يا سبحان الله . . هذه تجربة الخبير ...
خالطوهم وصافحوهم
ومع هذا زايلوهم ( المزايلة هي البراءة
القلبية . ) حتى لا تجرحوا دينكم !!
وإن قال لي : ماذا ترى ؟ يستشيرني *** يجدني
ابن عمي مخلط الأمر مزيلا
وهنا لابد من التنبيه على أنه ليس من حق اي أحد أن يحكم
بفساد الزمان وأهله ، فقد حذّر صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله ( من قال
هلك الناس فهو أهلكهم ) !
إن فساد الزمان وأهله منوط بأوصاف وصفها صلى الله عليه وسلم
في أحاديث يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
علامات فساد الزمان :
- الشح المطاع .
- الهوى المتبع .
- الدنيا المؤثرة .
- الاختلاف والتنازع .
- ضياع الأمانة .
- الإعجاب بالرأي .
- الهرج والمرج .
- تصدّر الأصاغر للحكم في النوازل ومستجدات الأحداث
هذه أوصاف مهمّة لابد ان يستحضرها الداعي إلى
الله قبل أن يبني تصرفا أو موقفا له بحجة فساد الزمان !
على أن تحقق هذه الأوصاف يختلف في زمن دون
زمن وفي قطر دون قطر !
وحين يفسد الزمان ، ويكثر الخبث ، فإن الدعاة - البقية
الباقية منهم في ذلك الزمن - من واجبهم أن يسعوا إلى الإصلاح
وهم مع ذلك يهجرون زمنهم وما فيه هجراً
جميلاً سعياً في الإصلاح والتغيير لا رضاً بالواقع وأهله !
ولنحاول أن نتلمس بعض صور الهجر الجميل عند
فساد الزمان وأهله :
-هجر الكلام حين الفتن عن أبى سعيد قال : قيل يا
رسول الله ( أي الناس أفضل ؟
قال : مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ، قالوا ثم من ؟
قال : مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع
الناس من شره ) ، واليوم حين تشتد الفتن نجد من المتعالمين من ينصّب نفسه
لحل معضلات لوعرضت على عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر !
بل ونجد من يجرّح ويلمز في اهل العلم لموقف -
اقل ما فيه - أنه يقبل الاجتهاد ويتسع فيه الرأي ، فنجده يطالبهم بأمر ما
يدري
لو كان
هو مكانهم هل يقف موقفهم - الضعيف في نظره - أو تُرى يكون له شأن آخر ؟!
إن الهجر الجميل في زمن المحن والفتن أن يهجر
المسلم الخوض فيما يفسد ولا يصلح ، ويفرّق ولا يجمع ، وأن يسعى جهده أن
يصلح من أمره وأمر من حوله ما استطاع إلى ذلك سبيلا .. بالبيان والحجة
والبرهان والحكمة والموعظة الحسنة !
-من الهجر الجميل زمن
الفتن والمحن والابتلاء أن يعرض الداعية إلى الله عن أقوال المتخرصين
البطّالين إعراضاً لا يتركهم في غيّهم وفسادهم بل هو إعراض يورّث القلب
ثباتاً من أن يلتفت إلى ما يشغله عن هدفه وغايته .
وانظر لموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم أحد حين حلّت بالمسلمين الهزيمة ، واختلط عليهم الأمر وكثر الهرج
والمرج ، في هذه الحالة يتنحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم جانباً هو
وبعض الصحابة ... وفي هذه الأثناء يصيح أبا سفيان بأعلى صوته شامتاً :
أفيكم محمد ؟
أفيكم أبو بكر ؟
أفيكم عمر ؟!
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيب ولا
يأمر أحداً من صحابته أن يجيب !
ثم لمّا قال :أُعلُ هبل ..!
هنا كان لابد للموقف أن يتغير لأنه لم يعد
موقفاً شخصياً ، بل أصبح موقف مبدأ وعقيدة
فصار لابد من الصدع حتى ولو كان الزمن زمن
فتنة ومحنة !
فقال :
صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبوه ؟!
قالوا : وبم نجيبه يا رسول الله ؟
قال : قولوا الله أعلى وأجل !
فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر !
فقال : قولوا : لا سواء قتلانا في الجنة
وقتلاكم في النار !
إنه
حين يُتعرض للمبادئ الراسخات فهنا لا يسوغ السكوت ولا تسوغ المداراة ولا
المداهنة بل لا بد من الصدع والبيان ؛ أمّأ حين يكون التعرّض للأشخاص
والذوات فهنا يتسع الأمر في الإعراض والتغاضي والترك تحقيقاً لمصلحة أعظم
من مصلحة الذات والشخصية !
إننا في هذا الزمن بأمسّ حاجة إلى هذا الداعية الواعي الذي
يعرف كيف يقيس الأمور بنظر الشرع لا بنظر لا يتجاوز أرنبة الأنف !
والمصالح الشخصية .. يؤثر راحته وأُنسه في
الحياة بلذائذها إلى التعب والموت في سبيل كلمة الحق .
وفي زمن الفتن لا يسوغ به أن يهجر الناس
ويتركهم يموجون . . بل يهجر فعالهم من أن تمسّه أو تصيبه بدخنها ، ويعمل
على إشاعة الحق جنباً إلى الهجر الجميل !
- الحرص على الجماعة
.
جاء عند أحمد
والطبراني بسند فيه انقطاع عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : ( ان الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة
القاصية والناحية ، فإياكم والشعاب وعليكم بالجماعة والعامة في المسجد )
لك أن تتعجب أخي القارئ وتتساءل وكيف يكون
لزوم الجماعة من صور الهجر الجميل زمن الفتنة ؟!
من سنة الله في خلقه أن خلقهم مختلفين لوناً
وجنساً ومشرباً ومواهباً وتفكيراً ...
قال الله تعالى { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا
مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } (هود: من الآية 118- 119 )
وإن الواجب على الدعاة في زمن الفتنة أن
تجتمع كلمتهم ولو اختلفت آرائهم فيما يسوغ فيه تعدد الرأي ، وأن يصبروا على
هذا الاجتماع .. لأن انتصار الإنسان لفكرته التي يعتقد صحتها وأنها هي
الحق مما جُبل عليه الناس . وحين يكون زمن الفتنة فإنه لابد أن يُؤخّر هذا
الانتصار لمصلحة الاجتماع وتوحيد الكلمة .
وهنا يكون الهجر الجميل مع من هم على المنهج
الواحد . . هجراً بلا منِّ ولا أذى !
فإنه يهجر ما يعتقد بطلانه من آراء الآخرين
هجراً شعورياً في سبيل توحيد الصف ويصبر على هذا الهجر . .
ومن هنا نعرف حكمة ا من حكم التعقيب بالصبر
في قول الله تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ) (لأنفال:46)
اصبروا على ما تجدوه من ألم لزوم الجماعه والتخلي عن بعض
حظوظ النفس لمصلحة جمع الكلمة وتوحيد الصف ولزوم الجماعه .
وحتى لا نكون لقمة سائغة لذئب البشرية (
ابليس ) فيتخطفنا كما تتخطف السائمة القاصية
الوقفة الثانية : الهجر
الجميل وانتصار الأبد !
قد يشعر الداعية إلى الله جل وتعالى أن موقف الهجر موقفا
انهزامياً .
هذا
الشعور قد يجعله في احيان يتهور تهوراً يجني فيه على الدعوة وأهلها ..!
ولكن حين نتأمل تعقيب الآيات بعد الأمر
بالهجر الجميل نجد أن ما يعقبها من الآيات فيها :
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي
النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) (المزمل:11)
وهذا سر الانتصار .. بل هو الانتصار الحقيقي .
الانتصار الحقيقي أن ينتصر لك الله جل في
علاه .. ومن الذي ينتصر له الله فلا ينتصر ؟!
ومن هذا الحقير الذي يريد أن يحجب نصر الله
أو لا يؤمن به ؟!
إنك
أيها الداعي إلى الله حين تحتّم عليك المصلحة أن تهجر من حولك هجرا جميلاً
فإن هذا لا يعني ضعفك أو انهزامك .. - وإن كانت النفس جُبلت على حب
الانتصار وخصوصا وهي تعتقد صحة ما هي عليه - بل موقفك هذا الذي فرضته مصلحة
الدعوة إنما يصنع انتصار الدعوة وانتصارك تبعاً لها .
فلا تيأس أو تتهور وتظن أن النصر من عندك . .
إننا
أحياناً نخطئ حين نظن أن انتصار المبادئ - دائماً - يكون بعلو صوت من
يحملونها .!
- ونحن نكون كذلك حين نكون (
ظاهرة صوتية ) كما سمّاها بعض الدعاة ..! -
إنما انتصار المبادئ يكون بمدى تحقيقها
ونشرها في الواقع عملا وسلوكاً ، مراعياً في ذلك المصلحة الشرعية في سبيل
تحقيقها وتمكينها .
الموضوع : الصفح الجميل المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya