+
----
-
إننا اليوم في مرحلةٍ ينبغي أن نتجاوز فيها مهزلة توزيع المسئوليات وتقسيم الواجبات على الآخرين، في مقابل الفرجة التامة والعزلة الكاملة، فإن ثمة أقواماً يُجيدون اللوم وإلقاء التبعة على الآخرين، أما هم فقد حازوا شهادة براءةٍ وصكوك غفرانٍ، فلا عليهم بعد ذلك أن يقبعوا في جحورهم ويركنوا في زواياهم دون عمل شيء لخدمة الإسلام، لقد حقق أسلافنا المعجزات وقهروا المعضلات بقوة عزائمهم وحسن توكلهم وشدة بأسهم وجماعية أدائهم، ونحن اليوم قادرون على إعادة الكرة بإذن الله وتحقيق المعجزة بحول الله، متى تشبهنا بأولئك الأخيار واقتفينا آثارهم، والله جل وتعالى يقول: (وكان حقاً علينا نصرة المؤمنين).
وأخيراً ماذا يجب علينا تجاه الصحابة؟:
وبعدما عرفنا بأن الصحابة بهذه المرتبه، وبهذه المنـزله والمكانه، وبعدما سمعنا طرفاً من حياتهم وما قدموه فى سبيل خدمه الدين. يأتى السؤال: ماذا يجب علينا تجاه الصحابه؟.
إن الذى يجب علينا تجاه الصحابه الكثير والكثير يكفيهم، بأن لهم فى أعناقنا أن هذا الدين ما وصلنا إلا عن طريقهم، وأننا لم نهتدى إلى شرع الله إلا بواسطتهم، فهم نقله الشريعه، وحملة الملة، وهم الواسطة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذى يجب علينا تجاههم:
أولاً: حبهم:
من عقائد أهل السنه والجماعه، وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم وتوقيرهم وتكريمهم، ويحرم بغض أحد من الصحابه البته قال الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم). وروى الترمذى بإسناده إلى عبد الله بن مغفل المزنى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله الله فى أصحابى، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبى أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن أذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه". هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بغض الصحابه، فكيف بالذى يناصبهم العداوة ويسبهم ويشتمهم، بل ربما قال بكفرهم والعياذ بالله، نعوذ بالله من الخذلان.
سئل الحسن البصرى رحمه الله تعالى: حب أبى بكر وعمر رضى الله عنهما سنه؟ قال: لا، فريضة. وقال الإمام الطحاوى رحمه الله تعالى فى عقيدته: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط فى حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
ثانياً: الدعاء والاستغفار لهم:
وهذا أمر يغيب على كثير من الناس، بل كثير من خواص المسلمين من يغفل هذه القضية، بل البعض من طلبه العلم لا يعلم أن من حق الصحابه عليه أن يدعو لهم وأن يستغفر لهم. من حق الصحابه الكرام رضى الله عنهم على كل من جاء بعدهم من عباد الله المؤمنين أن يدعو لهم ويستغفر لهم ويترحم عليهم، وذلك لما لهم من الفضل على من أتى بعدهم. قال الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم) وقد فهم أهل السنة والجماعة أن المراد من الآية السابقة الأمر بالدعاء والاستغفار من اللاحق للسابق، ومن الخلف للسلف الذين هم أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم.
روى مسلم فى صحيحه بإسنادة إلى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يابن أختي أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم". قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قولها "أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم" قال القاضي: الظاهر أنها قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون فى عثمان ما قالوا، وأهل الشام فى علي ما قالوا، والحرورية فى الجميع ما قالوا. وذكر الإمام البغوي رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم) عن مالك قال: عامر الشعبى: يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى الرافضة بخصلة، سُئلت اليهود: من خير أهل ملّتكم، فقالوا: أصحاب موسى عليه السلام، وسئلت النصارى: من خير أهل ملّتكم، فقالوا حواري عيسى عليه السلام، وسئلت الرافضة: من شر أهل ملّتكم، فقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أُمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة.
ثالثاً: الشهادة لهم جميعاً بالجنة:
فأولاً: نشهد لأناس مخصوصين سماهم النبى صلى الله عليه وسلم بأسمائهم أنهم فى الجنة.
ثانياً: نشهد لجميع الصحابة على العموم بالجنة بنص كتاب الله.
فأما الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائهم ففي مقدمتهم العشرة المبشرين بالجنة. وبلال بن رباح، لما روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام، فإني سمعت الليله خشف نعليك بين يدى فى الجنة، قال بلال ما عملت عملاً في الاسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لى أن أصلي. وأيضاً ممن شهد له الرسول بالجنه زيد بن حارثه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة فقلت لمن أنت؟ قالت أنا لزيد بن حارثة". وممن شهد لهم الرسول الله صلى الله عليه بالجنة حاطب بن أبى بلتعة، وعكاشه بن محصن، وسعد بن معاذ، وثابت بن قيس بن شماس، وحارثة بن سراقة، وعبد الله بن سلام، وأم سليم بنت ملحان، وكل هؤلاء قد ثبت فى حقهم أحاديث صحاح. وهناك جماعة من أهل بيت النبوة غير علي بن أبى طالب رضى الله عنه وردت نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها دلاله واضحه في أنهم ممن يقطع لهم بدخول الجنة منهم: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فقد بشرها رسول الله صلى الله علية وسلم ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، وابنته فاطمة أخبر بأنها سيدة نساء أهل الجنة، وولداها الحسن والحسين أخبر بأنها سيدا شباب أهل الجنة، كما شهد صلى الله عليه وسلم لخلق كثير من الصحابة على سبيل الجمع كأهل بدر وأهل بيعه الرضوان.
أما القسم الثانى فهو الشهادة لجميع الصحابه بالجنة من مهاجرين وأنصار حسب وعد الله لهم بالحسنى وهى الجنة كما قال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجه من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) فالصحابة كلهم إما منفق من قبل الفتح ومقاتل، أو منفق من بعد الفتح ومقاتل، وكلاً وعد الله الحسنى وهي الجنة.
رابعاً: مما يجب علينا تجاه الصحابه، تحريم سبهم:
إعلم أن سب أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم محرم بنص كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) والذي يرضى عنه الله لا يسخط عليه أبداً فدلت الآية على تحريم سبهم. وقال جل وعز: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) ولا شك بأن سب الصحابة فيه إيذاء لله ولرسوله. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه". وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" والحديث صحيح.
فكل هذه النصوص وغيرها تدل على تحريم سب الصحابة وأن من فعل ذلك فقد أنزل نفسه أقبح المنازل وتجرأ على خيار المؤمنين وعصى سيد المرسلين. وقد كان السلف رحمهم الله تعالى يشنعون على من سب الصحابة وكانوا يعدون هذا الأمر جرماً عظيماً.
روى ابن بطة باسناده إلى هارون بن زياد قال: سمعت الفريابى ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر فقال: كافر، قال فنصلى عليه، قال: لا، فسألته كيف نصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله، قال: لا تمسوه بأيديكم ادفعوه بالخشب حتى تواروه فى حفرته. وقال بشر بن الحارث: من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين. وقال أبو بكر المروزى : سألت أبا عبد الله عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهم فقال: ما أراه على الإسلام. وقال محمد بن بشار قلت لعبد الرحمن بن مهدى، أحضر جنازة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو كان من عصبتى ما ورثته. فهذه الآثار عن هؤلاء الأئمة كلها دلت على تحريم سب الصحابة عموماً أو فيها بيان الخسارة الواضحة التى تلحق من أقحم نفسه فى هذا الجرم الكبير. فكيف بالذى اتخذ سب الصحابة ديناً له، فأي دين هذا الذي يدينون به وأي عقيدة هذه التي يعتقدونها.
وقد ذهب جمع كبير من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة، وأنهم ليسوا بمسلمين وإن ادعوا الإسلام وأن عقوبته القتل. قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "وقد قطع طائفه من الفقهاء من أهل الكوفه وغيرهم بقتل من سب الصحابة".
هذا بالنسبة لعموم الصحابة أما من سب عائشة رضى الله عنها وطعن فى براءتها، فإن أهل العلم من أهل السنة والجماعة أجمعوا قاطبة على أن من طعن فيها بما برأها الله منه وبما رماها به المنافقون من الإفك فإنه كافر مكذب بما ذكره الله فى كتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها، وقالوا إنه يجب قتله لأنه يعتبر قد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل.
عجبٌ والله، كيف يُطعن في أناس اختارهم الله أن يكونوا هم جلساء الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم ثلته وجماعته، الذين يرافقونه في سفره وإقامته، وفي ذهابه ومجيئه.
قال أبوزرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".
إن التطاول على الصحابة رضي الله عنهم والجرأة في تنقُّصهم سنّة الزنادقة وأهل الأهواء قديماً وحديثاً. واللافت للنظر أن هذه الجرأة ازدادت حدّتها في الآونة الأخيرة بشكل يثير الاستغراب، تارةً باسم النقد التاريخي، وتارةً باسم البحث العلمي، وتارةً تحت عنوان حرية الفكر. والجديد في هذا السياق أمران:
الأول: أن الباطنيين راحوا يؤزّون بعض أهل الأهواء من العلمانيين والليبراليين وخاصة بعض أُغَيْلِمَة الصحافة لمثل هذه المرتقيات الصعبة، ويستثيرونهم لافتعال ذلك النقد المزعوم دون تحقيق علمي أو دراسة موضوعية، وصدق المولى جلَّ وعلا: (وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُون).
الثاني: تطاول بعض أهل الفنِّ على الصحابة رضي الله عنهم من خلال المسلسلات التاريخية التي هدفها في الظاهر إبراز مآثر المسلمين التاريخية وفي باطنها لمزُ بعض الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم وإسقاط هيبتهم والعبث بتاريخهم. لقد أدرك علماء الأمة منذ وقت مبكر أن القدح في الصحابة رضي الله عنهم قدحٌ في النبي صلى الله عليه وسلم، وقدحٌ في دين الإسلام، ولهذا اشتدَّ نكيرهم على أولئك المتطاولين، وتواتر تحذيرهم منهم، وها هو ذا الإمام مالك رحمه الله يقول في الذين يسبون الصحابة رضي الله عنهم: "إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه، حتى يُقال: رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين". وقد آن الأوان أن نجتهد في الذبِّ عن الصحابة رضي الله عنهم، ونبرز مآثرهم وسيرهم العطرة، ونقدّمهم قدوات مباركات يهتدي بها من أراد الهداية (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيم).
ورحم الله الإمام القحطاني إذ يقول في نونيته:
قل إن خير الأنبياء محمدٍ ****** وأجل من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد ****** وكذاك أفضل صحبه العُمران
إلى قوله:
لا تركنن إلى الروافض إنهم ***** شتموا الصحابة دونما برهان
لَعنوا كما بغضوا صحابة أحمد ***** وودادهم فرض على الإنسان
حب الصحابة والقرابة سنة ***** ألقى بها ربي اذا أحياني
والله اعلم
الموضوع : حقوق الصحابة رضي الله عنهم المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ابراهيم كمال توقيع العضو/ه:ابراهيم كمال |
|