع من التهور المنافي للحكمة ، و المقتضية عدم الخروج و البقاء في المدينة ، و تورد تلك المصادر قصة الانسحاب فتقول :FFF: وارتحل ابن أبي من ذلك المكان في كتيبة كأنه هيق يقدمهم فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام فقال أذكركم الله ودينكم ونبيكم وما شرطتم له أن تمنعوه مما تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ونساءكم . فقال ابن أبي : لئن أطعتني يا أبا جابر لترجعن ، فإن أهل الرأي والحجا قد رجعوا ، ونحن ناصروه في مدينتنا ، وقد خالفنا وأشرت عليه بالرأي فأبى إلا طواعية الغلمان . فلما أصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سُرَّ ابن أبي ، وأظهر الشماتة وقال عصاني وأطاع من لا رأي له) المغـازي للواقـدي.
و قد أنزل الله في هذه الفئة قوله : (وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ) 167 آل عمران.
و يظهر لنا من خلال استعراض نماذج المشاركين في المعركة أن النموذج الكامل و المثالي هو نموذج المقاتلين جهاداً في سبيل الله ، و المدافعين ضمناً عن وطنهم و أهلهم ، و هذا النموذج الذي مثَّله رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام قد حاز على الشرف الدنيوي مع الفلاح الأخروي .
بينما نجد أن نموذج المقاتل الوطني الصادق الغيور على أرضه و قومه ( و إن كان لا يكفيه ذلك وحده للفلاح الأخروي ) يفرض عليك الاعتراف له بالشجاعة و المروءة و الاحترام له في هذا الجانب ، بل أنك ترى أنه من الممكن جداً التقاءه مع النموذج الأول في بعض القضايا الوطنية المشتركة ، و لذلك فقد علق النبي صلى الله عليه و سلم على فعل ذلك الرجل الوطني بقوله : ( إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة و إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) البخاري 2897
أما النموذج الأخير ( النموذج الخياني ) فهو نموذج الفشل بكل مقاييسه الدنيوية و الأخروية ، فقد جمع بين الخيانة و الجبن و الرضا بالهوان و الاحتلال ، و لذا فقد حاز هذا النموذج العار الدنيوي و معه أكبر خسارة ممكنة و المتمثلة في ما اخبر به تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا )النساء: ١٤٥ ، و هذا أسوأ ما يمكن أن يحوزه تيار أو فريق أو فئة ، و لذلك فإن من المستحيل الالتقاء مع هذا النموذج لا في القضايا الدينية و لا في القضايا الوطنية ، وذلك لأنهم و باختصار لا يحملون هموم أمتهم و أوطانهم .
و من خلال متابعة واقع الإعلام العربي و الخليجي و طريقة تفاعله و معالجته لما يحدث في غزة هذه الأيام ، يبرز جلياً و جود نماذج مشابهة لكل من تلك الأصناف الثلاثة ، فقد رأينا الكثير من القنوات و المطبوعات و الكتاب الذين تعاملوا مع القضية و فق المنظور الإسلامي ، معتبرين ما يحدث في غزة عدواناً يهودياً عقائدياً بالدرجة الأولى ، ورأوا كذلك في كل ما تقوم به المقاومة هناك جهاداً شرعياً مباركاً .
كذلك فقد وُجد من بين وسائل الإعلام العربية من واكبت هذا الحدث بشكل كبير و ملفت ، و هي و إن كانت تنطلق في المجمل من خلفيات قومية ووطنية ، إلا أنها في الحقيقة قد ساهمت و بشكل فعال و مشرف في خدمة القضية ، و ذلك عن طريق نقل صور الهمجية الصهيونية ، و كشف مدى العطش الصهيوني لدماء أطفال غزة ، و يأتي في مقدمة تلك الوسائل و بلا شك قناة الجزيرة ، فبرغم أن هذه القناة لا تقدم نفسها على أنها قناة إسلامية ، بل على أنها : ( خدمة إعلامية عربية الانتماء عالمية التوجه شعارها الرأي والرأي الآخر وهي منبر تعددي ينشد الحقيقة ويلتزم المبادئ المهنية في إطار مؤسسي. ) الجزيرة نت ، بل يأتي في المادة السادسة من ميثاق الشرف المهني الذي تنتهجه القناة ما نصّه : ( التعامل الموضوعي مع التنوع الذي يميز المجتمعات البشرية بكل ما فيها من أعراق وثقافات ومعتقدات وما تنطوي عليه من قيم خصوصيات ذاتية لتقديم انعكاس أمين وغير منحاز عنها ( . الجزيرة نت ، إلا أنها و مع ذلك أبى عليها حسها القومي إلا الانحياز لصالح القضية الفلسطينية ، و هذا ما حمل وكالة "فرانس برس" و في تحليل مفصل أعدته حول تغطية "الجزيرة" و "العربية" للعدوان الإسرائيلي على غزة، على القول :
الموضوع : من أُحد إلى غزة ، ما الذي تغير في موقف بن سلول ؟ المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya