ونسي من يريد التوبة : أن الله تعالى غفور
رحيم يحب عباده التائبين ويقبلهم مهما عملوا من ذنوب ومعاصي ومهما بلغ
عظمها وكبرها فلن تعظم على رحمة أرحم الراحمين
ونسي أن الله تعالى أرحم
بنا من أمهاتنا ومن أنفسنا التي بين جنبينا ... ونسي نداء الله له ولها
بقوله :
( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ،
إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم )
تأمل وتأملي يغفر
الذنوب جميــــــــــــــــعاً ) فهل يخرج ذنباكما عن هذه الآية .
وتأملا
معي قول الله في الحديث القدسي في هذا النداء الرباني الذي يبكي القلوب
قبل العيون لرحمة الله بنا وعطفه علينا : ((يا ابن آدم إنك ما دعوتني
ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان
السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا
ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))
{
فهل بعد هذا يأس ؟!!}
( 3-) يصور له أن التوبة صعبة وأن تحقيق شروطها أمر
مستحيل ، وأنك لن تستطيع العزم على عدم العودة إلى الذنب ، فكم مرة يتوب
ويعود ثم يتوب ويعود ، ويحدثه الشيطان بأن الله مطلع على قلبك ويعلم أنك
لست صادقاً في عزمك ؛ وستعود إلى الذنب .
وكيف سترد حقوق الناس وأنت لا
تملك شيئاً وقد سرقت مال هذا ؟ وهتكت عرض هذا ؟ وظلمت هذا ؟
إلى أن يظن
أن بقاءه على حاله هو الخيار الوحيد ولا مجال للتوبة والعودة لهذه الشروط
الصعبة ، فيستمر في غيه ولا يفكر في التوبة .
وقد غفل من يريد التوبة أن
من صدق الله صدقه الله ، ومن أقبل على الله بصدق وفقه لكل خير ويسر له أمر
التوبة وشروطها ، وتبين له أن الأمر لا يحتاج إلا إلى سؤال أهل العلم
الذين يبينون له حقيقة التوبة ومعناها الصحيح ...
وأن من تاب
من ذنب صادقاً من قلبه عازماً على عدم العودة إليه وعمل بالأسباب التي
تثبته على الدين والبعد عن المحرمات ؛ فإن الله يحفظه من الوقوع فيه مرة
أخرى ... ولو أنه وقع مرة أخرى فليس معنى ذلك أن توبته السابقة ليست مقبولة
، وأن وقوعه في الذنب ثانية ؛ يعني أنه ليس له توبة أخرى منه . بل يتوب
إلى ربه ويقلع ويعزم ، ثم لو وقع في الذنب مرة أخرى تاب إلى ربه وعاد ، ثم
لو وقع مرة ثالثة ورابعة وعاشرة وأكثر عاد إلى مولاه واستغفر وأقلع عن ذنبه
وعزم وهكذا حتى يقبض الله روحه وهو على هذه الحالة الطيبة من المجاهدة
لعدوه الذي يريد أن يظفر به ؛ وييئسه من التوبة والعودة إلى الله تعالى ...
ولتبشر يا من كانت هذه حاله بهذا الحديث العجيب :
(( إن عبدا أذنب ذنبا فقال رب أذنبت فاغفره فقال ربه أعلم
عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم
أذنب ذنبا فقال رب أذنبت ذنبا فاغفره فقال ربه أعلم عبدي أن له ربا يغفر
الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا قال رب أذنبت
ذنبا آخر فاغفر لي فقال أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت
لعبدي فليفعل ما شاء )). ( متفق عليه )
{ وأما حقوق الناس فالأصل وجوب ردها إليهم ؛ إذا كان
بمقدور الإنسان واستطاعته ، وإذا كان لا يترتب على ذلك مفسدة أعظم منها .
فمن
أخذ مالاً رده إلى صاحبه مباشرة أو عن طريق وسيط بينهما ولو من غير علمه ،
ومن هتك عرضاً فليس للعرض ما يعيده سوى الاستغفار والتوبة وليس حقاً يعاد .
ومتى
كان في إعادة الحقوق وطلب العفو من أصحابها زيادة مفسدة فلا تجب على
التائب حينئذ ، وعليه الإكثار من الاستغفار وكثرة الدعاء لهم بما يستطيع .}4
( 4-) ويوسوس له الشيطان بأن توبتك ستجلب لك بعض
المشكلات وستترك أصحابك وجلساءك ، ولن تمشين مع صديقاتك وزميلاتك ؛ لأنهم
جلساء سوء ... وفي المقابل ستبقى وحيداً فريداً لأن أهل الخير لا يقبلون من
يدخل معهم ، وهم أناس معقدون لا يحبون المزاح والضحك ، وكل مجالسهم ذكر
وقرآن وعبادة ولا يوجد فيها شيء من التسلية والمرح . فلماذا تبحث عن هذا
التعب ؟!!!!
وهذا كله من خداع الشيطان وحيله وأكاذيبه ؛ فإن أهل
الخير والصلاح فيهم من طيب المعشر ولطف المعاملة ما علمهم دينهم ، وكما
كان قدوتهم عليه الصلاة والسلام يمزح ويضحك كما مازح تلك العجوز وذلك
الصحابي في السوق ؛ بل كان يداعب الأطفال الصغار أيضاً ... ويكفي قوله عليه
الصلاة والسلام :
( ( وتبسمك في وجه أخيك
صدقة) ) ...
وأما الجلساء فإن التائب يعلم أن الجليس
مؤثر عليه في دينه ولن يقبل مساومة على دينه بعد أن عرف الطريق إلى ربه ...
وسيعوضه الله بجلساء – إن كان جلساؤه سيئين أو لايفيدونه في دينه – صالحين
، الجلوس معهم عن الدنيا وما فيها ، معهم تجد الراحة والأنس ، وفي وجوههم
ترى الابتسامة الصادقة ، والقلب الصافي الذي لا يكن لك إلا كل محبة وخير
... كما قال عنهم عمر رضي الله عنه :
( (
عليك بإخوان الصدق ؛ فهم عدة في البلاء ، زينة في الرخاء ، إن ذكرت أعانوك ،
وإن نسيت ذكروك ...) )
وهكذا فإن الشيطان لا يزال يوسوس
للتائب بهدف إفساده وإغوائه عن طريق الحق والنور ، فإذا صبر التائب
والتائبة على دينهما ، وازدادا تمسكاً به وعملا بما يثبتهما على دينه- كمل
في هذا الرابط - :
وسائل الثبات على دين الله
كلما ازداد
الشيطان عنهما بعداً ومنهما يأساً ... بل يصبح التائب – بعد ذلك – داعية
إلى الله ناصراً لدينه مدافعاً عنه ، بعد أن كان ناصراً للشيطان ، مسرفاً
على نفسه ..
أصبح يحمل هماً آخر – بعد أن كان يحمل هم شهوته وبطنه – إنه
هم الدين ، أشد ما يفرحه مناظر إقبال الناس على الخير والمساجد ، وانتشار
مظاهرالاستقامة وقوافل العائدين والعائدات ، وعودة الحجاب الشرعي في أوساط
الفتيات والنساء ، وهجران أماكن اللهو والمجون ( (
محلات الأغاني ودور البغاء والسينما وأماكن الاختلاط ))
{
وأشد ما يؤلمه مناظر المعصية وانغماس الناس فيها ،
يؤلمه بل يبكيه أحياناً غيرة على دينه وحرقة على بعد الناس عنه وحسرة أنه
لم يستطع إيصال هذه السعادة التي هو فيها إليهم .
ينام ويقوم وهمه دينه ،
يصبح ويمسي في التفكير لعزة دينه وعودة التائبين – بعد أن أصلح نفسه
واستمر فيه وتعلم ورسخت قدمه - .}
ولا يزال التائب والتائبة من
خير وإلى خير حتى تأتيهما منيتهما وهما على خير حال
وما أجملها من ميتة
حسنة !!
{ للهم أحسن ختامنا
وتب علينا وامنن علينا بالثبات حتى نلقاك وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان
واجعلنا من أنصار دينك وحماة شرعك
وارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل
يقربنا إلى حبك ، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين
وصلى الله
وسلم على نبينا محمد}
الموضوع : التائب.. والشيطان المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya