لقد هُزم المؤمنون وفيهم رسول الله في معركة أحد
حين عصوا أمر الرسول ، وهُزِم أغلبُهم يوم حنين وفيهم رسول الله حين
أعجبتهم كثرتهم وقال بعضهم: "لن نُغلب اليوم من قلة"، فكيف ينصر الله من لا
ينصره لمجرد دعواه أنه مؤمن؟!، كيف ينصر الله من يعصيه ولا يقوم بواجبه؟!،
يقول عمر رضي الله عنه: "إنا لا ننتصر على
عدوّنا بعددٍ ولا عدة، وإنما ننتصر بطاعتنا لله ومعصيتهم له، فإن عصينا
الله فقد استوينا وإياهم في المعصية، وكان لهم الفضل علينا".
عباد
الله، لله تعالى سنن لا تتغيَّر يحكم بها الكون والحياة والإنسان، منها
متطلبات النصر ومسببات الهزيمة. والحكمة من وراء هذه السنن أن تظهر خبايا
النفوس، وتبرز معادن الناس من خلال واقع منظورٍ لا من خلال أقوال وأمنيات،
فتتميّز الصفوف، وتتمحص النفوس، ويُعلم المؤمنون الصابرون فينصرهم الله،
ذلك أن النصر شرف، ولن يتنزَّل على قلوب قاسية غافلة، ونفوس مريضة، وأحوال
مغشوشة، في أمة تشعبت بها السبل، وتجارت بها الأهواء، وتعمقت في أخوتها
الخلافات، وتلوّثت بسوء الظن. ولهذا فمن أولى متطلبات النصر ترسيخ العقيدة
وغرس الإيمان؛ لأن الإيمان الصادق ـ عباد الله ـ يزكي النفوس، ويطهر
القلوب، فتصلح الحال، ويكتب الله النصر والتمكين للمؤمنين؛ لأن أسباب النصر
داخليةٌ في القلوب والنفوس، قال تعالى: {إِنَّا
لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا
وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ} [غافر: 51].
والتاريخ ـ عباد
الله ـ يحكي لنا أحوال أقوام من أهل الإيمان جياع حفاة قلة، صدقوا مع
الله، وتخلصوا من حظوظ أنفسهم، فنصرهم الله ومكن لهم، قال تعالى: {وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ
ٱلْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].
من أسباب النصر الإخلاص،
فالمخلص مؤيَّد من الله، مَكفيّ به سبحانه: {أَلَيْسَ
ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]، وعلى قدر إخلاص المرء لربه
وتجرده له يكون مدد الله وعونه وكفايته وولايته، إن الإمداد على قدر
الاستعداد، إمدادُ الله بالنصر والتأييد والتوفيق والتسديد على حسب ما في
القلوب من تجريد النية وصفاء الطوية، قال تعالى: {لَّقَدْ
رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح: 18].
من
أسباب النصر ـ عباد الله ـ نصرةُ دين الله والقيام به قولاً وعملاً،
اعتقاداً ودعوة، مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن
يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن
مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الْأُمُورِ} [الحج: 40-41].
من متطلبات النصر التجمل بالصبر،
هذا ما نستفيده من قول الرسول: «يا أبا جندل، اصبر
واحتسب، فإن الله جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً»
[أخرجه أحمد] [2]، وفي حديثه لابن عمه عبد الله بن عباس قال: «وأن النصر مع الصبر» [3]، وفي ختام عدد من السور
المكية أوصى الله رسوله بالصبر: {وَٱتَّبِعْ مَا
يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَٱصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ
ٱلْحَـٰكِمِين} [يونس: 109].
من أسباب النصر الاعتماد على
القوي الذي لا يغلب، يفوض إليه أمره، يثق في وعده، فلا يخاف من أعداء الله،
ذلك أن النصر من عند الله، والعزة كلها من الله، ومن أراد النصر فليطلبه
من الله، ومن أراد العزة فليعتز بالله، ففي غزوة حنين رأى المؤمنون أنفسهم
في كثرة فقال بعضهم: لن نُغلب اليوم من قلة، وكأنما ألهتهم كثرتهم عن حقيقة
القوة والنصر، فوكلهم الله إلى كثرتهم التي أعجبتهم فلم تغنِ عنهم شيئاً، {لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ
شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم
مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25].
إخوة الإسلام، الدعاء أهم أسلحة
النصر، لما صنع نوح السفينة لجأ إلى الله، واحتمى بحماه، ولم يركن إلى
الأسباب وحدها، توجَّه إلى الله بالدعاء، لعلمه أن الدعاء يستمطر سحائب
النصر، سجل لنا القرآن الكريم صِيَغ الدعاء التي دعا بها نوح ربه، وكيف أن
الله استجاب له على الفور: {فَدَعَا فَدَعَا رَبَّهُ
أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء
مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء
عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ
وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ}
[القمر: 10-14].
ومن أسباب النصر ـ عباد الله ـ إكرام ورعاية
الضعفاء، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي قال له: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟؟» [أخرجه
البخاري] [4]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «أبغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم»
[5]، وفي الحديث: «إنما ينصر الله هذه الأمة
بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» [أخرجه النسائي] [6].
من
أسباب النصر الثبات وكثرة ذكر الله، والاتحاد والاجتماع وعدم التنازع
والاختلاف، قال تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ
ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ
كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
إعداد
القوة المادية والمعنوية من أسباب النصر، قال تعالى: {وَأَعِدُّواْ
لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ ٱلْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
الموضوع : ألا إن نصر الله قريب المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya