محبة أولياء الله وفي مقدمتهم محمد بن عبد
الله -صلى الله عليه وسلم-: في الصحيح المسند من أسباب النزول، من رواية
الطبراني في الصغير عن عائشة قالت: «جاء رجل إلى
النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك
لأحب إلي من أهلي ومالي وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما
أصبر حتى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة
رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك فلم يرد عليه النبي
-صلى الله عليه وسلم- شيئًا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: {وَمَن
يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ
اللَّهِ}».
وهذا يقوي الأواصر والروابط بين أفراد المسلمين
وخلاياهم في المجتمع الإسلامي الكبير، ويقضي على دخائل النفس الخبيثة التي
تنحرف بالمحبة في الله إلى أغراض أخرى، وذلك إذا والى كل مسلم أخاه، بحسب
حاله من الإيمان والعمل الصالح.
8- تحمل الأذى في سبيل تحقيق ولاية
الله: وقد جرت سنة الله بامتحان المؤمنين {مَّا
كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ
حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [ال عمران:179].
ولابد
أن يلاقي المؤمن في سبيل تحقيق ولاية الله أنواعًا من الأذى المادي
والمعنوي -خصوصًا في هذا العصر- وانظر ماذا جمعت هذه الآية {لَتُبْلَوُنَّ
فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ
وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [ال
عمران:186].
وقدوتنا -صلى الله عليه وسلم- يعبر لنا عما لقي في هذا
السبيل: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في
الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال
طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال» [عن أنس، صحيح الجامع].
قال
ابن القيم في (المدارج): "فإذا أراد المؤمن
الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه وفقهًا في سنة رسوله وفهمًا في كتابه،
أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه،
وطعنهم عليه وإزرائهم به وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من
الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم".
9- الهجرة من
بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام: وهذه الخطوة ضرورية حماية لدين المسلم
واستفادة من طاقاته في المجتمع الإسلامي وحرمان الكفار من ذلك مع ما في ذلك
من الأذى النفسي والتغرب عن الأوطان وفراق الأهل والعشيرة.
وفي
صحيح مسلم: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «بلغنا
مخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا
وأخوان لي، أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال:
بضعًا، وإما قال: ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي، قال: فركبنا
سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب
رضي الله عنه وأصحابه عنده، فقال جعفر: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، قال: فأقمنا معه، حتى قدمنا
جميعًا، قال: فوافقنا جميعًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين افتتح
خيبر، فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها
شيئًا، إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم،
قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعنى لأهل السفينة- نحن سبقناكم إلى
بالهجرة، قال: فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا، على حفصة زوج النبي
زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر رضي الله عنه
على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بن
عميس، قال عمر رضي الله عنه: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم
فقال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- منكم،
فغضبت وقالت كلمة: كذبت يا عمر، كلا والله، كنتم مع رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء
في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيم الله لا أطعم
طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
ونحن كنا نؤذى ونخاف، سأذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسأله،
ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء النبي -صلى الله
عليه وسلم- قالت: يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل
السفينة هجرتان) قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً
يسألوننى عن هذا الحديث. ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم
مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو بردة: فقالت أسماء:
فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني» [صحيح مسلم].
هذا
الحديث العظيم في الجانب الإيجابي وفي الجانب السلبي نجد في الحديث الصحيح
: «ولكن البائس سعد بن خولة. يرثي له رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة» [صحيح البخاري] نقرأ الحديث ونحن
نتوجع ونتألم عندما نرى آلاف الطاقات الإسلامية تعمل في تقوية أنظمة
الكفار وأجهزتهم ونتساءل أين تسخير الطاقات والمواهب لخدمة هذا الدين.
أليس
الولاء لله يمنع من تقوية الكفار ومناصرتهم والإقامة بين أظهرهم.
10-
رفض موالاة الكفار أو التحالف معهم: لا يجتمع حب الله وحب أعداء الله في
قلب مسلم أبدًا، وما حلاّ في قلب إلا تدافعا حتى يخرج أحدهم صاحبه: أتحب
أعداء الحبيب وتدعي حبا له ما ذاك في إمكان وتحقيق الولاية يقتضي بغض
الكفار وعدم توليهم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ
سُلْطَانًا مُّبِينًا} [النساء:144].
وتتضح خطورة هذا الأمر
في قوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51].
قال العلامة صديق حسن خان في كتابه العبرة مما جاء في الغزوة
والشهادة والهجرة، ص 243: "وأما القوم الذين في بلاد المسلمين ويدعون أنهم
من رعية النصارى ويرضون بذلك ويفرحون به وأنهم يتخذون لسفنهم بيارق وهي
التي تسمى الرايات مثل رايات النصارى إعلامًا منهم بأنهم من رعاياهم فهؤلاء
قوم أشربوا حب النصارى في قلوبهم... وقصروا نظرهم على عمارة الدنيا
وجمعها... وأن النصارى أقوم لحفظها ورعايتها. فإن كان القوم المذكورون
جهالاً يعتقدون رفعة دين الإسلام وعلوه على جميع الأديان وأن أحكامه أقوم
الأحكام وليس في قلوبهم مع ذلك تعظيم للكفر وأربابه (ما أصعب هذه الشروط!)
فهم باقون على أحكام الإسلام لكنهم فساق مرتكبون لخطب كبير يجب تعزيرهم
عليه وتأديبهم وتنكيلهم، وإن كانوا علماء بأحكام الإسلام، ومع ذلك صدر منهم
ما ذكر فيستتابوا فإن رجعوا عن ذلك وتابوا إلى الله، وإلا فهم مارقون...
فإن اعتقدوا تعظيم الكفر ارتدوا وجرى عليهم أحكام المرتد" اهـ.
الموضوع : أغير الله أتخذ وليًا ! المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya