وفي المقابل: كان هذا الأمر امتحاناً
وفتنة سقط فيها كثيرٌ من الزعماء والعلمانيين والإعلاميين، كما أوجدت
خَدْشاً في بعض البيانات والخطابات والتحركات التي كان من ضمنها مناشدة هذه
المنظمات بوضع حدٍّ للحرب وكأنه خافٍ عليهم قول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى
حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [سورة البقرة: 120].
أمَّا الأخوة الإيمانية والولاء للمؤمنين: فقد ظهرت
أسمى معانيها في أحداث غزة {وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [سورة التوبة:
71]، فما أن اندلعت الحرب حتى هُرِعَ المسلمون من جميع أقطار المعمورة -
عرباً وعجماً- يجأرون إلى الله تعالى بالدعاء في صلاتهم إحياءً لسنة قنوت
النازلة، ثم تتابعت البيانات والفتاوى التي تدعو لنصرة إخواننا في غزة،
وخرج كثيرٌ من الناس بشتى أجناسهم وأعمارهم وطبقاتهم إلى الشوارع يطالبون
بإيقاف الحرب، بل طالب كثيرٌ منهم بفتح باب الجهاد ليجاهدوا في سبيل الله
معهم، لكن حيل بينهم وبين ذلك، فلله الأمر من قبلُ ومن بعد، كما أنه ما أن
أعلنت بعضُ الجهات المختصة بجمع التبرعات لمنكوبي غزة حتى قام كثيرٌ من
الناس رجالاً ونساءً بالإنفاق في سبيل الله، وكلُّ ذلك دليلٌ على الأخوةِ
الإيمانية وولائهم للمؤمنين.
وفي المقابل:
سقط آخرون وأصبحوا يتحدثون عن أخطاء حماس وأنها سبب كل ما يحدث، بل إن
أحدهم كتب في إحدى الصحف العربية: "اضربيهم إسرائيل ولا تبقي منهم
أحداً!!"، فأين هذا من الأخوة الإيمانية؟!
ومما يؤسف له أن بعض أهل
العلم والفضل لا تجد لهم أثراً رغم كل هذه الأحداث العصيبة، وكأن الأمر لا
يعنيهم!!، وهم من أفقه الناس –نظرياً- بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه
في (صحيح البخاري) مرفوعاً: «وذِمَّة المسلمين
واحدة، يسعى بها أدناهم».
وأمَّا
عقيدة البراء من الكافرين وعدم مظاهرتهم على المسلمين: فهذه أصبحت
من النظريات، ولا علاقة لها بالواقع مع أن الله عزَّ وجلَّ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن
يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة المائدة: 51]، وقد عدَّ علماءُ
الإسلام مظاهرة المشركين على المسلمين من نواقض الإسلام.
ألا فليحذر
كلُّ من أعان اليهود أو النصارى أو غيرهم من الكفار على قتال المسلمين من
مقت الجبَّار وغضبه وعقابه.
وأما حسن الظن
بالله: فينبغي للمسلم أن لا يسيء الظن بالله تعالى فمن ظنَّ أنَّ
الله ينصر اليهود أو النصارى أو غيرهم من الكفار على المسلمين نصراً
دائماً، أو أن الحق سيظل مغلوباً من قبل الباطل، أو أن ما يجري لا حكمة
فيه، أو أنه يحصل عبثاً، فقد أساء الظنَّ بالله، والله تعالى يقول محذراً
من سوء الظن به {يظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ
الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [سورة آل عمران:154]، فهذه الأمور
المؤلمة التي نراها إنما تحدث لحكمة يعلمها الله، فَالله تعالى مَا قدَّرها
سُدًى، ولا أنشأها عبثاً، ولا خلقها باطلاً، فهذا من حسن الظن بالله
تعالى.
أما اليقين بموعود الله ونصره:
فهذا من مقتضيات الإيمان بالله والتصديق برسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد
جاء عن أبى هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-
قال: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ
الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى
يَخْتَبِئَ الْيَهُودِىُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ
الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا
يَهُودِىٌّ خَلْفِى فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ
مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ»، فمن مقتضيات الإيمان بالنبي صلى الله عليه
وسلم تصديق هذا الوعد بأن نهاية اليهود على أيدي المسلمين، فابشروا أيها
المسلمون، وأمِّلوا، وأحسنوا الظنَّ بربكم، فالنصر آت، وانصروا الله ينصركم
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [سورة الحج: 40].
وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الموضوع : المفاهيم العقدية في أحداث غزة... بين الثبات والضياع المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya