من
صفاته -رحمه الله-:
2- الزهد:
ضرب العز
مثلا للزهد بسيرته ومواقفه فكان يعيش بين الناس رافضا دنياهم يذكرهم
بأخراهم، غير متطلع لما في أيديهم مع مشاركته في أحداث الدنيا، مع انخراطه
في حل مشكلاتها ومعضلاتها، وكان لا يرد سائلا.
ومن مواقف حياته في ذلك:
أنه نصح للملك "الأشرف" وهو في مرضه الذي مات فيه؛ فامتثل
أمره وعمل بنصحه وأمر له بألف دينار مصرية، فردها الشيخ ولم يقبلها وقال:
هذه اجتماعة لله لا أكدرها بشيء من الدنيا!
ولما خرج من القاهرة في قصة بيع الأمراء كان كل متاعه ومتاع
أسرته حمار واحد!
ولما مرض العز وأحس
بالموت؛ أرسل له الظاهر "بيبرس": أن يـُعيـِّن أحد أولاده في مناصبه.
فقال العز: ما يصلح لذلك -رغم أن ولده عبد اللطيف كان عالما
يستحق المنصب-.
قال له: من أين يعيش؟
قال: من عند الله -تعالى-.
قال
له: نجعل له راتبا؟؟
قال العز: هذا
إليكم، ثم أشار إلى تعيين تقي الدين ابن بنت الأعز.
3- حـُبـُّه للصدقة:
كان -رحمه الله- كثير الصدقات باسط اليد فيما يملك، يجود
بماله -ولو كان قليلا-.
حكى القاضي بدر
الدين بن جـُماعة أن الشيخ لما كان بدمشق وقع مرة غلاء كبير حتى صارت
البساتين تباع بالثمن القليل؛ فأعطته زوجته مصاغا لها وقالت: اشتر لنا به
بستانا نصيف به، فأخذ المصاغ وباعه وتصدق بثمنه! فقالت له: يا سيدي اشتريت
لنا؟
قال: نعم. بستانا في الجنة؛ إني
وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمنه.
فقالت:
جزاك الله خيرا.
4-
ورعه وتقواه:
كان العز صاحب ورع
متعدٍ؛ إذ كان ورعا ويعلم الناس الورع، ومما في ذلك قوله:
"يجب على الخنثى المشكل أن يستتر في الصلاة كالتستر للنساء
احتياطا".
وقوله: "من نسي ركعتين من
السنن الرواتب ولم يعلم أهي سنة الفجر أم سنة الظهر فإنا نأتي بالسنتين
لنحصل على المنسية"، ولمن نسي صلاة من صلاتين مفروضتين أيضا.
5- تواضعه وعدم التكلف:
مرّ في قصة بيع الأمراء قوله لابنه: "أبوك أقل من أن يقتل في
سبيل الله"، وكان لا يتكلف في لباسه فكان يلبس العمامة، ومرة قبعة من
لـُبـَّاد بحسب ما تيسر له، ويحضر بها المناسبات والمواكب.
6- بلاغته وفصاحته:
كان -رحمه الله- بليغا فصيحا قوي العبارة؛ من أقواله
وعباراته:
"الشرع ميزان يوزن به الرجال،
وبه يتيقن الرابح من الخسران، فمن رجح في ميزان الشرع كان من أولياء الله
وتختلف مراتب الرجحان. ومن نقص في ميزان الشرع فأولئك أهل الخسران وتتفاوت
خفتهم في الميزان وأخسها مراتب الكفار، ولا تزال المراتب تتناقص حتى تنتهي
إلى مرتكب أصغر الصغائر.
فإذا رأيت
إنسانا يطير في الهواء ويمشي على الماء، أو يخبر بالمغيبات ويخالف الشرع
بارتكاب المحرمات بغير سبب محلل، أو يترك الواجبات بغير سبب مجوز، فاعلم
أنه شيطان نصبه الله فتنة للجهلة؛ وليس ذلك ببعيد من الأسباب التي وصفها
الله للضلال؛ فإن الدجال يحيي ويميت فتنة لأهل الضلال... ". إلى أن قال:
"وكذلك من يأكل الحيات ويدخل النيران فإنه مرتكب للحرام بأكل
الحيات، وقاتل للنفس بدخول النيران ليقتدوا به في ضلالته ويتابعوه على
جهالته".
ومن ذلك قوله: "والطريقة في
إصلاح القلوب التي تصلح الأجساد بصلاحها وتفسد بفسادها؛ تطهيرها من كل ما
يبعد عن الله، وتزيينها بكل ما يقرب إليه ويزلفه لديه من الأحوال والأقوال
والأعمال، وحسن المآل، ولزوم الإقبال عليه والإصغاء إليه، والمثول بين يديه
في كل وقت من الأوقات وحال من الأحوال على حسب الإمكان من غير أداء إلى
السآمة والملال".
تلاميذ
العز:
من أهم
تلاميذ العز الذين نهلوا من علمه، وتربوا على يديه:
(الإمام ابن دقيق العيد - وشهاب الدين القرافي - وأحمد بن
فرح الأشبيلي المحدث الفقيه - وشرف الدين الدمياطي - وأبو شامة النحوي
الأصولي المؤرخ، وغيرهم... ).
من أهم مؤلفاته:
(مختصر
تفسير النكت والعيون للماوردي، تفسير القرآن العظيم -"ما زال مخطوطا"-،
بداية السول في تفضيل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، نبذة في الرد على
القائلين بخلق القرآن، قواعد الأحكام في مصالح الأنام -وهو أشهر كتبه-،
مجاز القرآن، الفتاوى المصرية والموصلية).
المآخذ التي أخذت عليه:
1- قوله بقول الأشاعرة في مسائل الصفات.
2- ميله إلى التصوف؛ وهذه المسألة محل بحث فبعض أهل العلم
يقول بأنه صوفي، والبعض يقول بأن علاقته بكبار المتصوفة في عصره وغير ذلك
مما قيل عنه؛ إنما لتطهير التصوف مما علق به وقيامه بحركة إصلاح في التصوف
عموما، ودللوا على ذلك برفضه لكثير من السلوكيات التي يمارسها المتصوفة.
وأنه جعل مقياسه الشرع في قبول مفردات التصوف، ولم ينتسب إلى
طريقة صوفية مما شاع في عصره؛ بالإضافة إلى مواقفه مع الملوك، وفي الجهاد
التي تخالف منهج المتصوفة والتصوف.
3-
كلامه في البدع الذي اتخذه المتبدعة تكأة لتمرير بدعهم وجعلها من الشرع.
وفاته:
بعد عمر ناهز الثلاثة والثمانين عاما في الجهاد في سبيل الله
ونصرة الإسلام ونشر دعوته توفي العز بن عبد السلام في العاشر من جمادى
الأولى سنة 660هـ، وصلى عليه "الظاهر بيبرس"، وحضر جنازته الخاص والعام.
ولما بلغ السلطان وفاته قال: "لم يستقر ملكي إلا الساعة؛
لأنه لو أمر الناس فيَّ ما أراد لبادروا إلى امتثال أمره".
قال الذهبي -رحمه الله-:
"بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب -أي المذهب
الشافعي- مع الزهد والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلابة في
الدين".
رحمه الله رحمة واسعة وحشرنا
وإياه في زمرة الصالحين، وصلِ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد -صلى
الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وسلم.
الموضوع : سلطان العلماء وبائع الأمراء المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya