لاخلاص .. سلاحنا الغائب
في زمن نحن أحوج فيه إلى القوة؛ يغيب عن أذهاننا
سلاح هام، يحتاج إلى ضبط للنوايا، ورفع للهمم، وقصد لوجه الله تعالى في كل
أمورنا، فبيده النصر، وهو القادر على العون والمدد.
فسلاح المؤمن هو
الإخلاص، وهو سلاح واقٍ، يحميه من الهم والحزن واليأس والضياع والضعف
والخيبة، ويجلب له السعادة وصلاح البال، قال تعالى: {لَقَدْ
رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [ الفتح: 18].
لقد
علم الله ما في قلوبهم من الإخلاص، وصدق النية والوفاء، {فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً
قَرِيباً}، والسكينة هي الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من
دينهم، وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له.
يُثمر الإخلاص السكينة
وقد
ضرب الله مثلاً لحال الموحدين المخلصين، وبين سبحانه كيف يُثمر الإخلاص في
نفوسهم اطمئناناً وسكينة وراحة، فلو أن هناك عبدين، الأول له سيد واحد،
عرف ما يرضيه وما يسخطه، فجعل هذا العبد كل همّه في إرضاء سيده واتباع ما
يحبه، والآخر عبد يملكه شركاء غير متفقين، كل واحد يأمره بخلاف ما يأمره به
الآخر، وكل واحد يطلب منه غير ما يطلبه الآخر، فهو في حيرة أيرضي هذا أم
يرضي ذاك.
فهل يستوي هذان العبدان في راحة النفس والبدن وسكينة
القلب، لا يستويان؛ لأن الأول له سيد واحد لا يستمع لغيره ولا يسعى إلا في
رضاه، والذي له سادة متعددون سيشقى في محاولة إرضائهم، ويتشتت قلبه وتهلك
قوته في طاعة أوامرهم المتضادة.
قال تعالى: {ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً
سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُـونَ} [ الزمر: 29 ].
وكلما قل
الإخلاص في القلب قلت السكينة وضاعت الطمأنينة، حتى تجد أكثر القلوب ضياعاً
وأشدها ظلاماً قلوب المهرولين وراء الدنيا والمرائين والمنافقين
والمشركين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم
وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ) .
مفرطون في حب الدنيا
فالذين يفرطون في محبة
زينة الدنيا من مال وغيره لدرجة يصيرون لها كالعبيد، فلا يتحركون إلا من
أجلها، حتى على حساب دينهم، فصار يرضى عن ربه بوجودها، ويسخط بعدمها، إن
أُعْطِيَ من الدنيا رضي ولم يشكر، وإن لم يُعْطَ سخط ولم يصبر، وترك ما
يأمره به دينه، هؤلاء واقعون في تعس الحياة، ولا ينالون إلا الشقاء في
الدنيا حتى إن كانوا من أهل الثروات والأموال".
قال ابن القيم:
"الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب؛ فروعها الأعمال، وثمرها طِـيب الحياة في
الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة
فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك.
والشرك والكذب والرياء
شجرة في القلب؛ ثمرها في الدنيا الخوف والهم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب،
وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم، وقد ذكر الله هاتين الشجرتين في
سورة إبراهيم".
مفتاح الفرج
يُثمر الإخلاص في وجدان
وحياة المؤمن
ومن ثمرات الإخلاص في الدنيا نزول الفرج
والنجاة من الكرب والشدة، بحسب مشيئة الله تعالى وقدره، وقد تعجب لو قلت لك
إن الله يفرّج بالإخلاص عن المشرك لو أخلص لله قليلاً، مع أنه مشرك، فما
ظنك بالمؤمن الذي ينبغي أن تكون حياته كلها مبنية على الإخلاص، وأن يجتهد
في تحقيق الإخلاص في كل عمل.
فإذا كان الله يفرج عن المشرك لو أخلص
قليلاً فإنه سبحانه لا شك يفرج عن المؤمن الذي يتحرى الإخلاص في عمله،
وينجيه مما ينزل به من شدائد، وكل بحسب قدر إخلاصه وتوكّله، قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ فَمِنْهُم
مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}
[ لقمان: 32 ].
ومن ثمرات الإخلاص قوة الهمة، فلا مثيل للإخلاص في
رفع همة الإنسان فيما يريد تحقيقه من أعمال، حين يتحطم عزمه أمام العقبات،
وقد تنفع معه وسيلة أو أخرى لرفع همته، لكن لن تجد دواء لإصلاح العزم، ورفع
الهمة كالإخلاص لله تعالى في العمل.
فالذي يطلب رضا الله؛ لن تقف
به همته عند هدف دنيوي من مال وشهرة ومكانة، ولن تعوقه عقبات؛ لأنه ينظر
إلى أبعد من الدنيا، فهو يرجو رضا الله تعالى عنه، ويطمع في الثواب الدائم
الذي لا ينقطع في الآخرة، وربط آمال نفسه برضا الله ونعيمه المقيم،
فالإخلاص هو الذي يرتفع بالهمم دون حدود، ويشحذها إذا فترت.
الموضوع : الاخلاص .. سلاحنا الغائب المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya