الحمد
لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار، وصرف قلوبهم في طاعته ومرضاته آناء الليل
وأطراف النهار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقلب القلوب
والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى
الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأخيار من مهاجرين
وأنصار، وعلى جميع من سار على نهجهم واقتفى آثارهم ما أظلم الليل وأضاء
النهار.
أمَّا بعدُ:
إن ميزان الإنسان أصدقاؤه، فقل لي من صاحبك
أقل لك من أنت، فالناس تعرِف المرء صالحاً أو طالحاً من خلال من يصاحب ،بل
إن من المؤثرات الأساسية في تكوين الشخصية ورسم معالم الطريق؛ الصحبة، فإن
كانت صُحبة أخيار أفاضت على الأصحاب كل الخير، وإن كانت صُحبة أشرار فمن
المؤكد أنها ستترك بصماتها، فصحبة أهل الشر داء وصحبة أهل الخير دواء.
إن
الإنسان بطبعه وحكم بشريته يتأثر بصفيه وجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه
وخليله، والمرءُ إنما توزن أخلاقه وتُعرف شمائله بإخوانه وأصفيائه، ولقد
جسّد ذلك محمّد صلى الله عليه وسلم بقوله: «الرجل على دين خليله، فلينظر
أحدكم من يخالل» [أخرجه أبو داود بإسناد صحيح].
ولقد وجّه رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى أن الجليس المصاحب أثره ظاهر على المرء ونتائجه سريعة
الظهور،. ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري ا قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك
ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك ،وإما أن تبتاع منه ،وإما أن تجد
منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً
خبيثة».
إن صديق السوء لو لم تجني منه إلا السمعة السيئة لكفاك سوءاً،
وصديق الصلاح لو لم يصلك منه إلا السمعة الحسنة لكفاك.
الصاحب
ساحب : لو أن مؤمناً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة منافق ومؤمنٌ واحد
لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقاً دخل إلى مجلسٍ فيه مائة مؤمن ومنافقٌ
واحد لا زال يمشي حتى يجلس إليه، وإن أجناس الناس كأجناس الطير،والطيور على
أشكالها تقع.
أخي الحبيب :
صاحب العقلاء تُنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتُنسب إليهم
وإن لم تكن منهم،ولك أن تسأل أهل السجون كيف وصلوا إلى قضبان الحديد، وكيف
وضعت في أيديهم وأرجلهم القيود، إنهم بلا شك بواسطة أصدقاء السوء.
اسأل
أهل الخمر والمخدرات كيف وقعوا في ذلك؟
كم ضل من ضل بسبب قرينٍٍ فاسد
أو مجموعة من القرناء الأشرار، وكم أنقذ الله بقرناء الخير من كان على شفا
جُرفٍ هار فأنقذه الله بهم من النار، وكاذب ثم كاذب من ادَّعى قدرته على
معايشة البيئة الفاسدة دون التأثر بغبارها ،لأن قلبه قلب بشر لا قلب مَلَك
،وسيتأثر حتماً بالبيئة المحيطة سلباً أو إيجاباً ،وإلا لماذا أمر الله
رسوله المؤيد بالوحي والذي رأى الجنة والنار رأي العين بصيانة سمعه وبصره
ومفارقة مجالس السوء قائلاً له: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ
فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68]
لنتأمل في حال رجل عاقل كبير في
السن ،كان سيداً من سادات العرب ورأسٌ في قومه ومجتمعه ،مسموع الكلمة مُطاع
الرأي: إنه أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم يقع في براثن رفيق السوء
ويهلك نتيجة الصحبة السيئة!
لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي
صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: «أي عم! قل
لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله - عز وجل » فقال رفقاء السوء
أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: (يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب) فلم
يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء: على ملة عبد المطلب ) [أخرجه البخاري في
الجنائز (1272)]. نعوذ بالله من الخذلان ومن جلساء السوء.
وإن من
الخيبة أن ترى المرء لا تنبسط أساريره إلا مع قرناء السوء، إن هَمَّ بخير
ٍٍِثبطوه، وإن أبطأ عن سوء عجّلوه، وإن استحيا من منكر شجعوه وهونوه، فهم
دعاة له على طريق جهنم، إن استمر معهم أردوه في أسوأ عاقبة وأتعس مصير،
وكانت عاقبته الندامة والعض الشديد على اليدين ندمًا على صحبتهم، في مثل
هذا قال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يا
لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتَا لَيْتَنِى
لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ
إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً)
[الفرقان:27-29].
أخي المسلم :أكثر من صحبة الصالحين، الأموات منهم
والأحياء، اصحب الأموات من الصالحين بمطالعة سيرهم، والوقوف على أخبارهم
واصحب الصالحين من الأحياء ممن تتوسم فيهم الصلاح،ولهذا قال صلى الله عليه
وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي» [أخرجه أبو داود
والترمذي بسند لا بأس به].
وفي سنن ابن ماجة بسند حسن من حديث أنسا أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير، مغاليق
للشر )، فاحرص على هذه المفاتيح التي تفتح قلبك وأذنك وسمعك وبصرك على
الخير.
إن الصداقة الزائفة، والمحبة المبنية على تحصيل المصالح الدنيوية
وجلب المنافع العاجلة، الحب فيها مصطنع مزيف، إذا هبت عليها رياح المصلحة
فرّقتها ومزّقتها؛ لأنها لم تُبن على أساسٍ راسخ ولا أصلٍ ثابت.
إن كل
صداقة في غير الله تعالى تنقلب يوم القيامة عداوة، قال تعالى:
(الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ
الْمُتَّقِينَ )[الزخرف:67]، فالأصدقاء في هذه الحياة يعادي بعضهم بعضًا
يوم القيامة إلا أصدقاء الإيمان، الذين بنوا صداقاتهم على الحب في الله
والبغض في الله.
فيا من تُعاشِر صاحب سوء وأهل السوء! { فَلا تَقْعُدْ
بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [الأنعام:68] لا تقعد
بعد الذكرى مع أهل السوء؛ فإن الله نهاك عن ذلك.
الموضوع : من تُصاحب؟ المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya