لا شك أن كل قارئ له تعليقات كثيرة، وقد يستنبط
دروسًا عدة، ودروس
الصديق رضي الله عنه وأرضاه كما ذكرنا من قبل لا
تنتهي، لكن هنا أشير إلى
بعض الدروس والتعليقات، وأترك المجال لكم
للزيادة عليها حسبما رأيتم، وأسأل
الله عز وجل أن ينفعنا وينفعكم بما
علمناه من حياة هذا الرجل الجبل، ومن
دراسة هذا الحدث الجليل حدث
استخلاف الصديق رضي الله عنه وقصة سقيفة بني
ساعدة. أعددت من هذه
الدروس والتعليقات عشرة:
أولاً:
الفلاح في اتباع الكتاب والسنة
لا فلاح ولا نجاح لهذه
الأمة في
الدنيا والآخرة إلا باتباع الكتاب والسنة؛ القرآن الكريم وسنة
الرسول صلى
الله عليه وسلم وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ
بِمَا
أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ
يَفْتِنُوكَ
عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَاعْلَمْ
أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ
وَإِنَّ
كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ] {المائدة:49} . تحذير
واضح عن
التفريط في أي جزئية من جزئيات الشرع الإسلامي، سار الصحابة رضوان
الله
عليهم على هذا النهج، ولم يخالفوا، ولذلك سبقوا، ولذلك نجحوا، ولا
معنى
لاتباع القرآن، دون اتباع السنة، فكما وضح فيما سبق أن الصحابة ما
كانوا
يفرقون بين حكم جاء في كتاب الله، وحكم جاء في سنة رسول الله صلى
الله
عليه وسلم، ما دام قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن المؤكد
أنه
لن يتعارض مع القرآن، ومن المؤكد أنه سيكون وحيًا من الله عز وجل [وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ
يُوحَى]
{النَّجم:3،4} . السنة مُفصلِة لما أجمله القرآن
الكريم، والسنة مُقيدة
لما أطلقه القرآن الكريم، والسنة شارحة لما خفي عن
الناس من أحكام
القرآن الكريم، بل أحيانًا تأتي في السنة أحكام ليست في
كتاب الله عز
وجل، والمسلمون مأمورون باتباعها كاتباع القرآن الكريم تمامًا
بتمام.
رأينا على سبيل المثال كيفية اتباع الصديق رضي الله عنه لكل
أفعال
الرسول صلى الله عليه وسلم، اتباعًا دقيقًا في كل خطوة، رأينا مثلًا
إنفاذ بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما مع معارضة عقول بعض الصحابة، لكن
إذا
أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فلا بد أن الخير سيكون في إنفاذه،
رأينا
مثلًا اتباعه لأمره في صلح الحديبية، مع اختلاف حسابات البشر عن رؤية
الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم رأينا كيف كان الخير في ذلك، رأينا في
السقيفة
كيف انصاع الأنصار لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الأئمة في
قريش)
وهو ليس قرآن، لكن الصحابة ما كانوا يفرقون بين قرآن وسنة، فالقرآن
والسنة
مصدران متكاملان للتشريع، ولو ترك المسلمون أحدهما فإنهم سيضلون لا
محالة،
جاء في موطأ الإمام مالك أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:
تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ
تَضَلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا
كَتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ.
ثانيًا:
شمول الإسلام
إن هذا الدين ليس كما يعتقد
البعض صلاة
وصيامًا وإيمانًا بوجود الله واليوم الآخر فقط، الإسلام دين
متكامل
يهتم بكل جزئية من جزئيات الحياة صغرت أو كبرت شمول عجيب لا
يفسر إلا
بكون هذا الدين نزل من لدن عزيز حكيم، هذا دين يختلف كلية عن
تشريعات
الأرض والبشر [مَا فَرَّطْنَا فِي
الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ] {الأنعام:38}
. روى الإمام مسلم
وغيره عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قيل له:
قد علمكم نبيكم كل شيء
حتى الخراءة. أحد المشركين يقول هذا الكلام
لسلمان الفارسي يتعجب
المشرك من أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم
المسلمين كل شيء، علمهم
العقيدة، والعبادة، والمعاملات بينهم وبين
بعضهم، وبينهم وبين الآخرين،
وعلمهم القتال، وعلمهم السياسة، وعلمهم
التجارة، وعلمهم كل فنون الحياة، ثم
هو يعلمهم كل شيء في أدق دقائق
حياتهم، يعلمهم كيف يكون الرجل في بيته،
كيف يتعامل مع زوجته وأولاده
ووالديه وإخوانه وخدامه، كيف يأكل ويشرب، بل
كيف يحدث الحدث، وكيف
يغتسل، وكيف ينظف نفسه، ويهتم بجسده وهيئته. أمر
لافت للنظر جدًا، وقد
خاب قوم وخسروا، قصروا الدين على بعض العبادات فقط،
وقالوا: دع ما
لقيصر لقيصر وما لله لله. أبدًا كل شيء في حياتنا يجب
أن يكون لله عز
وجل [أَلَا لَهُ الخَلْقُ
وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ
العَالَمِينَ] {الأعراف:54} .
وقد رأينا كيف اجتمع الصحابة في نضوج
كامل، ووعي دقيق يدبرون أمر
دولتهم، يختارون زعيمهم على طريقة الكتاب
والسنة، ويسمعون له ويطيعون بشرط
اتباع الكتاب والسنة، ويديرون حياتهم
بكاملها في ضوء الكتاب والسنة، رأينا
هؤلاء الأطهار الذين اشتهروا بطول
القيام، والصيام، والذكر، وقراءة القرآن،
وجدناهم يحكمون دولتهم، ثم
يحكمون الأرض بعد ذلك في حكمة واقتدار. رأينا
هذا الرجل العجيب الصديق
رضي الله عنه الذي كان معتادًا على الصيام، وعلى
عيادة المرضى، وعلى
شهود الجنائز، وعلى إطعام الفقراء، رأيناه يقف على
المنبر بعد وفاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن بايعه الناس يخطب
خطبة متوازنة
رائعة بليغة حكيمة، يرسم فيها بوضوح خطوط سياسته وبرنامجه في
الحكم، ثم
وجدناه بعد ذلك يعقد مجالس الحرب ويُسَيّر الجيوش، ويفتح البلدان
ويقر
الشرع، ويجمع الخراج، وجدناه يضع الخطط العجيبة، والتدابير المحكمة
في
حروبه مع المرتدين، ثم مع فارس والروم، وجدناه يهتم ببيت المال، وتفيض
الخيرات
في زمانه على الناس مع كونه مشتركًا في معارك هائلة منذ تولى
الخلافة،
وحتى مات، لكنه ترك اقتصاد بلده منتعشًا عظيمًا متفوقًا على غيره،
وجدناه مع كل هذا التفوق في مجالات السياسة والحرب والاقتصاد والدعوة
والمراسلات
والوفود، وجدناه لا ينسى أحدًا من رعيته، وجدناه ينزل بنفسه
ليرعى
العجوز العمياء في بيتها، ويكنس حجرتها، ويعد طعامها، وجدناه يحب
الشاة
للضعفاء، وجدناه ما زال عائدًا للمريض، متبعًا للجنازة، وواصلًا
للرحم،
مهتمًا بأولاده، وزوجاته عطوفًا حنونًا على خدمه. أيّ شمول!
وأيّ
كمال! وإن كنا رأينا في هذه السطور أن الصديق رجل عظيم فأعظم
منه ذلك
الدين الذي صنع من الصديق صديقًا، الإسلام، أعظم معجزات الإسلام هي
بناء الرجال، وبناء الأمم وفي أزمان قياسية، ها هي القبائل البدوية
المتفرقة
والمشتتة، والمتحاربة تكون في سنوات معدودة دولة حضارية عظيمة
تحكم
الأرض بقوانين السماء، شمول الإسلام وكماله، درس لا ينسى من دروس
التاريخ
الإسلامي [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ
دِينًا]
{المائدة:3} .
ثالثًا: الشورى في حياة
المسلمين
الشورى ليست أمرًا جانبيًا في حياة المسلمين، ولما وصف
الله عباده
المؤمنين في كتابه كان من صفاتهم الرئيسية [وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ] {الشُّورى:38}.
ورأينا كيف اجتمع المسلمون في سقيفة بني
ساعدة في اجتماع من اجتماعات
الشورى الرائعة، يقارعون الحجة بالحجة،
والبرهان بالبرهان، والدليل
بالدليل، فإذا اجتمعوا على رأي، واتفقوا
عليه كان هذا الرأي هو رأي الجماعة
الذي لا يتبع غيره، ولا يعلن سواه،
لا يخرج رجل فيقول لقد اتفقوا على كذا
وكذا بينما رأيي كان كذا وكذا،
لا يخرج رجل فيقول رأيي كان صوابًا ولم
يأخذوا به، أبدًا، المسلمون بعد
الشورى لا يحدثون جيوبًا داخلية داخل صفهم،
ما سمعنا عن رجل خرج من
السقيفة يقول رأيًا مخالفًا لما اتفق عليه
المسلمون بعد الشورى، وهذا
هو عين الصواب، ويا حبذا لو استفدنا من هذا
الدرس من السقيفة. والشورى
لا تكون في الأحكام التي جاءت من الله عز
وجل، أو من الرسول صلى الله
عليه وسلم، وهو فرق هائل بين الديموقراطية
والشورى، فرق المرجعية،
الديمقراطية كنظام يقوم على احترام آراء الأغلبية،
هو نظام طيب ولا شك،
ويعتبر من أفضل نظم الحكم في العالم الآن، لكن هناك
فارق خطير بينها،
وبين الشورى، وهو المرجعية، نحن في شرعنا نرجع دائمًا إلى
الكتاب
والسنة، والديموقراطية ترجع إلى حكم الشعب فقط، نحن في شرعنا لا
يجوز
أن يجتمع الشعب على ما يخالف حكم الله ولا حكم رسوله، رأينا في
السقيفة
أن الأنصار تم استثناؤهم بالكامل من الترشيح بالخلافة لقول رسول
الله
صلى الله عليه وسلم (الأئمة في قريش) مع أنهم كانوا يملكون من الحجج
والأدلة
والبراهين ما يكفي للنقاش والجدال، بل الصراع لشهور وسنوات، ولكن
إذا
كان الله قال، أو إذا كان الرسول قال، فلا مجال إلا الطاعة ولا مكان
للشورى
في هذا الرأي.
رابعًا: اتباع الشرع
يضمن سعادة
الدنيا والآخرة
تُرى أي الشعوب أسعد؟
الشعب الذي تتصارع فيه الفرق
المختلفة على سلطة وحكم وسيطرة أم هذا
الشعب الذي رأيناه في المدينة
المنورة وهو يخرج مطمئنًا راضيًا سعيدًا
بالاختيار مع أنهم يمرون بكارثة
ضخمة وهي وفاة الرسول صلى الله عليه
وسلم وانقطاع الوحي؟ اتباع
الشرع يورث في القلب اطمئنانًا إلى جوار
الله، وإلى دفاع الله عن المؤمنين،
وهذا لا شك يورث في القلب سعادة،
اتباع الشرع يزرع في القلب الرضى بما قسم
الله، والرضى بما حكم الله،
والرضى بما أصاب الله، هذا الرضى ولا شك يورث
سعادة، اتباع الشرع يرسخ
مشاعر الأخوة والألفة والمودة بين المسلمين، ولا
شك أن هذا المجتمع
المتحاب في الله مجتمع سعيد، اتباع الشرع يكون سببًا في
أن تحل البركة
في المال، والبركة في الأرض، والبركة في الجيش، والبركة في
الأولاد،
والبركة في الأعمال، بركات كثيرة تنهمر على الأمة المتمسكة بكتاب
ربها،
وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم [وَلَوْ
أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ
بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ] {الأعراف:96} . لو رأيت انهيارًا
في الاقتصاد، وضعفًا في
الجيوش، وانحلالًا في الأولاد، وبوارًا في الأرض،
واحتقارًا من كل صغير
وكبير، ومن كل قليل وكثير، فاعلم أن هذا عقاب [وَلَكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ] {الأعراف:96}. [وَمَا
أَصَابَكُمْ
مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ
كَثِيرٍ]
{الشُّورى:30}. طريق النجاح، والرفعة، والقوة،
والصدارة في الدنيا
واضح ومعروف [فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّارًا] {نوح:10} . ماذا
يحدث لو عدنا لربنا واستغفرناه على ذنوبنا
وتمسكنا بشرعنا، فبماذا
يكافؤنا؟ هل سيدخلنا الجنة فحسب؟ كلا هناك شيءٌ
آخــر، شيء
أسرع [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
إِنَّهُ كَانَ
غَفَّارًا(10)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
أَنْهَارًا] {نوح:10: 12}. كل
هذا في الدنيا، وفوقه وأعظم منه نعيم
الآخرة، فما أكرمه من إله، وما أحكمه
من شرع.
خامسًا: اختيار الله تعالى لهذا الجيل
فالله
عز وجل كما اختار نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة فقد اختار هذا
الجيل
الذي عاصره للصحبة، وعلى قدر هذا الاصطفاء الجليل يجب أن يكون
تقديرنا
لهذا الجيل ليس أبدًا كما يقول بعض من قل أدبهم وانعدم
حياؤهم: هم
رجال ونحن رجال. أبدًا، هم جيل اختاره الله لحمل
الأمانة، ولتوصيل
الرسالة، ولتعليم الأمة ولنشر الدين، فكما اختار الله
جبريل عليه
السلام لينزل بالرسالة على النبي صلى الله عليه وسلم، واختار
الرسول
صلى الله عليه وسلم ليبلغ الناس بما أراده الله، فإنه قد اختار
هؤلاء
الأصحاب؛ لكي يسمعوا ويفهموا ويستوعبوا ويتحركوا بهذه الكلمات، وهذه
الأفعال
التي نقلوها عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فخرج هذا الجيل
كأرقى
ما تكون الأجيال، وصُنِعَ هذا الجيل على عين الله عز وجل، أبدًا
والله،
ليسوا كغيرهم من البشر. روى البخاري
ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي،
ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. وروى
البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله
عليه وسلم: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي،
فَوالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ
ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهَ. وقال
الله
تعالى في حقهم: [وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ
وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ
الفَوْزُ العَظِيمُ]
{التوبة:100} .
سادسًا:
الصديق
أعظم رجال الأمة بعد الرسول
بل هو أعظم أهل الأرض بعد
الأنبياء،
ومن الواضح أننا لم نوفه حقه بعد، ومن الواضح أيضًا أن كثيرًا من
المسلمين لا يعلمون كثيرًا عن حياة الصديق رضي الله عنه، وقد يكون ذلك
لقصر
مدة حكمه رضي الله عنه، ولكن هذا ليس مبررًا أبدًا لغفلتنا عن سيرة
حياة
هذا العملاق، فها نحن قد تعرضنا في هذه الأسطر لجوانب محدودة من حياته
رضي الله عنه، ولكن رأينا فيها العجب، فكيف بنا بعد أن نعلم خطواته في
حروب
الردة، وفارس، والشام. لا شك أن دراسة تاريخ الصديق وأمثاله من
عظماء
المسلمين ستضرب أروع القدوات لنا ولأبنائنا من بعدنا، وخاصة أننا في
زمان لا تعدو فيه قدوة كثير من أبنائنا على أن تكون لمطرب شرقي أو غربي،
أو
لكاتب علماني، أو لرجل لا يملك من مقومات النبوغ إلا المال. ماذا
يعرف
أبناؤنا عن الصديق وعمر وعثمان وعن علي رضي الله عنهم أجمعين؟ ماذا
يعرفون عن حمزة وخالد وعن القعقاع وعن الزبير؟ ماذا يعرفون عن موسى
بن
النصير، وعن يوسف بن تاشفين، وعن نور الدين محمود وعن صلاح الدين
الأيوبي؟
لا يكفي هنا أن يعرف اسمه وسطرًا عن حياته، نريد معرفة
كاملة لمناهج
هؤلاء في حياتهم، وكيف وصلوا إلى أعلى درجات المجد في الدنيا،
ونسأل
الله أن يكونوا جميعًا من أهل الجنة، لا شك أن تاريخ هؤلاء الأبطال
سيكون
خير معين على إصلاح أنفسنا ومجتمعنا.
سابعًا:
يتحتم على الأمة دراسة تاريخها إذا أرادت النهوض
إن
دراسة التاريخ
بصفة عامة والتاريخ الإسلامي بصفة خاصة تعتبر من
الأساليب التي يتحتم على
المسلمين أن يأخذوا بها إذا أرادوا القيام من
جديد وإذا رغبوا في إصلاح ما
فسد من أحوالنا كما ذكرنا من قبل فإن الله
عز وجل جعل من كتابه
العظيم القرآن قصصًا وتاريخًا، ولا شك أن هذا ه
الأسلوب الأمثل لتربية
الناس. لا بد أن تشتمل مناهجنا التربوية على
جوانب ضخمة من التاريخ،
ثلث المناهج يجب أن يكون تاريخًا، ولا بد أن
نقدمه بصورة شيقة لطيفة
يقبلها الصغير والكبير، ويقبلها الرجل والمرأة،
ويقبلها المتخصص والعامي.
لا بد أيضًا أن نُدرّس التاريخ بأسلوب هادف،
يقوم في الأساس على
استخلاص العبرة وعلى تربية الشعوب [لَقَدْ
كَانَ
فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا
يُفْتَرَى
وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ
شَيْءٍ
وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] {يوسف:111} . لا
يكفي أن
نسرد الأحداث سردًا، لا بد من تحليل كل نقطة، لا بد من استعراض
تفاصيل
كل موقف، لا بد من الوقوف على المسببات والنتائج، لا بد من ربط
التاريخ
في أي فترة من فتراته بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة
الصحابة
رضوان الله عليهم، ولا بد من ربط التاريخ أيضًا بواقعنا المعاصر،
عندها
يصبح التاريخ حيًا ينبض، يصبح التاريخ دليلًا يقود إلى المستقبل،
يصبح
التاريخ واقيًا من الوقوع في الزلات والعثرات، يصبح أيضًا دافعًا
للقيام
بعد النكبات والسقطات. هذا هو التاريخ الذي نريده، ولا نريد
أن نقف في
التاريخ على توافه الأمور وسفاسفها، لا يهمنا أن نعرف إن كانت
نملة
سليمان عليه السلام ذكرًا أم أنثى، ولا يهمنا أن نعرف إن كانت سفينة
نوح
ثمانين ذراعًا أو مائة ذراع، أو مائتي ذراع أو إن كان الفيل أول
الحيوانات
دخولًا أم أنه سبق بزرافة، نحن نريد التاريخ الذي يبني عليه عمل،
ويستخرج منه عبرة، ويُهتدى بدراسته طريق.
الموضوع : دروس من حياة الصديق - الدرس الأخير المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ابراهيم كمال توقيع العضو/ه:ابراهيم كمال |
|