في الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة، اجتمع
الأنصار
أوسهم وخزرجهم لاختيار خليفة للمسلمين من بينهم، اجتمعوا في سقيفة
بني
ساعدة، وهي الدار التي اعتادوا أن يعقدوا فيها اجتماعاتهم المهمة، رأى
الأنصار
أن الخليفة لا بد أن يكون منهم؛ لاعتبارات كثيرة، ولذلك سارعوا إلى
هذا الاجتماع الطارئ. هذا الموقف لا بد وأنه سيثير أسئلة كثيرة في
الذهن،
وقد تُسأل هذه الأسئلة بحسن نية؛ وذلك للمعرفة والفقه والاستفادة،
وقد
تسأل بسوء نية؛ للطعن والكيد، والنيل من الصحاب ومن دولة الإسلام، يبرز
من هذه الأسئلة سؤالان هامان ركز المستشرقون، وأتباعهم من العلمانيين سواء
من أبناء الغرب، أو الشرق، أو من أبناء المسلمين عليهما، سؤالان الغرض
منهما
الطعن في الأنصار، وسيتبع السؤالان لا محالة أسئلة أخرى للطعن في
المهاجرين،
وبقية الصحابة: السؤال الأول: كيف تحرك الأنصار
لاختيار خليفة في نفس
يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس
في قلوبهم حزن على نبيهم؟
يقول المستشرقون: إن الأنصار أرادوا الدني
ورغبوا فيه وحرصوا عليها،
فتسارعوا إليها، ولم يردعهم المصاب الفادح الذي
ألم بهم، هذا السؤال
يتردد أيضًا في أذهان بعض المؤمنين للاستفسار، وللرد
على شبهات
الطاعنين. السؤال الثاني: لماذا أراد الأنصار
الاستئثار بالخلافة دون
المهاجرين، وأسرعوا إلى سقيفة بني ساعدة لترشيح رجل
منهم؟ الحقيقة قبل
أن نخوض في الإجابة عن هذين السؤالين الهامين
أود أن أقدم بتعريف
للأنصار...
من هم الأنصار؟
يبدو
أن
كثيرًا من المسلمين لا يدركون معنى وقيمة الأنصار، الأنصار طائفة من
البشر
اتصفت بصفات عجيبة، ومرت بمراحل تربوية معينة، أنتجت في النهاية
جيلًا
من الرجال والنساء والأطفال من المستحيل أن يتكرروا في التاريخ بهذه
الصورة،
فعلًا، الأنصار ظاهرة فريدة، اتصفوا بصفات خاصة ظلت ملازمة لهم منذ
أن
أصبحوا أنصارًا، ومرورا بكل مواقفهم، الأنصار نسمة رقيقة حانية هبت على
دولة الإسلام الناشئة، ففاضت من بركتها، وخيرها على الأمة، ثم مرت النسمة،
ولم تأخذ شيئًا لنفسها، سبحان الله، الأنصار قَدّموا، وقَدّموا، ولم
يأخذوا
شيئًا، وكلما جاءت الفرصة ليأخذوا يجعل الله أمرًا آخر، فيخرجون بلا
شيء، يخرجون راضين بلا سخط، ولا ضجر، وكأن الله أراد أن يدخر لهم كامل
الأجر،
ولا يعجل لهم شيئا في دنياهم. الأنصار، وما أدراك ما
الأنصار، روى
البخاري عن البراء رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: الْأَنْصَارُ لَا
يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا
يَبْغَضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ
أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ،
وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ.
هذا حديث يلخص المسألة، لا
بد أن يعرف المسلمون قدر الأنصار قبل أن
يخوضوا في أعراضهم، القضية
قضية إيمان ونفاق، وقضية حب الله لعبد وبغض الله
لعبد آخر، فالحذر
الحذر من أي شبهة تغير على المؤمنين قلوبهم. روى البخاري عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول اله
صلى الله عليه وسلم: لَوْلَا الْهِجْرَةُ
لَكُنْتُ امْرَءًا
مِنَ الْأَنْصَارِ. وروى البخاري ومسلم عن أنس بن
مالك رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار:
اللَّهُمَّ
أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ. قالها ثلاثا. وروى
البخاري
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للأنصار:
مَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ. وغير ذلك كثير من الأحاديث
في حقهم، هذا الحب
الجزيل من رسول الله صلى الله عليه سلم للأنصار، ومن
الأنصار لرسول
الله صلى الله عليه وسلم جعل الصحابة جميعًا يجلون الأنصار،
ويقدرون
قيمتهم، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرجت
مع
جرير بن عبد الله البجلي في سفر فكان يخدمني. وجرير بن عبد الله
هذا من
أشراف قبيلة، بجيلة، ومن أعلام العرب، وكان له شأن كبير في الجزيرة
العربية قبل الإسلام، وفوق هذا، فهو أسن، وأكبر كثيرًا من أنس بن مالك،
هذا
كله دفع أنس بن مالك أن يستنكر، أو يستغرب أن يخدمه جرير بنفسه، قال
أنس:
لا تفعل. فقال جرير: إني قد رأيت الأنصار تصنع
برسول الله صلى الله
عليه وسلم شيئًا، آليت أن لا أصحب أحدًا منهم إلا
خدمته. وأنس من
الأنصار، إذن يخدمه جرير الشريف رضي الله عنهم
أجمعين، هذا التكريم
والتبجيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن
الصحابة للأنصار لم يأت
من فراغ، وإنما أتى لنوايا صادقة، وأعمال متواصلة،
وأخلاق حسنة، ولو
نظرت إلى حال الأنصار لوجدت صفة أساسية تمثل ركيزة في
بناء الأنصاري،
تلك هي صفة الإيثار: [وَالَّذِينَ
تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ
مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ
هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ
فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا
أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ
نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {الحشر:9}. محور حياة الأنصار
أنهم
يؤثرون على أنفسهم، هذا ليس وصف أصحابهم لهم، ولا حتى وصف رسول
الله صلى
الله عليه وسلم لهم، بل وصف الله عز وجل الذي خلقهم، ويعلم
سرهم ونجواهم،
ويعلم ظاهرهم وباطنهم، ويعلم ما تخفي الصدور
[وَالَّذِينَ
تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يُحِبُّونَ مَنْ
هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ
حَاجَةً مِمَّا
أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ
بِهِمْ خَصَاصَةٌ
وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
المُفْلِحُونَ] {الحشر:9}. أثبت الله لهم الإيمان، ومحبة
المهاجرين،
وسلامة الصدر، والإيثار على الذات، والوقاية من شح النفس، وفي
النهاية
أثبت لهم الفلاح، أيّ فضل! وأيّ قدر! وأيّ درجة! وأيّ مكانة! لا بد
أن
نعرف هذه الأمور قبل أن نأتي، ونحلل مواقف الأنصار في سقيفة بني ساعدة،
لا بد وأن تملك الخلفية الصحيحة لهؤلاء القوم، ولهذه الطائفة الفريدة من
البشر.
- اقرءوا تاريخ الأنصار، اقرءوا بيعة العقبة الثانية، وما
قدموه من
تضحيات ثمينة، وجهاد عظيم، والثمن: الجنة. - اقرءوا قصة
الهجرة، وتسابق
الأنصار على فقرهم في استضافة المهاجرين، وإكرام المهاجرين،
وحب
المهاجرين، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار
للنبي
صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. يريدون
أن
يقسموا نخيلهم، وأرضهم بينهم، وبين المهاجرين، قال صلى الله عليه وسلم:
لا. أَبَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أن يضحوا هذه
التضحية
الكبيرة، وأشفق عليهم، لكن هل سكت الأنصار، وقد رفض رسول الله صلى
الله
عليه وسلم طلبهم، أبدًا، إنهم لم يتقدموا بطلبهم بقسمة النخيل رياء
ولا
سمعة، ولم يتقدموا بذلك رهبة وخوفًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولكن
فعلوا ذلك؛ لأنهم وجدوا في قلوبهم حبًا حقيقيًا للمهاجرين، ووجدوا في
أنفسهم
إيثارًا على أنفسهم، شعور جارف من الحب في الله لا يقاوم، ذهب
الأنصار
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضون عليه الأمر من زاوية
أخرى،
وكأن نفوسهم لا تطيق أن يمتلكوا شيئًا لا يمتلكه إخوانهم، قالوا:
فتكفونا المئونة، ونشرككم في الثمرة. يقصدون أن يعمل المهاجرون في
الأرض
بدلًا من الأنصار، ثم يقسموا الناتج من الثمرة بينهم، أي مشاركة برأس
المال والمجهود، وهم لا يحتاجون من يساعدهم، ولكنه نوع من المساعدة، دون
إراقة
ماء وجه المهاجرين، فهذا عمل، وهذا أجره، قال المهاجرون: سمعنا
وأطعنا.
فسعد الفريقان بذلك، مشاعر الأنصار مشاعر قريبة من
الملائكة، ليس في
حدث أو حدثين، أو يوم أو يومين، بل هذا دينهم طيلة
حياتهم، جبلوا على
الإيثار منذ آمنوا.
الأنصار بعد حنين
حدث ما هو أشد من ذلك، وضربوا مثلًا أروع من هذه الأمثلة، وذلك في
أعقاب
غزوة حنين في سنة 8 من الهجرة، أي قبل حوالي سنتين ونصف من وفاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقصة بني ساعدة، روى ابن إسحاق مفصلًا، والبخاري
مختصرًا
عن أبي سعيد الخدري قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما
أعطى من تلك العطايا في قريش، وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار
منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة. أي
أن الغنائم كثرت جدًا، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها للعديد من
قبائل العرب، لكنه لم يعط الأنصار، فغضبوا لذلك. حتى قال قائلهم:
لقي
والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه. والأمر خطير، غزوة
حنين كانت
من الغزوات العنيفة جدًا في تاريخ المسلمين، ومن المعروف أن
المسلمين
في بادئ المعركة فروا، وذلك عندما اعتمدوا على أعدادهم وقوتهم،
ولم
يثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أفراد معدودون، هنا صاح رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ. فلبوا جميعًا، ودارت موقعة شرسة للغاية، ثم كتب الله
عز
وجل نصره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين، وحاز المسلمون
غنائم
لا تحصى من السبي، والإبل، والأغنام، والذهب، والفضة، والسلاح، وغير
ذلك،
وبدأ يوزع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم على القوم، ماذا فعل
صلى
الله عليه وسلم في الغنائم؟ لقد وجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن
أعدادًا كبيرة من زعماء قريش، وأهل مكة قد دخلوا الإسلام إما رهبة
من
السيف، وإما رغبة في المال، وهؤلاء من ورائهم أقوام وأقوام، إن لم يعطهم
فقد يرتدوا وينقلبوا على أعقابهم، وليست الخسارة فيهم وحدهم، ولكن فيمن
وراءهم
من الناس، وشوكة الإسلام ما زالت ضعيفة، ولم تتمكن في الجزيرة بعد،
فأراد
الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم، ويحتويهم في هذا الدين،
فأعطاهم
عطاءًا كريمًا سخيًا، أعطى وأعطى، ثم بعد ذلك لم يبق شيء في يده
للأنصار،
والأنصار هم الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم
الذين
قاتلوا ودافعوا، نعم، لم يفعلوا ذلك لأجل المال، ولا الغنائم، لكن لا
بد وأن يتساءل الإنسان، لماذا هذا التباين في العطاء؟ خاف الأنصار أن يكون
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد أنه من المناسب الآن أن ينتقل من
المدينة
إلى مكة، فأخذ يعطي قومه، حتى يتألفهم، ومن ثَم يترك المدينة، وإذا
ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فهذا أمر شديد، فبالإضافة إلى
كون
هذا أمرًا يحزنهم لفراقه صلى الله عليه وسلم، ففيه خطورة شديدة عليهم؛
لأنهم
سيتركون للعرب ينتقمون منهم؛ لنصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
كما أنهم خشوا أن يكون ذلك استقلالًا بشأنهم، وتهميشًا لدورهم، ولا يستنكر
أيضًا أن يكون لهم رغبة في المال الحلال الذي حصد أمام أعينهم، وخـاصة
أنهم
شاركوا في جمعه، والوصول إليه، فاستثناءهم منه أمر قد يوغر الصدر، هنا
تحرك زعيم الأنصار الصحابي الجليل سعد بن عبادة الخزرجي رضي الله عنه في
سرعة،
وحكمة ليبث شكوى الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ليحتوي
الموقف؛ كي لا تتفاقم الأزمة، وحتى لا تبقى هناك نار تحت الرماد، دخل على
رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله، إن هذا الحي من
الأنصار، قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت
في
قومك، وأعطيت عطايا عظامًا في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من
الأنصار
منها شيء. صراحة رائعة، ووضوح جميل من سعد بن عبادة رضي الله عنه،
وبذلك
يمكن للفتن أن تقتل في مهدها. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا
سَعْدُ؟ قال في صراحة أكثر: يا رسول
الله، ما أنا إلا
من قومي. يقصد أنه أيضًا يجد في نفسه، قال الرسول
الحكيم محمد صلى
الله عليه وسلم: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي
هَذِهِ
الْحَظِيرَةِ. فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك
الحظيرة، فجاء رجال من
المهاجرين، فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم. ويبدو
أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يريد للفتنة أن تنتشر في أقوام آخرين،
ولا يريد أن
يترك مجال للقيل، والقال، فأراد أن يحصر الكلام في القوم
الذين
يحتاجونه. فلما اجتمع الأنصار جاء له سعد بن عبادة رضي الله
عنه فقال
له: لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار. فأتاهم رسول الله
صلى الله عليه
وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا
قَالَةٌ بَلَغَتْنِي
عَنْكُمْ، وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا عَلَيَّ فِي
أَنْفُسِكُمْ؟ أَلَمْ
آتِكُمْ ضُلَّالًا، فَهَدَاكُمُ اللَّهُ،
وَعَالَةٌ فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ،
وَأَعْدَاءٌ فَأَلَّفَ اللَّهُ
بَيْنَ قُلُوبِكُمْ. رد الأنصار في أدب جم:
الله ورسوله أَمَنّ، وأفضل.
رسول الله صلى الله عليه وسلم
يذكرهم بماضيهم منذ عشر سنوات فقط، كيف
كانوا في تيه الكفر والضلال،
والفرقة، والفقر؟ ثم كيف آمنوا واهتدوا
وتوحدوا، واغتنوا بالإسلام؟
فكما رفعهم الله بالإسلام، ووجدوا حلاوته،
فرسول الله صلى الله عليه
وسلم يريد أن يرفع أقوامًا آخرين لحلاوة
الإيمان، ثم قال صلى الله عليه
وسلم: أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ
الْأَنْصَارِ؟ قال
الأنصار في تواضع عجيب: بماذا نجيبك يا رسول الله؟
لله ورسوله المن
والفضل. لم يذكر الأنصار أفضالهم على الدعوة، لم
يذكروا أنهم، وإن
كانوا آمنوا، واهتدوا، واغتنوا؛ فذلك لأنهم قدموا
الكثير والكثير، قدموا
أرواحهم وديارهم وأرضهم، قدموا الرأي والمشورة،
وقدموا السمع والطاعة،
وقدموا رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر
ما يحبون، أما هؤلاء
القريشون الذين امتلأت جيوبهم الآن، فلم يقدموا
إلا كفرًا وجحودًا وحربًا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة ثماني
سنوات في المدينة، وقبلها في
مكة، لم يذكر الأنصار كل ذلك؛ لأنهم
يعلمون أن نعمة الهداية التي حصلوها
بنصرة هذا الدين لا تعدلها دنيا،
ولا غنيمة، فاكتفوا بالقول الرائع: لله
ورسوله المن والفضل. لكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجل يعلم كيف
يزن الأمور، ويعرف للرجال قدرهم،
وفضلهم ويقوّم الأشياء، فيحسن التقويم
صلى الله عليه وسلم، قال: أَمَا
وَاللَّهِ
لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدِّقْتُمْ:
أَتَيْتَنَا
مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ،
وَطَرِيدًا
فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ. لم يقل الأنصار ذلك
مع كونه حقيقة، منعهم أدبهم، وفضلهم، وإيثارهم، وتقديرهم لرسول الله
صلى
الله عليه وسلم. ثم بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب قلوب
الأنصار
في مقالة رقيقة حانية، قال: أَوَجَدْتُمْ
يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ
فِي أَنْفُسِكُمْ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ
الدُّنْيَا (لعاعة نبات صغير رقيق
أي أن كل ما أعطيه لهم لا يساوي شيئًا)
تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا
لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى
إِسْلَامِكُمْ؟ أَلَا تَرْضَوْنَ
يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ
النَّاسُ بِالشَّاةِ،
وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا
الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءًا مِنَ
الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ
النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ
شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ
الْأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ،
وَأَبْنَاءَ
الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ. فبكى
القوم حتى
أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه
وسلم قسمًا
وحظًا. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرقوا.
بهذه الكلمات
القليلات، وبهذه المخاطبة لقلوب الأنصار النقية، انتهت
الفتنة في دقائق
معدودة، ها هم الأنصار ينصرفون باكين، بهذه الكلمات نفوسهم
راضية،
وأفئدتهم مطمئنة، وفي لحظات وجدوا أن مائة بعير، أو مائتين من
البعير،
أو ثلاثمائة من البعير في يد رجل من رجال قريش أمر لا يساوي شيئًا،
هكذا في منتهى البساطة تركوا دنيا واسعة عريضة؛ استجابة لكلمات معدودات
طاهرات
من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين حظ نفوسهم؟ أين
الدنيا في
قلوبهم؟ أين الأثرة أو حب الذات؟ لا شيء [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ]
{الحشر:9}. هؤلاء هم الأنصار الذين
اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة؛ لاختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم،
ولا بد أن ندرس قصة سقيفة بن ساعدة في ضوء هذه الخلفية وهذه الحقائق.
نعود إلى السؤالين الذين طرحناهما بخصوص ذهاب الأنصار لاختيار خليفة من
بينهم: السؤال الأول: كيف أسرعوا إلى ذلك، ولم ينظروا إلى
مصيبة وفاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول المستشرقون: إنهم لم
يحزنوا حزنًا
كافيًا؛ ولذلك ألهتهم الدنيا عن المصاب الفادح. وللرد
على هذه الشبهة
نقول: أولًا: المستشرقون لا يدركون هذه الخلفية
التي ذكرناها عن طبيعة
الأنصار، أو لعلهم يدركونها، ويتجاهلونها عن قصد
وعمد، رسول الله صلى
الله عليه وسلم نَزَّههم عن طلب الدنيا، بل نزههم عن
ذلك ربهم، بقرآن
باق إلى يوم القيامة، فإذا تغير منهم رجل، أو رجلان فمن
المستحيل أن
يتغيروا جميعًا، ويجتمعوا على حب الدنيا. ثانيًا:
المستشرقون لا يفقهون
معنى الصبر الجميل [فَاصْبِرْ
صَبْرًا جَمِيلًا] {المعارج:5} .
الصبر الذي لا شكوى فيه، الصبر عند الصدمة الأولى...
روى البخاري
ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: مر النبي
صلى الله عليه وسلم بامرأة
تبكي عند قبر فقال: اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرِي.
فقالت: إليك عني،
فإنك لم تصب بمصيبتي. ولم تعرفه،
فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه
وسلم.
فأتت باب
النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين،
فقالت: لم أعرفك.
فقال: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ
الْأُولَى.
لقد كان صبر الأنصار رضي الله عنهم صبرًا جميلًا، صبرًا عند
الصدمة
الأولى، وكما قال ربنا: [إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {الزُّمر:10} . هذا ما يفهم في ضوء سيرتهم
رضي الله عنهم وأرضاهم. ثالثًا: هل يمنع هذا الصبر من كون قلوبهم
تنفطر
حزنًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل هناك تعارض بين
الحزن
وبين العمل الصالح؟ أبدًا، المسلم الإيجابي مهما حزن، فإن ذلك
لا يقعده
عن العمل الواجب، الحزن الذي يقعد الناس عن العمل حزن مرضي غير
مرغوب
فيه، وإذا فكرنا في الموقف قليلًا، ترى لو انتظر الأنصار يومًا أو
يومين،
أو أسبوعًا أو أسبوعين، حتى تهدأ عواطف الحزن، وتعود الحياة إلى
طبيعتها،
ماذا ستكون النتيجة؟ ماذا لو هجم الفرس أو الروم على بلاد
المسلمين؟
من يأخذ قرار الحرب من عدمه؟ من يجهز الجيوش ويعد
العدة ويستنفر الناس؟
ماذا يحدث لو هجم المرتدون على المدينة؟ وقبائل
عبس وذبيان على بعد
أميال من المدينة، وإسلامهم حديث، وردتهم متوقعة،
وماذا يحدث لو هجم
مسليمة الكذاب بجحافله المرتدة على المدينة؟ من يأخذ
قرار الحرب ضدهم؟
ماذا لو نقض اليهود عهدهم؟ أيحاربون أم
يوادعون؟ أتكون لهم شروط جديدة
ويكون لهم عهد جديد؟ ثم ماذا
يحدث لو أخرج المنافقون في المدينة رجلًا
منهم وبايعوه على الخلافة،
وبايعته قبيلته وقبائل أخرى؟ ماذا يكون رد
فعل الصحابة؟ أينكرون
بيعته ويحاربون وتحدث الفتنة العظمى والبلية
الكبرى؟ أم يتركون
منافقًا يترأسهم؟ ماذا لو اختارت كل قبيلة من
القبائل المختلفة،
التي تكون دولة الإسلام الآن زعيمًا لها من أبنائها
وتفرق المسلمون أحزابًا
وشيعًا؟ من يجمع ومن يوحد؟ بالتفكير السليم
والمنطقي
والموضوعي، نجد أن إسراع الأنصار إلى اختيار الخليفة برغم
المصيبة الكبيرة
لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، هو فضيلة تحسب
للأنصار، وليس نقصًا أو
عيبًا، لقد وصلوا في إيجابيتهم إلى درجة من
الصعب أن تتكرر في غيرهم من
الأجيال.
