الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
مقدمة:
- يذكر فيها الخطيب الحديث، وينبه أنه سيتكلم عن نوع من
الأصناف السبعة في كل جمعة، وأن حديث اليوم تقديم وتمهيد ببعض المعاني
الإيمانية حول الحديث.
- عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ
لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ
اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ
تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ،
وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي
أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ
تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ
خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) متفق عليه.
-
قال ابن عبد البر في التمهيد: "هذا أحسن
حديث يـُروى في فضائل الأعمال وأعمها وأصحها".
- تعليق الخطيب: لأنه اشتمل على جميع أطراف المجتمع، فبدأ بقمته وهو الإمام
العادل، وانتهى بقاعدته وهو الذي لا يعلم به أحد إلا الله: (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).
1- حول موقف يوم القيامة لبيان عظيم
مكانة هؤلاء:
-
فناء الخلق جميعا؛ قال الله -تعالى-: (كُلُّ
مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ
وَالإِكْرَامِ)(الرحمن:26-27).
-
إحياء الخلق للبعث والحساب؛ قال الله
-تعالى-: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا .
وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا... )(الزلزلة).
-
جمع الناس للحساب والعرض؛ قال الله
-تعالى-: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ
جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ
نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا)(الكهف:48).
-
شدة هول هذا اليوم؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ
السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا
وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ
اللَّهِ شَدِيدٌ)(الحج:1-2).
- شدة
الموقف على الناس؛ قال الله -تعالى-: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى
إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(الجاثية:28)، وقال -صلى الله
عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ حَتَّى تَكُونَ قِيدَ مِيلٍ أَوْ
مِيلَيْنِ -قَالَ- فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ
كَقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ مِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبَيْهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ
إِلَى حَقْوَيْهِ -خاصرتيه- وَمِنْهُمْ مَنْ
يُلْجِمُهُ إِلْجَاماً) رواه أحمد
والترمذي، وصححه الألباني.
2- المراد بالظل:
- فسره أهل العلم بأنه ظل العرش؛ لما رواه سعيد بن منصور عن
سلمان بإسناد حسن: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي
ظِلِّ عَرْشِهِ).
- العرش أول
المخلوقات؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كَتَبَ اللَّهُ
مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ
بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ -قَالَ- وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) رواه مسلم.
- عظم العرش؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما
السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل
تلك الفلاة على تلك الحلقة) رواه
البيهقي في الأسماء والصفات وابن جرير في تفسيره، وقال الألباني: صحيح
بطرقه.
-
اسألوا الله ظل العرش وسقفه؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِذَا
سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ
الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ
تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) رواه
البخاري.
3- معاني إيمانية مشتركة بين الأصناف السبعة:
إن الأصناف السبعة يجمعهم تلك المعاني الإيمانية العظيمة
وهي: (الخوف - المراقبة - الرغبة فيما عند الله).
- الإمام العادل: خوفه من الله، ومظالم العباد حمله على العدل، ومعلوم أنه لا
سلطان فوقه على الناس.
- الشاب المتدين: لا يطلع
على حقيقة عبادته إلا الله، ولولا الخوف والمراقبة لساير الشباب الغافلين.
- المتعلق بالمساجد: لرغبته فيما عند الله وخوفه لم يتعلق قلبه بامرأة أو دنيا
يصيبها.
- المتصدق في
الخفاء: تغلب على شح نفسه، طمعـًا في
العوض من الله، ولم يرقب الناس لعلمه بمراقبة الله.
- الذي دعته المرأة: تغلب على دواعي الفاحشة، خوفاً من الله وطمعًا فيما عنده.
- الباكي من خشية الله: ما أبكاه إلا الخوف والمراقبة، والرغبة فيما عند الله.
4- تأثير الأصناف السبعة بعضها على بعض:
إن المتأمل للترتيب يجد أنهم يرتبطون ببعضهم؛ كالأسباب
والمسببات، والمقدمات والنتائج.
- فالإمام العادل: سيقيم
مجتمعاً فاضلاً، وهذه البيئة الطيبة من العبادة والفضائل يكون معها...
- الشباب الذين ينشأون في عبادة الله: وهؤلاء الشباب من أخص خصائصهم ارتياد المساجد، وسيكون
منهم...
- من قلبه
معلق بالمساجد: وهذه المساجد سيلتقي فيها
أهل الطاعات المختلفة فيكون منهم...
- رجلان تحابا في الله:
وهؤلاء إذا تحابوا في الله، تعاونوا على طاعته وتقواه، وإصلاح قلوبهم
وتزكية نفوسهم، ومن هؤلاء...
- من إذا دعته امرأة ذات منصب وجمال قال: إني أخاف الله، وتعوذ بربه ومولاه، ومن كان كذلك عظم إخلاصه
فكان منهم...
- من
تصدق بصدقة فأخفاها... لعظيم إخلاصه
وتقواه، ومثل هذا سيكون عظيم الخوف من الله، فيكون منهم...
- من ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، وذلك لما اجتمع له من خصال الخير ومعاني التقوى.
5- يوسف -عليه السلام- جمع الأوصاف
السبعة:
1- لما تولى المُلك كان
إماماً عادلاً (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ
وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)(يوسف:59).
2- وكان في شبابه نعم
الشاب المتدين (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ
وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)(يوسف:6)، (وَلَمَّا
بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي
الْمُحْسِنِينَ)(يوسف:22).
3- وجمعه ووالده الحب في
الله (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى
أَبِينَا مِنَّا)(يوسف::lol!:.
4- وكان قلبه معلقا بالصلاة والمساجد، وهذا أمر مقطوع به في
حق الأنبياء والمرسلين.
5- ولما دعته
امرأة ذات منصب وجمال تعفف وقال: (مَعَاذَ اللَّهِ
إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(يوسف:23).
6- وكان أكثر الناس تصدقاً وعطاءً (فَأَوْفِ
لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي
الْمُتَصَدِّقِينَ)(يوسف:88).
7- وأما بكاؤه فثبت في
مواطن كثيرة ذكرها المفسرون من أبرزها يوم جمع الله شمله بأهله وكان عنده
المُلك، بكى شوقاً لما عند الله (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي
مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(يوسف:101).
وللحديث بقية إن شاء الله...
الموضوع : حديث السبعة (1).. تأملات إيمانية حول الحديث (خطبة مقترحة) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya