الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
أما بعد،
فالإنسان المعاصر –لا سيما التائه في أغوار العلمانية
وجهلها- يركبه الغرور بشكل مثير للسخرية لمجرد أنه صنع شيئًا متقنًا، أو
ابتكر نظامًا جديدًا، اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا، وكأنه لم يأت أحد في الكون
بمثل ما جاء به، ولا يلتفتُ إلى خَـلـْقٍ هم أدنى منه منزلةً يأتون
بأعمال، ولهم نظم هي غاية في الإتقان والروعة، كالنحل، والنمل، والعنكبوت.
بل يصل التمادي مداه حين يظن الإنسان المغرور بالعلمانية في
سكرة عماه أنه يمكنه تعميم نتائج نجاحه في جانب على جميع جوانب حياته،
بحيث يتجرأ على الخروج عن مسيرة الدين وشرع الله، ويتحدى ربه -سبحانه
وتعالى- بذلك الإتقان وذلك الكشف. قل هذا تحديدًا الآن على النظم
الاقتصادية والفكرية والسياسية التي تروج لها العلمانية!!
لكن دعنا نضرب المثل بتيتانيك، التي يمكن أن نعدها مثالاً
واضحًا على فشل تقدير البشر، إن لم تكن مثالاً على الغرور البشري.
لقد تم تصميم السفينة وفقًا لنظرية السفينة التي لا تغرق
-وكان لها قاعان-، وتم تطبيق نظريات حسابات الطفو، ودراسة وتحديد المسافات
بين القواطع السادَّة للمياه، ورغم ذلك يضرب الله -تعالى- المثل بهذا الفشل
الإنساني -رغم الحرص على الدقة- على عظيم قدرته -تعالى-، وافتقار الناس
إليه.
ويمكننا بعين الخيال أن نشاهد إحدى الأميرات البريطانيات وهي
تقوم بتدشين السفينة تيتانيك، وتستمع إلى شرح من المهندس الألماني الذي
قام بتصميمها وهو يحدثها عن إجراءات الأمان والإمكانيات الخارقة التي تتمتع
بها، وتسأله الأميرة: هل يمكن لهذه السفينة أن تغرق؟!
وكان يمكن أن يكون الجواب
هادئًا متواضعًا بأنهم اجتهدوا والتوفيق من الله، وما يشبه ذلك من الردود
التي تعرف قدر الإنسان، لكن العجيب أن يجيبها المهندس على الفور: "الله لا
يستطيع أن يغرقها"!!
ومع ذلك فقد غرقت في رحلتها الأولى، وتحديدًا الساعة 20ر2
بعد ظهر يوم 15 إبريل عام 1912م، ويا لجهل الإنسان بربه وقدرته.
فبدلاً من شكر الله -تعالى- وإدراك نعمته؛ حيث هيأ للإنسان
القدرة على التنعم برحمة الله -تعالى-، وتسخير الكون له؛ إذا به يظن أن
الأمر بيده، وأن إحاطته ببعض أسباب الدنيا تمنعه من أن يأتيه الله -تعالى-
من حيث لا يحتسب.
قال
-تعالى-: (وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ
كَالأَعْلامِ . إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ
عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ . أَوْ
يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ)(الشورى:32-34)،
(يُوبِقْهُنَّ): أي يهلكهن.
واسم "تيتانيك" يعني: الجبار أو المارد، سميت بذلك للفخامة
التي كانت عليها وضخامة حجمها، ولم يكن غرقها أخذًا سريعًا في لحظة واحدة،
كالصاروخ تشالنجر "المتحدي" الذي سقط أمام مودعيه تحديدًا بعد انطلاقه بـ
73 ثانية في 28 يناير 1986 م، وتسبب في مصرع روّاد الفضاء السبعة الذين
كانوا على متنه.
وإنما
غرقت السفينة تيتانيك في العمق بين سواحل نيويورك
وكندا، وكما يقول الدكتور مصطفى الجمال -من جامعة الإسكندرية-؛ بعد
ما لاحظ أحد ضباطها وجود هالة من السواد تنبئ عن وجود جبل من الجليد في
طريق الإبحار، وتبعد عن مقدمة السفينة آنذاك بمسافة حوالي ثمانية أميال
بحرية؛ حتى أعطى القرار الخاطئ بإصداره الأوامر بتحويل وتغيير مسار السفينة
فجأة من قيمة الصفر إلى أقصى قيمة لوضع الدفة؛ مما نتج عنه إجهادات عصر
فجائية للبدن نتج عنها حدوث شرخ بسطح السفينة، والذي هيأت الظروف له
الانتشار بسرعة الصوت في المادة؛ مما أدي إلى انشطار السفينة إلى جزأين غرق
الجزء الأمامي منها في التو، بينما ظل الجزء الخلفي يقاوم الغرق لمدة
حوالي ساعتين ونصف الساعة كانت كافية لإنقاذ أقل من نصف عدد الركاب بينما
غرق جميع من كانوا جهة المقدم من السفينة.
وقد ظن البعض خطأً أن السفينة قد ارتطمت بجبل من الجليد، مع
أن موضع غرقها كان يبعد عن أقرب جبل للجليد في المنطقة بقيمة تقدر بخمسة
أميال بحرية، أي حوالي 10كيلومترات!
ولا نعني -بالطبع- عندما نذم غرورَ الإنسان وظنَّه الإحاطة
بالأشياء؛ أننا نحب الأذى للبشر.
ولا أننا نظن أن الله -تعالى-
عاقب أصحاب السفينة بما نقل عن مصممها؛ فالله -تعالى- رحيم لا يحاسب
الإنسان بجريرة غيره.
ولا يـُظن -أيضًا- أننا ضد إتقان الأعمال.
الموضوع : قبل أن نغرق مع تيتانيك الجديدة (1-2) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya