ثوَاب من مات له سِقْط
عن سهل بن
الحنظلية ـــ وكان لا يولد له ـــ قال: لأن يولد لي في الإسلام، ولو سقط، فأحتسبه،
أحب إلي من أن تكون لي الدنيا جميعاً وما فيها.
وكان ابن الحنظلية ممن بايع تحت
الشجرة.
الباب التاسع والثمانون
في إثمِ المرأة إذا تعمَّدتِ الإسقاط
لما كان موضوع النكاح لطلب الولد،
وليس من كل الماء يكون الولد، فإذا تكوَّن فقد حصل المقصود من النكاح.
فتعمُّد
إسقاطه مخالفة لمراد الحكمة، إلا أنه إن كان ذلك في أول الحمل، فقبل نفخ الروح، كان
فيه إثم كبير، لأنه مترقّ إلى الكمال، وسار إلى التمام، إلا أنه أقل إثماً من الذي
نفخ فيه الروح.
فإذا تعمَّدت إسقاط ما
فيه الروح كان كقتل مؤمن، وقد قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَىّ
ذَنبٍ قُتِلَتْ } (التكوير: 8 ـــ 9)، الموؤودة: البنت كانوا يدفنونها حية، فهي
تُسأل يوم القيامة لتبكيت قاتليها.
وقد روى جويرية بن أسماء
عن عمه قال: حججت، وإنّا لفي رفقة، إذ نزلنا، ومعنا امرأة. فنامت، فانتبهت، فإذا
حية منطوية عليها، قد جمعت رأسها مع ذنبها بين ثدييها، فهالنا ذلك، وارتحلنا، فلم
تزل منطوية عليها، لا تضربها، حتى دخلنا أنصاب الحرم، فانسابت، فدخلت مكة، فقضينا
نسكنا، وانصرفنا، حتى إذا كنا بالمكان الذي انطوت عليها فيه الحيّة، وهو المنزل
الذي نزلت، فنامت واستيقظت، والحية منطوية عليها، صفّرت الحيّة، فإذا الوادي يسيل
علينا حيات، فنهشتها حتى بقيت عظامها، فقلت لجارية كانت معها: ويحك أخبرينا عن هذه
المرأة، قالت: بغت ثلاث مرات، كل مرّة تلد ولداً، فإذا وضعته سجرت التنور، ثم ألقته
فيه.
الباب التسعون في ذِكْر
كفَّارة الإسقاط
إذا تعمَّدت المرأة
الإسقاط بشرب دواء يسقط، فإن كان الحمل لم يبلغ المدة التي تُنفخ فيها الروح، فلا
دية في ذلك، إنما عليها الإثم فحسب.
هذا في أحد الوجهين
لأصحابنا.
والوجه الثاني: أنها إن ألقته مضغة، وشهد القوابل أنه خلق آدمي، وجبت
الغرة.
قال الخرقي: وإذا شربت الحامل دواء، فأسقطت جنينها، فعليها غرة لا ترث
منها شيئاً، وتعتق رقبة.
قال المصنف ـــ رحمه الله ـــ قلت: وإن كان قد نفخ فيه
الروح فوقع، فعليها غرة، عبد، أو أمة، قيمتها نصف عشر دية أبيه، أو عشر دية الأم،
تدفع إلى ورثته، ولا ترث الأم منها شيئاً.
وتجب عليها الكفارة بعد هذا، وهي: عتق
رقبة، فإن لم تجد صامت شهرين متتابعين، فإن لم تستطع، فهل يجب أن تطعم أم لا؟ على
روايتين، فإن قلنا تطعم، أطعمت ستين مسكيناً.
الباب الحادي
والتسعون في ذكْر مَن مَات له ولدٌ
عن أبي سنان قال: دفنت
ابني سناناً، وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر، فلما أردت الخروج، أخذ بيدي،
فأخرجني، فقال: ألا أبشرك، حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عزوم، عن أبي موسى
الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «إذا مات ولد العبد قال الله عز
وجل للملائكة: قبضتم ولد عبدي؟ قالوا: نعم. قال: ما قال؟ قالوا: استرجع وحمد. قال:
ابْنوا له بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد».
وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى
الله عليه وسلّم «قال الله عز وجل: يا ملك الموت، قبضت ولد عبدي، قبضت قرة عينه،
وثمرة فؤاده؟ قال: نعم، قال: فماذا قال؟ قال: حمدك واسترجع. قال: ابنوا له بيتاً في
الجنة، وسمّوه بيت الحمد».
وعن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان له فرطان من أمتي دخل الجنة». فقالت: عائشة
ـــ رضي الله عنها ـــ بأبي فمن كان له فرط؟ قال: «ومن كان له فرط»، قالت: فمن لم
يكن له فرط من أمتك؟ قال: «فأنا فرط أمتي لم يصابوا بمثلي».
عن معاوية بن قرة،
عن أبيه، أن رجلاً كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلّم ومعه ابنٌ له، فقال له النبي
صلى الله عليه وسلّم «أتحبُّه؟». فقال: يا رسول الله أحبّك اللَّهُ، كما أُحبُّهُ،
فَفَقَدَهُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما فعل ابن فلان؟». قالوا: يا رسول
الله، مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلّملأبيه: «أما تحب أن لا تأتي باباً من
أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟» فقال رجلٌ: يا رسول الله، ألَهُ خاصَّةً، أم
لكُلِّنا؟ قال: «بل لكلكم».
وعن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلّم «مَن قدّم ثلاثة لم يبلغوا الحنث، كانوا له حصناً حصيناً
من النار»، فقال أبو ذر: قدمت اثنين؟ قال: «واثنين»، فقال أُبِّي بن كعب سيد
القراء: قدمت واحداً، قال: «وواحداً، ولكن ذلك في أول صدمة».
وعن محمد خلف وكيع قال:
كان لإبراهيم الحربي ابن، وكان له إحدى عشرة سنة، قد حفظ القرآن، ولقّنه من الفقه
شيئاً كثيراً فمات، قال: فجئت أعزِّيه، فقال لي: كنت أشتهي موت ابني هذا، قلت: يا
أبا إسحاق، أنت عالم الدنيا، تقول مثل هذا في صبي، قد أنجب، وحفظ القرآن، ولقّنته
الحديث والفقه؟ قال: نعم. رأيت في النوم، كأنَّ القيامة قد قامت، وكأنَّ صبياناً
بأيديهم قلال ماء، يستقبلون الناس يسقونهم، وكان اليوم يوماً حاراً شديداً
حرّه.
قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، قال: فنظر إليّ، وقال لي: ليس أنت
أبي؟ فقلت: فأيش أنتم؟ قالوا: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا، وخلفنا
آباءنا، نستقبلهم، فنسقيهم الماء، قال: فلهذا تمنيت
موته.
الباب الثاني والتسعون في
ذكْر أجرِ مَن مَات له ولدان
عن أبي سعيد الخدري ـــ رضي الله عنه
ـــ أن النساء قلن: غلبنا عليك الرجال يا رسول الله، فاجعل لنا يوماً نأتك فيه.
فواعدهن ميعاداً، فأمرهن ووعظهن، وقال: «ما منكن امرأة يموت لها ثلاثة من الولد،
إلا كانوا لها حجاباً من النار»، فقالت امرأة: أو اثنين؟ فإنه مات لي ابنان، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلّم «واثنين».
عن أبي ثعلبة الأشجعي قال: قلت: مات لي
يا رسول الله ولدان في الإسلام، قال: فقال: «من مات له ولدان في الإسلام أدخله الله
الجنة بفضل رحمته إياهما».
وعن جابر بن عبد الله ـــ رضي الله عنهما ـــ قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل
الجنة، قال: قلنا يا رسول الله، واثنان؟ قال: واثنان، قال محمود: فقلت لجابر: أراكم
لو قلتم واحداً، لقال واحداً، قال: وأنا والله أظن
ذلك».
الباب الثالث والتسعون في
ذكْر أَجر مَن مَات له ثلاثةٌ من الولد
عن الزبير بن العوام ـــ
رضي الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات له ثلاثة من الأولاد لم
يبلغوا الحنث، كانوا له حجاباً من النار». أو كما قال.
وعن عمرو بن عبسة ـــ رضي
الله عنه ـــ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل مسلم قدم الله له من صلبه
ثلاثة لم يبلغوا الحنث أو امرأة، فهم له ستر من النار».
وعن ابن مسعود ـــ رضي
الله عنه ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب النساء، فقال لهن: «ما فيكن
امرأة يموت لها ثلاثة من الولد إلا أدخلها الله عز وجل الجنة»، فقالت أجلّهن امرأة:
يا رسول الله، وصاحبة الاثنين في الجنة؟ فقال: «وصاحبة الاثنين في الجنة».
وعن
أنس بن مالك ـــ رضي الله عنه ـــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «من مات
له ثلاثة لم يبلغوا الحنث، أدخله الله بفضل رحمته إياهم».
وعن أبي هريرة ـــ رضي
الله عنه ـــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يموت لأحد من المسلمين
ثلاثة من الولد، فتمسه النار إلا تحلّة القسم».
وعنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: «ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، فتمسه النار إلا
تحلة القسم».
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ما من مسلمين
يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخلهم الله وإياهم بفضل رحمته الجنة،
قال: يقال لهم: ادخلوا الجنة، قال: فيقولون: حتى يجيء أبوانا، قال: ثلاث مرات،
فيقولون مثل ذلك، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وأبواكم».
وعن أبي زرعة عن أبي
هريرة ـــ أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلّمبصبي فقالت: ادع له، فقد دفنت
ثلاثة، قال: «احتظرت بحظار شديد من النار».
وعن أم سليم قالت: كنت عند النبي صلى
الله عليه وسلم يوماً، فقال: «يا أم سليم، ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد، إلا
أدخلهم الله عز وجل الجنة بفضل رحمته إياهم»، قلت: واثنان؟، قال: «واثنان».
وعن أبي ذر ـــ رضي الله
عنه ـــ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يموت له ثلاثة
من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم».
وعن شرحبيل
الرحبي قال: سمعت عتبة بن عبد السلمي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما
من رجل مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة
الثمانية من أيِّها شاء دخل».
الباب الرابع والتسعون في
ذكر مَن مات له أربعةٌ من الولد
عن الحارث بن أقيش قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلّم «ما من مسلمين يموت لهما أربعة أولاد، إلا أدخلهما الله
الجنة»، قالوا: يا رسول الله، وثلاثة؟ قال: «وثلاثة»، قالوا: يا رسول الله، واثنان؟
قال: «واثنان».
الباب الخامس والتسعون في
الأمرِ بالصبر، وبَيان أنَّ الصبر عند أوَّل صدمة
الصبر: حبس النفس عن
الجزع.
وفي «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: «ما أُعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر».
وقال علي عليه السلام
للأشعث بن قيس: «إنك إن صبرت إيماناً واحتساباً، وإلا سلوت كما تسلو
البهائم».
وكتب حكيم إلى رجل قد أصيب بمصيبة: «إنك قد ذهب منك ما رزقت به، فلا
يذهبن عنك ما عُوِّضت عنه، يعني من الأجر».
وقال حكيم: الجزع لا يردّ الفائت،
ولكن يسرّ الشامت.
وقال آخر: العاقل من يفعل أول يوم من أيام المصيبة ما يفعله
الجاهل بعد خمسة أيام.
قال المصنف ـــ رحمه الله ـــ قلت: وقد علم أن مَرَّ
الزمان يسلي المصائب، فلذلك أمر الشرع بالصبر، عند الصدمة الأولى.
وعن أبي موسى عن النبي صلى
الله عليه وسلّم«أنه خرج إلى البقيع، فأتى على امرأة جاثية على قبر تبكي، فقال لها:
«يا أمة الله، اتقي الله، واصبري»، قالت: يا عبد الله، أنا الحزنى الثكلى، قال: «يا
أمة الله، اتقي الله، واصبري»، قالت: يا عبد الله، لو كنت مصاباً لعذرتني، قال: يا
أمة الله، اتقي الله، واصبري». قالت: يا عبد الله، قد أسمعتني، فانصرف.
قال:
فانصرف عنها، وبصر بها رجل من المسلمين، فأتاها، فسألها: ما قال لك الرجل؟ فأخبرته
بما قال، وما ردّت عليه، فقال لها: أتعرفينه؟ قالت: لا، قال: ويحك ذاك رسول الله
صلى الله عليه وسلّم فبادرت تسعى حتى أدركته، قالت: يا رسول الله أَصْبِرُ، قال:
«الصبر عند الصدمة الأولى»، ثلاث مرات.
قال أبان بن ثعلب: رأيت أعرابية تمرّض
ولدها، فلما فاض أغمضته، ثم تنحت، وقالت: ما أحقّ من ألبس العافية، وأسبغت عليه
النعمة، وأطيلت له النظرة، أن يعجز عن التوثق لنفسه قبل حلّ عقدته، والحلول
بعقوته.
فأجابها أعرابي: لم نزل نسمع أن الجزع للنساء، ولقد كرم صبرك. فقالت: ما
بَيّن رجل بين الصبر والجزع، إلا أصاب بينهما منهجين بعيدي التفاوت.
أما الصبر
فحسن العلانية، محمود العاقبة، وأما الجزع فغير معوّض مع مأثمه.
وأصيبت منفوسة
بنت زيد الفوارس بابنها، فقالت، وهو في حجرها: والله لتقدّمك أمامي أحب إليّ من
تأخرك ورائي، ولصبري عليك أجدى من جزعي عليك، ولئن كان فراقك حسرة، إنّ توقع أجرك
لخيرة.
ونظر رجل إلى امرأة
بالبصرة، فقال: ما رأيت مثل هذه النضارة، وما ذاك إلا من قلة الحزن. فقالت: يا عبد
الله، إنَّ لي حزناً ما شاركني فيه أحد. قال: وكيف؟ قالت: أخبرك أن زوجي ذبح شاة
يوم أضحى، ولي صبيَّان يلعبان، فقال الأكبر للأصغر: أتريد أن أريك كيف ذبح أبي
الشاة؟ قال: نعم. فذبحه، فلما ارتفع الصراخ، هرب الغلام، فالتجأ إلى الجبل، فأكله
الذئب، فخرج أبوه يطلبه، فمات عطشاً، فأفردني الدهر. فقال: فكيف صبرت؟ فقالت: لو
وجدت في الجزع دركاً ما حزنت عليهم.
الباب السادس والتسعون في
جوازِ البُكَاءِ على الميِّت
عن ابن عباس ـــ رضي الله عنهما ـــ
قال: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّمبكت النساء، فجعل عمر يضربهن
بسوطه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّمبيده، ثم قال: «مهلاً يا عمر»، ثم قال:
«ابكين، وإياكنّ ونعيق الشيطان»، ثم قال: إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز
وجل، ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان».
وعنه قال: ماتت رُقيّة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون، وبكت
النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّملعمر: دعهن يبكين،
وإياكن ونعيق الشيطان، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم مهما يكن من العين
والقلب فمن الله والرحمة، ومهما كان من اليد واللسان فمن الشيطان، وقعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم على شفير القبر، وفاطمة إلى جنبه تبكي، فجعل النبي صلى الله
عليه وسلم يمسح عن فاطمة بثوبه رحمة لها».
الموضوع : ثوَاب من مات له سِقْط المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ابراهيم كمال توقيع العضو/ه:ابراهيم كمال |
|