الأنصار يختارون
الخليفة منهم
لكن
السؤال الأصعب، والذي يحتار فيه
كثير من المسلمين فضلًا عن غير المسلمين
هو: لماذا أسرع الأنصار
لاختيار الخليفة من بينهم، وليس من المهاجرين؟ أولًا:
حتى نفهم موقف
الأنصار، لا بد أن نسمي الأشياء بمصطلحات العصر الحديثة،
حتى ندرك
أبعاد الموقف بأكمله، الأنصار في مصطلح العصر الحديث هم أهل البلد
الأصليون، كانت المدينة، وكأنها دولة مستقلة، يعيش فيها الأوس والخزرج،
وذلك
قبل قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين إليها، ثم اضطهد
المهاجرون
في بلدهم مكة، دولة مستقلة أخرى بجوار المدينة المنورة، وضُيق
على
المهاجرين الخناق، فاضطروا إلى ترك البلد، واللجوء إلى المدينة
المنورة،
أي أن التعريف الحديث للمهاجرين هو مجموعة من اللاجئين السياسين
في
المدينة المنورة، وكدولة كريمة سخية عادلة استقبلت المدينة اللاجئين، أو
المهاجرين خير استقبال، وأكرمتهم، وأعطت لهم، ومنحتهم كل حقوق المواطن
الأصلي
في البلد، ومرت الأيام ولم تفرض أبدًا عليهم قيودًا تعوق من حياتهم،
بل على العكس كثيرًا ما آثرتهم على أهل البلد الأصليين، ثم مرت أيام أخرى،
ومات قائد المدينة المنورة وزعيمها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحان
وقت
تولية زعيم جديد على المدينة، أمن المنطق البسيط أن يكون زعيم الدولة
من
أهلها الأصليين، أم من اللاجئين إليها؟ أمن المنطق البسيط أن
يكون
زعيم الدولة من الذين قَدّموا لأجل من قَدِم إليهم أم يُقَدّم الذي
جاء
طريدًا من بلده فاستقبل في بلد آخر؟ لو هاجر مجموعة من
الفلسطينيين
مثلًا إلى أمريكا، أو إنجلترا، أو حتى إلى بلد إسلامي مجاور،
أيجوز في
عرف هذه البلاد أنه إذا مات رئيسها أن يُختار الرئيس الجديد من
بين
اللاجئين السياسيين إلى هذه البلد؟ هذا في عرف كل من فكر في
القضية
تفكيرًا عقلانيًا بحتًا لا يصح، ما لم يغيره قانون معين موضوع قبل
ذلك،
وليس هناك- فيما أعلم- بلد في العالم وضع مثل هذا القانون الذي يجيز
للاجئين
الصعود إلى كرسي الحكم في البلد المضيف. هذا ما جال في ذهن
الأنصار
عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، هم أصحاب البلد، وأكثريتها،
وملاكها،
أرض آبائهم وأجدادهم، فلماذا يوضع على الكرسي من هو من خارج
البلد؟
إذن هذه نقطة. ثانيًا: أليس أهل المدينة أدرى بشعابها
ودروبها
وإدارتها، واضح أن المدينة هي دار الإسلام الرئيسية، ومكة،
والطائف،
وغيرها ما هي إلا مدن تابعة، أليس من المنطقي الذي يخطر على بال
الأنصار
أنه من المصلحة أن يقود هذه الدولة من هو أعلم بوضعها وبسكانها
وبالقبائل
المحيطة بها، وبتاريخها، وجذورها، أليس من باب المصلحة أن يكون
قائد
دولة المدينة من أهل المدينة؟ هذا ولا شك خطر على بال الأنصار؛
فتجمعوا
لاختيار الخليفة من بينهم. ثالثًا: أكان من الممكن
للمهاجرين أن
يقيموا دوله بغير الأنصار؟ المهاجرون قضوا ثلاث عشرة سنة
كاملة في مكة،
ولم يفلحوا هناك في تحويلها لبلد إسلامي، فكان لا بد من
الهجرة لحين
الوصول إلى القوة الكافية للعودة مرة أخرى إلى مكة، سعى رسول
الله صلى
الله عليه وسلم إلى بلاد شتى لكي يئووه، وينصروه، فإن قريشًا قد
ظاهرت
على أمر الله، ذهب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الطائف،
فأبوا
عليه وطردوه، ورجموه بالحجارة، خاطب معظم قبائل العرب في مواسم الحج،
فردوه جميعًا، خاطب بني حنيفة، وبني كندة، وبني شيبان، وبني عامر بن لؤي،
وبني
كلب، وغيرهم، وغيرهم، فرده جميعًا إلا طائفة صغيرة من الخزرج، ثم
عادوا
إلى قومهم وجاءوا بغيرهم، ثم بعدها دخلوا في الدين أفواجًا، وعرضوا
استقبال
رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين في بلادهم، وبايعوا رسول
الله صلى اله عليه وسلم على بذل النفس، والمال، والجهد، والوقت، والرأي،
وكل
شيء، وهاجر فعلًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون من أهل مكة
إلى
البلد الجديد المدينة، فقامت دولة الإسلام، ولا شك أنه لو لم يكن
الأنصار
ما قامت الدولة في ذلك الوقت، إلا عندما يظهر فريق آخر يقبل ما قبل
به
الأنصار رضي الله عنهم، لذلك كان من الطبيعي للأنصار أن يشعروا أنه من
المنطقي
أن يكون الرئيس الجديد من بينهم. رابعًا:( نقطة هامة جدًا)
الأنصار
يشعرون أن المهاجرين سيعودون إلى بلدهم الأصلي مكة بعد وفاة رسول
صلى
الله عليه وسلم، مكة البلد الحرام، مكة التي تركوا فيها ديارهم،
وأرضهم،
وأموالهم التي صادرها المشركون، الآن أسلم المشركون، ومن حقهم
العودة
إلى بلادهم؛ لأخذ ما صودر منهم هناك، ومن حقهم أن يعيشوا في البلد
الحرام
حيث الصلاة بمائة ألف صلاة، ومن حقهم أن يعودوا للذكريات الأولى،
والعائلات
الأصلية في مكة وما حولها، والأنصار شكوا في هذا الأمر من قبل،
في
غزوة حنين كما ذكرنا منذ قليل فإنهم قالوا : لقي رسول الله صلى
الله
عليه وسلم والله قومه. فكانوا يعتقدون أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم
سينتقل إلى مكة بعد فتحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم
يفعل، فما الذي يمنع المهاجرون أن يرجعوا إلى بلدهم وقد آمنت؟ فإذا
كان
رجوع المهاجرين وشيكًا، أليس من المنطقي لاستقرار الدولة الإسلامية أن
يكون قائدها من أهل العاصمة بعد أن تخلو من مهاجريها، فإن قيل إنه في هذه
الحالة
قد تنتقل العاصمة إلى مكة، فإنه يرد على ذلك بأنه ليس من الحكمة أن
تنقل
العاصمة إلى هذا البلد المتقلب، أهل مكة دخلوا الإسلام منذ أقل من 3
أعوام
فقط رغمًا عن أنوفهم، صرح بذلك من صرح وأخفى ذلك من أخفى، وهم حديثو
عهد
بجاهلية وشرك، وليس لهم فقه وعلم أهل المدينة، وردتهم عن الدين الجديد
واردة،
بل فعلًا بعد وفاة رسول الله صلى الله عيه وسلم كانوا على شفا حفرة
لولا
أن ثبتهم على الإسلام بسهيل بن عمرو رضي الله عنه وأرضاه، إذن ليس من
الحكمة
السياسية أن تنتقل الزعامة إلى مكة، فإذا كانت ستبقى في المدينة،
والمدينة
سيتركها المهاجرون فمن سيحكم؟ سؤال لا بد أن الأنصار فكروا
فيه،
والإجابة بسيطة وسهلة: لا بد أن يكون من الأنصار. خامسًا:
الأنصار
يشعرون أن العرب ستستهدفهم بالقتال بعد وفاة الرسول صلى الله عليه
وسلم،
فالحقد يملأ قلوب العرب على الأنصار؛ لأنهم هم الذين نصروا محمدًا
صلى
الله عليه وسلم، وهم الذين قاتلوا هنا وهناك في بقاع مختلفة من
الجزيرة،
وليس لهم الشرف الذي كان في قريش، وحتى قريش ذاتها ستحاربهم بعد
ذلك،
فإن لم يكن لهم قوة الحكم والسلطان فقد يُسْتأصلوا إذا تحزبت ضدهم
قبائل
العرب، وسيظهر هذا الإحساس في كلامهم كما سنرى في سقيفة بني ساعدة.
لهذه الأسباب مجتمعة، ومن المحتمل لغيرها مما لا نعلمه، اعتقد الأنصار
أنه
من المنطقي أن يكون الخليفة من بينهم، وليس من المهاجرين، ليس تقليلًا
لشأن
المهاجرين في نظرهم، ولا إهمالًا لهم، ولكن لاعتقادهم أن هذا حق لا
ينازعهم
فيه أحد. ومع كل ما سبق، فلعله كان من الألطف أن يخبروا
إخوانهم
المهاجرين بما يعتزمون فعله، وإطلاعهم على مسببات اختيار الخليفة
من
بينهم، وذلك حسمًا لأي شك أو حزن يدخل في قلوب المهاجرين، وإن كان
الأنصار
أيضًا يعذرون بأمور: أولًا: لعلهم ظنوا أن المهاجرين لن
يفكروا أصلًا
في الخلافة؛ لكونها في اعتقادهم من حقهم الكامل. ثانيًا:
لعلهم أرادوا
غلق باب الفتنة، ومنع الجدال بالحسم في هذا الأمر. ثالثًا:
لعلهم رأوا
أن المهاجرين مشغولون بتغسيل وتكفين ودفن رسول الله صلى الله
عليه
وسلم، ولم يريدوا أن يشغلوهم بهذا الأمر الذي لهم كما يعتقدون. المهم
أن الأنصار ذهبوا بالفعل أوسهم وخزرجهم إلى سقيفة بني ساعدة لتجري عملية
انتخاب
الخليفة، وامتلأت السقيفة بوجوه الأنصار من القبليتين الكبيرتين.
أين المهاجرون من هذه الأحداث؟
فعلًا كان
المهاجرون
منشغلين بالمصاب الفادح، في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحوله،
وكانت أمامهم قضايا الغسل، والتكفين، ثم الدفن، وكانوا مختلفين في
قضية
الدفن، أين يدفن صلى الله عليه وسلم؟ أفي البقيع؟ أم
مع الشهداء أحد؟
أم في مكة بلده؟ أم في مكان خاص به؟ حتى
جاء أبو بكر الصديق رضي الله
عنه، وأخبرهم بأنه يجب أن يدفن حيث مات كما
أخبره بذلك رسول الله صلى
الله عليه وسلم من قبل. لكن هل كان اجتماع
الأنصار في سقيفة بني ساعدة
بهذا العدد الكبير يخفى على المهاجرين؟ لا
بالطبع، رأى أحد الرجال وهو
من المهاجرين هذا الجمع من الأنصار في
السقيفة، فأسرع إلى بيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وكان بداخله آنذاك
أبو بكر، وعمر، وغيرهم رضي
الله عنهم أجمعين، نادى الرجل على عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وقال:
اخرج إليَّ يا ابن الخطاب. قال عمر رضي
الله عنه: إليك عني فإنا عنك
مشاغيل. لكن الرجل أصر على عمر،
فخرج له، فقال الرجل: إنه قد حدث أمر
لا بد منك فيه، إن الأنصار قد
اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم
قبل أن يحدثوا أمرا. هنا
أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطورة
الموقف، فأسرع إلى الصديق أبي بكر،
وأخبره بالأمر وقال له: انطلق بنا
إلى إخواننا من الأنصار. فانطلق
هو وأبو بكر رضي الله عنهما. وهنا تتضح
حكمة هذين الرجلين فعلًا،
فلولا الإسراع الآن لتأزم الموقف جدًا، فلو
أحدث الأنصار بيعة لا يرضى عنها
المهاجرون، فإما أن يبايعوا على ما لا
يرضون، وإما أن يرفضوا البيعة، وفي
هذا فساد، فلا بد أن يسرعوا قبل أن
يكتمل الأمر، ويتفرق الأنصار من سقيفة
بني ساعدة، أسرع الصديق وعمر رضي
الله عنهما إلى السقيفة، وفي الطريق لقيا
رجلين صالحيْن من الأنصار
القدامى، ممن شهدوا بيعة العقبة الثانية، وشهدوا
كل معارك رسول الله
صلى الله عليه وسلم عوين بن ساعدة رضي الله عنه، ومعن
بن عدي رضي الله
عنه، فلما رأيا أن الصديق وعمر ذاهبان إلى السقيفة نصحوهما
بألا يقربا
السقيفة، وليقضوا أمرهم- أي المهاجرين- فيما بينهم، ويبدو
أنهما خشيا
من حدوث فتنة بين المهاجرين والأنصار فأرادا أن يصرفاهما، لكن
الصديق
وعمر رضي الله عنهما أصرا على الذهاب إلى السقيفة، ثم في الطريق إلى
هناك لقيا أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وهو رجل من أعاظم المهاجرين
رضي
الله عنهم أجمعين، فأخذاه معهما إلى سقيفة بني ساعدة، ومن الواضح أن
المهاجرين
لا يضمرون في أنفسهم شرًا، ولا يعدون تدبيرًا ولا مكيدة، كما
اتهمهم
كثير من المستشرقين والشيعة، وإلا كيف يذهبون ثلاثة فقط، ولا يجمعون
المهاجرين لأجل هذا الحدث الهام؟ وفي هذه الأثناء، وقبل وصول
المهاجرين
إلى السقيفة، كان الأنصار قد خطوا خطوات هامة في عملية اختيار
الخليفة،
لقد اجتمع الأنصار أوسهم وخزرجهم على اختيار الصحابي الجليل سعد
بن
عبادة رضي الله عنه زعيمًا للمسلمين، وخليفة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم،
سعد بن عبادة هو زعيم الخزرج، ومع ذلك أيده كل الأوس، وهذه ولا شك
فضيلة
إيمانية عالية، فلو نذكر منذ سنوات معدودات، وقبل قدوم الرسول صلى
الله
عليه وسلم إلى المدينة كانت الحروب على أشدها بين الأوس والخزرج
وآخرها
يوم بعاث، والذي حدثت فيه مقتلة عظيمة بين الطرفين، أمم الآن فقد
تغيرت
نفوس الأنصار، وتركت حظ نفسها، وما عادت تفكر إلا في مصلحة هذا
الدين،
ولم يجد الأوس حرجًا في أن يقدموا زعيم الخزرج للخلافة، ووقفوا
جميعًا
وراءه ولم يطرحوا اسمًا أوسيًا بديلًا، بل قبلوا به دونما أدنى جدل،
إذن الرجل المرشح الأول للخلافة هو: سعد بن عبادة، في نظر الأنصار، وسعد
بن
عبادة رضي الله عنه أهل لكل خير، ولو كان الخليفة من الأنصار، فسيكون
اختيار
سعد بن عبادة اختيارًا موفقًا لا ريب. من هو سعد بن عبادة
المرشح
الأول للخلافة من قِبَل الأنصار؟ للأسف أننا لا نعرف سعد بن
عبادة، أو
نعرفه بصورة مشوهة، هو سيد الخزرج، وأحد النقباء يوم العقبة
الثانية،
وكان شريفًا في قومه، وكان يجير للمطعم بن عدي قوافله المارة
بالمدينة
قبل الإسلام، فهو عريق في الشرف رضي الله عنه، وكان ممن شهد
المشاهد
كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله مواقف مشهورة في
الغزوات،
ولا سيما في الخندق، حيث رفض إعطاء غطفان ثمار المدينة، ونزل رسول
الله
صلى الله عليه وسلم على رأيه في ذلك، كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم
يُجله، ويقدره، ويكثر من زيارته، وذلك لمكانته بين الأنصار رضي الله
عنه،
يروي قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم
زارهم في بيتهم فقال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ. قال
قيس: فرد أبي ردًا خفيًا، فقلت لأبي: ألا تأذن
لرسول الله؟. فقال:
اتركه حتى يكثر علينا من السلام. فقال
صلى الله عليه وسلم: السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
وهنا ظن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه
لا أحد بالبيت، فرجع، فتبعه سعد
فقال: يا رسول الله، إني كنت أسمع
تسليمك، وأرد عليك ردًا خفيًا؛
لتكثر علينا من السلام. فانصرف النبي
صلى الله عليه وسلم معه إلى
بيته، وأمر له سعد بغسل، فاغتسل، ثم ناوله
ملحفة مصبوغة بزعفران، فاشتمل
بها، ثم رفع يديه صلى الله عليه وسلم،
وهو يقول:
اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتَكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ
سَعْدٍ. كان
سعد رضي الله عنه جوادًا واسع الكرم والسخاء، كان الرجل من
الأنصار ينطلق
بالرجل من فقراء الصُّفة يطعمه، وينطلق الرجل من
الأنصار بالرجلين، وينطلق
الرجل من الأنصار بالخمسة رجال، أما سعد بن
عبادة، فكان ينطلق بالثمانين
منهم رضي الله عنه وأرضاه. وروى مسلم عن
أبي
أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه يشهد أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال:
خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو
عَبِدْ
الْأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ
بَنُو
سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ. ويبدو أن أحد
الحضور قد شكك في كلام أبي أسيد رضي الله عنه وهو من بني ساعدة فقال:
أَتَّهِمُ
أَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ لَوْ
كُنْتُ كَاذِبًا لَبَدَأْتُ بِقَوْمِي بَنِي
سَاعِدَةَ. وبلغ ذلك
سعد بن عبادة فوجد في نفسه حزن، وقال: خُلِّفْنَا
فكنا آخر الأربع-
سعد بن عبادة من بني ساعدة- أسرجوا لي حماري، آتي
رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فكلمه ابن أخيه سهل فقال له: أتذهب لترد
على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
أعلم؟ أوليس حسبك أن تكون
رابع أربع؟ فرجع وقال: الله ورسوله أعلم.
وأمر بحماره
فحل عنه. هكذا ببساطة رضي أن يكون رابع القبائل في
الخيرية، وممن
سبقه بنو عبد الأشهل، وهم من الأوس، هذا مع كون سعد بن
عبادة سيد الخزرج،
لكنه كان وقافًا على كتاب الله، وعلى كلام رسوله صلى
الله عليه وسلم،
فاكتفى بقوله الله ورسوله أعلم. نعود إلى سقيفة بني
ساعدة، إذن
اختار الأنصار سعد بن عبادة رضي الله عنه، وكان مريضًا رضي
الله عنه، ويجلس
وهو مزمل بثوبه، ولا يكاد يسمع صوته، فأراد أن يتكلم
بعد اختياره، فلم
يقدر على إسماع القوم جميعًا، فكان يبلغ ابنه
بالكلام، ويتحدث ابنه إلى
الناس، فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه بعد
أن حمد الله وأثنى عليه بما هو
أهله: يا معشر الأنصار. ونلاحظ أنه لم
يدخل أبو بكر وعمر
وأبو عبيدة بعد، فليس هناك أحد من المهاجرين. يقول:
لكم سابقة في
الدين، وفضيلة في الإسلام، ليست لقبيلة من العرب. ونلاحظ
هنا أنه
يرفع شأن الأنصار فوق كل قبائل العرب بما فيها قبائل مكة وفيها
قريش،
لماذا؟ هو يفسر في خطبته فيقول: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم
لبث
بضع عشر سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان، فما
آمن به من
قومه إلا رجال قليل، ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول
الله صلى الله
عليه وسلم، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم
ضيمًا عموا به، حتى
إذا أراد الله بكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة.
وهنا ما نسي أن
ينسب سعد بن عبادة رضي الله عنه الفضل لله عز وجل.
يقول: وخصكم
بالنعمة، فرزقكم الله الإيمان به، وبرسوله، والمنع له،
ولأصحابه والإعزاز
له، ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على
عدوه منكم، وأثقلهم على
عدوه من غيركم. وطبعًا كلام سعد بن عبادة رضي
الله عنه هنا كلام
حقيقي وصحيح، فالمهاجرون في بدر مثلًا كانوا 82 أو83
بينما كان الأنصار231
رجلًا. ثم يكمل سعد بن عبادة خطبته فيقول: حتى
استقامت العرب
لأمر الله طوعًا وكرهًا، وأعطى البعيد المقادة صاغرًا
داخرًا. أي
أن العرب جميعًا سلمت القيادة للمسلمين بفضل الأنصار. يقول:
حتى
أغنى الله عز وجل لرسوله بكم الأرض، ودانت له بأسيافكم العرب.
وهنا سعد بن
عبادة رضي الله عنه، وكأنه يشير إلى اعتقاده الراسخ أن
العرب ستستهدف
الأنصار بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن
الأنصار هم الذين أرغموا
العرب على الإتباع. ثم يختم سعد بن عبادة رضي
الله عنه خطبته بكلمة
جميلة فقال: ثم توفَّى الله عز وجل رسوله صلى
الله عليه وسلم، وهو
عنكم راض، وبكم قرير العين. مع قصر الخطبة في
كلماتها إلا أنها كانت
تحمل معان عميقة كثيرة، ويمكن القول إجمالًا أن
سعد بن عبادة رضي الله عنه
ذكر مفاخر الأنصار وأفضالهم، وحب الرسول صلى
الله عليه وسلم لهم ووضع
الأنصار بالنسبة للعرب. ذكر كل ذلك لهدفين
رئيسيين فيما يبدو لي:
الهدف الأول: هو رفع الحالة المعنوية للأنصار
بعد المصاب الفادح بوفاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفي الإحباط
واليأس، والدعوة لاستمرار
المسيرة كما بدأها، والثبات على أمر هذا
الدين. الهدف الثاني: هو
التدليل على أحقية الأنصار في الخلافة، فيما
يبدو لهم من حيث إنهم الذين
نصروا، وآووا، وقاتلوا العرب، ومكنوا
للدين. وإجمالًا فالخطبة تعبر
عن حكمة الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي
الله عنه ورضي الله عن الأنصار
والمهاجرين وسائر الصحابة أجمعين. بعد
انتهاء هذه الخطبة الموجزة
دخل الصديق أبو بكر رضي الله عنه، ومعه عمر
بن الخطاب، وأبو عبيدة بن
الجراح رضي الله عنهما، ورآهم الأنصار، ويبدو
أنهم كانوا لا يتوقعون ظهور
المهاجرين الآن، فهذا قد يعطل البيعة،
نعم، الأنصار استقروا على سعد بن
عبادة رضي الله عنه، لكنه لم يبايع
بعد، والأمر عرضة للنقاش الجديد والجدل،
والذين دخلوا من المهاجرين
ليسوا رجالًا عاديين، لقد دخل الصديق أبو بكر
رضي الله عنه الوزير
الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين،
والصاحب القريب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه عمر بن الخطاب
الوزير الثاني
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والملهم المحدث، الفاروق،
ومعه أيضًا
أمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح، وإن صح القول فهو في مقام
الوزير
الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكثرة استشارة الرسول له،
والاعتماد
عليه في أمور كثيرة، وهذا مما دعا السيدة عائشة أن تقول كما جاء
في
صحيح مسلم عندما سئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
مستخلفًا
لو استخلف؟ قالت: أبو بكر. قيل لها: ثم مَن بعد أبي
بكر؟ قالت: عمر.
قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبو
عبيدة بن الجراح. ولقد مات أبو عبيدة
رضي الله عنه في خلافة عمر رضي
الله عنه سنة 18 هجرية، ولا شك أنه كان
سيدخله في الستة الذين تركهم عمر
لينتخبوا من بينهم خليفة، لو كان
حيًا. إذن الثلاثة الذين دخلوا على
الأنصار هم أصحاب الرأي والمشورة من
الصحابة، ولا شك أنهم يمثلون الآن رأي
المهاجرين، إذن هنا ستحدث
مواجهة، الأنصار يريدون سعد بن عبادة رضي الله
عنه، والمهاجرون لم
يفصحوا بعد عن رأيهم، ولكن لعل لهم رأيًا آخر، هنا حدثت
لحظة هدوء
وترقب، ترى ماذا سيقول المهاجرون؟ أيقرون بخلافة سعد بن
عبادة الأنصاري
أم يرشحون خليفة غيره؟
الموضوع : الصديق ويوم السقيفة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ابراهيم كمال توقيع العضو/ه:ابراهيم كمال |
|