(- ثنا آدم: ثنا شعبة ثنا عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن زيد، عن عبد
الله بن عباس، قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سبعاً جميعاً،
وثمانياً جميعاً.
(قد سبق هذا الحديث في ((باب: تأخير الظهر إلى العصر)) والكلام عليه
مستوفى.
ومقصود البخاري بتخريجه في هذا الباب: أن يستدل به على جواز تأخير المغرب
إلى آخر وقتها قبل غروب الشفق، وأن وقتها ممتد إلى غروب الشفق، فإن النبي -
صلى الله عليه وسلم - صلاها مع العشاء جميعاً في الحضر من علة، وقد حمله
طائفة من العلماء على أنه أخر المغرب إلى آخر وقتها، وقدم العشاء في أول
وقتها، كذلك حمله عليه أبو الشعثاء وعمرو بن دينار، وأحمد في رواية عنه،
وتبويب البخاري هنا يدل عليه.
وعلى هذا التقدير، فهو دليل ظاهر على امتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق.
ويدل على ذلك صريحاً: ما في ((صحيح مسلم)) عن عبد الله بن شقيق، قال: خطبنا
ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون:
الصلاة الصلاة. قال: فجاءه رجل من بني تميم، لا يفتر ولا ينثني: الصلاة
الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني السنة لا أم لك؟! ثم قال: رأيت رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته،
فصدق مقالته.
وممن ذهب إلى أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق: الحسن بن حي والثوري وأبو
حنيفة ومالك في ((الموطأ))، والشافعي في قول له رجحه طائفة من أصحابه،
وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وروي عن ابن عباس وغيره.
وخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه
وسلم -، قال: ((إذا صليتم المغرب، فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق)).
وفي رواية له - أيضا-: ((وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق)).
وفي رواية له - أيضا-: ((وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق)).
وقد اختلف في رفعه ووقفه.
وخرج مسلم - أيضا - من حديث بريدة، أن سائلاً سأل النبي - صلى الله عليه
وسلم - عن مواقيت الصلاة - فذكر الحديث بطوله، وفيه: أنه صلى في اليوم
الأول المغرب حين وجبت الشمس، وفي اليوم الثاني صلى قبل أن يقع الشفق،
وقال: ((ما بين ما رأيت وقت)).
وخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن للصلاة أولاً
وآخراً)) - فذكر الحديث، وفيه: ((وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن
آخر وقتها حين يغيب الأفق)).
وله علة، وهي أن جماعة رووه عن الأعمش، عن مجاهد، قال: كان يقال ذلك.
وهذا هو الصحيح عند ابن معين والبخاري والترمذي وأبي حاتم والبزار والعقيلي
والدارقطني وغيرهم.
وذهب طائفة إلى أن للمغرب وقتاً واحداً حين تغرب الشمس، ويتوضأ ويصلي ثلاث
ركعات، وهو قول ابن المبارك، ومالك في المشهور عنه، والأوزاعي، والشافعي في
ظاهر مذهبه.
واستدلوا: بأن جبريل صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب في اليومين
في وقت واحد، وصلى به سائر الصلوات في وقتين.
وزعم الأثرم أن هذه الأحاديث أثبت، وبها يعمل.
ومن قال: يمتد وقتها، قال: قد صح حديث بريدة، وكان ذلك من فعل النبي - صلى
الله عليه وسلم - بالمدينة، فهو متأخر عن أحاديث صلاة جبريل.
وفي حديث عبد الله بن عمرو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ذلك
بقوله، وهو أبلغ من بيانه بفعله.
ويعضده: عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي قتادة: ((إنما
التفريط في اليقظة، أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى))، خرج من عموم ذلك
الصبح بالنصوص والإجماع، بقي ما عداها داخلاً في العموم.
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من حضره العشاء بتقديمه على الصلاة،
ولولا اتساع وقت المغرب لكان تقديم العشاء تفويتاً للمغرب عن وقتها للأكل،
وهو غير جائز.
ولأن الجمع بين المغرب والعشاء جائز في وقت المغرب للعذر بالاتفاق من
القائلين: بأن وقتها واحد، ولا يمكن الجمع بينهما في وقت المغرب إلا مع
امتداد وقتها واتساعه لوقوع الصلاتين.
ولعل البخاري إنما صدر الباب بقول عطاء: ((يجمع المريض بين المغرب
والعشاء)) لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. والله أعلم.
)
الموضوع : في فتح الباري لابن رجب المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya