الحمد لله، والصلاة والسلام
على رسول الله، أما بعد؛
فالناظر في طرقات
المسلمين اليوم لا يخفى عليه ما عمت به البلوى من انتشار الفساد، وفشو
التبرج وتكشف العورات؛ وهو ما ينذر بحلول العقاب، ونزول البلاء بالإضافة
إلى انتشار الجرائم الأخلاقية، والانحرافات السلوكية في المجتمع،
وانطلاقـًا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا
رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ
اللَّهُ بِعِقَابِهِ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)،
فإنا نوجه صيحة تحذير لعموم الأمة من تبعات هذا الأمر؛ خصوصًا مع اقتراب
موسم الصيف والذي أصبح عَلمًا على التعري والفجور -والعياذ بالله-.
تدابير الإسلام الوقائية لستر
العورة وعدم الفتنة بها:
1- ففي باب
الندب إلى ستر العورة عمومًا، قال الله -عز وجل-: (يَا
بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)
(الأعراف:31)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظْ
عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ)
(رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني)، وقال أيضًا: (لاَ
يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى
عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) (رواه مسلم).
2-
تحريم دخول البيوت إلا بإذن أصحابها وما ذاك إلا خشية وقوع النظر على عورة
مكشوفة ولو بلا قصد، فقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا
وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ) (النور:27).
3- أمر النساء بالحجاب
والتستر في آيات وأحاديث لا تحصى كثرة، منها: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا
يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب:59)، والجلباب هو ما تضعه المرأة على رأسها فيستر
جميع بدنها.
ثم خفف الأمر عن بعض النساء، فقال:
(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ
عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ
بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ) (النور:60)، والقواعد هن: العجائز اللائي يئسن من أن يـُنكحن فلا
بأس أن يضعن ثيابهن؛ أي: عن وجوههن وأيديهن إذا كن غير متبرجات، مع التنصيص
على أن الستر الكامل أولى لهن، وقد نص القرآن على ذلك صراحة فقال: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ
وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)
(الأحزاب:53).
4- وفي باب تحذير النساء من الوقوع
في كبيرة التبرج ووعدهن بالعذاب الأليم إذا فعلن ذلك، قال -صلى الله عليه
وسلم-: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا
قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ
وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ
كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ
يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا
وَكَذَا) (رواه مسلم)، وقال -عز وجل-: (وَلا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) (الأحزاب:33).
5-
ومن ذلك تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط بها، قال -صلى الله عليه
وسلم-: (لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ
وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) (متفق عليه)، وقال أيضًا: (أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، إِلاَّ كَانَ
ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقد
كان النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يختلطن بالرجال لا في
المساجد ولا في غيرها، بل كن يصلين في صفوف متأخرة عن الرجال امتثالاً؛
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ صُفُوفِ
الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ
آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا) (رواه مسلم).
6-
ومن ذلك الأمر بغض البصر؛ لأنه يحرك الشهوة ويؤدي للوقوع في الفاحشة، فقال
الله -عز وجل-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور:30-31)، ثم حذر من
مسارقة النظر عند غفلة الناس فقال: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ
الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19).
7-
وفي جملة من الآداب وجهها الشرع للنساء، فمنها: نهيه لهن عن ترقيق أصواتهن
أو تجميلها، فقال -عز وجل-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ
لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ
بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا
مَعْرُوفًا) (الأحزاب:32).
ومنها: النهي عن
ترك المنزل ومزاحمة الرجال في أماكنهم؛ لأن ترك المرأة لواجبات البيت
وخروجها لميدان العمل يفضي إلى كل الشرور: من تفكك الأسرة وضياع البيت، ثم
حرمانها من ممارسة دورها في الأمومة والتربية، فقال -عز وجل-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (الأحزاب:33).
ومنها:
تحريم تعطر المرأة خارج بيتها؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ
لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِي زَانِيَةٌ) (رواه أحمد والنسائي،
وحسنه الألباني).
الموضوع : ستر العورة في الحياة وبعد الممات المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya