بسم الله الرحمن
الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
عبقريات عباس
العقاد: (2) ركوب للكذب واستخفاف بالعقول
توطئة لابد منها
مَعْلَمٌ
ثابت يأتي إليه عباس العقاد حال التحدث عن أي (عبقري) من (العباقرة)، أمِّ
هذا العبقري وأبيه وأخته وأخيه.. أصلِ (العبقري) وبيئتهِ التي نشأ فيها،
ويربط كلَّ الكرائم التي تظهر على هذا (العبقري) بأصله وبيئتهِ، ولا يجعل
شيئاً من ذلك لعقيدته.
وفي كل مرَّةٍ يقبض العقاد بيديه ويضغط
بقدميه ويَعضُّ بفكيه على نصٍ أو نصين، و ـ ربما ـ لا تدري من أين يأتي
بهما، فهو لا يبالي بمصدر التلقي؛ كله عنده صحيحٌ إن وافق هواه، يسير بين
المصادر يفتش فيها حتى يجد ما يوافق هواه فينقله، كان البخاري أم كان
الأصفهاني!!
وما درى العقَّاد أن الخبر بالمُخْبِرِ أو بشواهدٍ في
ذات الخبر تشهد على صدقه، فنحن نفتش في النص (المتن) ونفتش فيمن نقل إلينا
النص (السند)، ولا بد من صحٍة الاثنين معاً، فلا نقبل من الكذوب ولا نقبل
ممن لا يَضْبِطُ ولا ممن خدشت عدالته؛ ولا نقبل نصاً يتعارض مع الصريح
الصحيح. وما نفعله (نقد المتن والسند.. النص ومَنْ نقل إلينا النص)
مُسَلَّمَةٌ عقلية لمن أراد الصدق فيما يقول ويفعل.
والعقاد لا يعرف
هذا، عباس العقاد لا يبالي بالخبر أو بمن جاء بالخبر، المهم أن يتفق
وهواه.
بل إن أمر العقاد أشد من هذا، فالرجل عنده ثوابت قدَّم من
أجلها سيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونفراً من صحابته الكرام.
عند
العقاد قوالب فكرية جاهزة يحاول أن يخرج سيرة هؤلاء الكرام في قوالبه
المعدة سلفاً.
الرجلُ يعتقد ثم يستدل، يثبت الأفكار ثم يتجول بين
الكتب حتى يعثر على نصٍ يستدل به على ما استقر عنده ابتداءً (1)، وإن لم
يجد وقف أمام النص يحتال عليه أو يضغط عليه حتى يخرج منه ـ رغما عنه ـ بما
يريد؛ فمرةً يبتر النص من سياقه القولي أو العملي، ومرةً يعتمد الضعيف
والشاذ وما لا يصح، ومرةً يقدم تفسيراته الكاذبة الخاطئة يحرف بها الكلم عن
مواضعه ويضلل بها مَن يقرأ.
فالخطأ عند العقاد ليس فقط في مصادر
الاستدلال كما يذهب الدكتور صالح اللحيدان في نقده للعبقريات، و إنما في
المصادر وفي طريقة الاستدلال، وبالتالي هو خطأ متعمد.
فحيناً تجد
الخطأ عنده أنه اعتمد على نصٍ ضعيف أو غير صحيح، وحيناً تجده يمسك بنص صحيح
ولكنه يغير المعنى بطريقته في الاستدلال، وكثيراً ما يجمع بين الأمرين..
نص غير صحيح ومعالجة غير صحيحة، أو يتكلم من تلقاء نفسه بلا دليل صحيح أو
غير صحيح!!
وتسمع من العقاد بعض الجمل التي يضحك بها على من يسمع
ويستغل جهالته، مثلا يقول: عن ابن عباس، ثم وكي يقتنع من يقرأ بما ينقله
العقاد يعقب قائلا: وكان حاضراً، وكأن ابن عباس حدَّث العقاد بنفسه عن شيء
رآه!!
المشكلة ليست في الصحابي أبداً، ولكن فيمن يروي عن الصحابي
من التابعين أو مَن بعدهم.
وتسمع منه (وأيده على ذلك بعض
المجتهدين)، ولا تدري من هم المجتهدون هؤلاء، ولا أين يجتهدون، ولا فيم
يجتهدون!!
وهذا كله نوع من المحاصرة للقارئ وفرض الرأي عليه.
وتجد
في هذا المقال بيانٌ لمذهب العقاد في التعامل مع النصوص، وتجد في هذا
المقال تكملة لما مضى في المقال السابق.. تجد فيه بيان لإنكار العقاد أثر
العقيدة في حياة الناس.
والآن مع الأمثلة، أبين في كل مثال أمرين:
كيف يتعامل مع النصوص، وكيف أنه لا يرى أثراً للعقيدة في حياة الناس.أ دعم
ما سبق من الجزء الأول، وهو (عبقريات العقاد: إنكار للوحي).
بينت في
الجزء الأول (عبقريات العقاد إنكار للوحي) أن عباس العقاد نسب الصفات
الكريمة التي كانت في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شخصه أو أصله!!،
والآن أبين عدداً من الشخصيات الإسلامية التي تناولها بعد النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
ما علمنا عن
أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ من صفات حميدة هي عند العقاد من عند أبي
بكرٍ الصديق.. من نفسه يقول: "أدب الطبع الذي يهتدي من نفسه"، "يدري بوحي
نفسه" ( 2)!!
فأبو بكر ـ عند العقاد ـ أُعْجِب ببطولة النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ولذا آمن به (3)، وأبو بكر ـ عند العقاد ـ سيَّر جيش
أسامة بعد وفاة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقاتل المرتدين، وكان على
هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل شيء، لأنه مُعجب ببطولة النبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ، أو ـ كما يقول العقاد ـ لأنها أوامر بطله العزيز
عليه (4)!!
لا يرى عباس أثراً للعقيدة في حياة الصِّديق ـ رضي الله
عنه ـ ، ويتكلم من عند نفسه، يضرب بالأدلة عرض الحائط، ويقدم وجهة نظره
التي لا دليل عليها، ولا يناقش العقاد أدلة المخالفين ولا يهتم.
أبو
بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ عاش قريباً من أربعين عاماً قبل البعثة نسياً
منسياً، ولولا الله ما اهتدى ولا صام ولا صلى، ولمات كما ماتت ألوف من
قومه لا يسمع بهم أحد . والله يقول: {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ
مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
[سورة النور: 46].
والله يقول: {..وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ
اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة النور:
21].
والله يقول: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا
مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
﴿٢﴾ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ ﴿٣﴾ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ
ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سورة الجمعة: 2-4].
فكله من فضل الله
علينا ابتداءً وسيراً وختاماً، وفي الحديث "وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا
اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا" (5).
السيدة
عائشة رضي الله عنها:
قدَّم للحديث عن السيدة عائشة بنت الصديق ـ
رضي الله عنهما ـ بحديثٍ طويلٍ يتكلم فيه عن حال المرأة في الجزيرة العربية
قبل الإسلام وخاصة النساء اللاتي في بيوت سادة العرب، يقول كانت تستشار،
واستشهد بحالتين تستشار كل منهما فقط في أمر زواجها، ينقل عن كتب الأدب،
وعِلْمي أن ليس في كتب الأدب غير هاتين الحالتين (6). ثم ينثني بعد ذلك على
بيت أبي بكر الصديق في الجاهلية فيقول: بيتُ سيادةٍ متحضر، رجاله رقاق
القلوب يهيمون بنسائهم، ونساءهم حسناوات منعمات أو كما يقول هو واصفاً بيتَ
أبي بكر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ (ظرف الرجال وتدليل النساء) ويستدل بعبد
الرحمن بن أبي بكر، وعبد الرحمن بن أبي بكر كان حازماً لا مُرِبٍّ بعرسه ـ
كما يصوره العقاد ـ طلَّق زوجته وحملها إلى أهلها حين رأى من نفسه شدةَ
ميلٍ لها، والعقاد يعرف ذلك (7)!!
ثم يبني على ذلك فيقول بأن هذه
النشأة ـ في بيوت السيادة والشرف ـ جعلت لها شخصية قابلة للمشورة وللمشاركة
في الأمور العامة، ويصورها بأنها كانت (سيدة المجتمع الأولى)، فقد كانت
للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "سفيرته الأولى لعالم النساء في عصره وفيما
يليه من العصور، فكانت تحضره إذا بايع النساء أو صلى بهن أو جلسن إليه
يسألنه في أمور الدين" (:lol!:.
وهذا الكلام غير صحيح، ما بنى عليه العقّاد غير صحيح
، وبالتالي ما استنبطه العقَّاد غير صحيح، خطئ في الدلالة وخطئ في
الاستدلال.
أبو بكر الصديق من بني تَيْمِ بن مُرَّةٍ، وبنو تيم بن
مرة هم أضعف قريش نسباً وأقلهم حسباً فكانوا بين قريش في الجاهلية لا
يفاخرون بغير بن جدعان، وهو صعلوكٌ مطرود عثر على كنز فراح ينفق أمواله
فيما كانت العرب تفاخر به وهو إطعام الطعام ليخلد في الناس ذكره. واجتمع
حوله عدد من الجياع ممن ينظمون الشعر يمدحوه إن أطعمهم ويذموه إن أطعموا ما
هو أشهى (البر بالشهاد) عند غيره، فشاع بين الناس ذكره. وكله من فخر
الجاهلية، ومشهورٌ قولَ أبي سفيان يوم بويع أبا بكرٍ -رضي الله عنه-
بالخلافة: "ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة وأذلها ذلة" (9 )، ومشهورٌ
أيضا قول أبي قحافة (أبو الصديق) يوم بويع أبا بكر بالخلافة: "هل رضيت بذلك
بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟"، قالوا: "نعم"، فقال: "لا واضع لما رفعت، ولا
رافع لما وضعت" (10)، فهو يشي إلى موضوعٍ رُفع، ومرفوعٍ وضع، والرجل حديث
عهد بإيمان.
وحال بني تيم بن مرة في الجاهلية معروفٌ في كتب الأنساب
وكتب السيرة وكتب الحديث، فكيف حاد عنها العقاد وقد مر عليها أكثر من
مرة؟!
ولم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشير السيدة عائشة في
شأنه كله، بل ولا استشار السيدة أم سلمة يوم الحديبية كما هو مشهورٌ بين
الناس، وإنما دخل خيمته وهي ـ رضي الله عنها ـ فيها وتحدث إليها حديث
المدهش المأخوذ بما رأى من الناس وقد أمرهم فتباطئوا، فسمعت قوله وعرضت
عليه رأياً فأخذ به. فلم يكن الحال هو المشورة وإنما حديث العفو، ولم يكن
الحال أن تعقد مجالس الشورى بالنساء، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، بل
كانوا يأنفون من ذلك، وشاعرهم يقول مفاخراً بنفسه:
وَلا جَبأَ أَكهى
مُرِبٍّ بِعِرسِهِ يُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ (11)
ولم
يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفرد النساء بصلوات دون الرجال، ولا
بمجلسٍ دون الرجال، يجلسن بين يديه أو يجلس إليهن مصطحباً السيدة عائشة أو
أخرى من نسائه لم يكن يحدث هذا. فقط يأتين لبيته يسألن نسائه أو يسألنه في
حضرة نسائه كالتي جاءت تجادل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فراق زوجها
بعد أن جعل ظهر أمه كظهرها (12).
وما كان له ـ صلى الله عليه وسلم ـ
سفيرة أولى ولا ثانية لعالم النساء، بالمعنى المعروف المتبادر للذهن من
السفارة (13).
الموضوع : ركوب للكذب واستخفاف بالعقول المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya