أخي: أترى أين ذهب قلبك
وأنت تقف عند هذه المواعظ؟!!
أخي أتحسسته وأنت تقرأ ذلك؟!
وإذا
تحسسته هل كان له وجيف أو خفقان؟
فإن كان أخي فأنت بخير.. وإلا أخي
عليك بتأديبه بسياط الخائفين.. عساك أن تدرك ركبهم وإن فاتك أول الركب
الميمون.
أخي في الله: أولئك النفر من
الصحابة رضي الله عنهم بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، فكانوا
يمشون على الأرض والناس يعلمون أنه سيطأون بأرجلهم أرض الجنة.. ومع هذا فقد
رأيت أخي حالهم وشدة خوفهم من الله تعالى.. فما أعجبها من أحوال تحرك
القلوب الغافلة.. والنفوس الجافة.. فوآااه من هذه القلوب القاسية..
والأماني الكاذبة.
لا يذهبن
بك الأمل *** حتى تقصر في العمل
إني أرى لك أن تكون*** من الفناء على
وجل
أخي المسلم: أما أسقيك من هذه العين النضاحة.. لعلك
أن تفيق على لذاتها فتستدرك فارط أمرك.
وهذا أبو الدرداء رضي الله
عنه كان يقول: "إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي: يا أبا
الدرداء قد علمت فكيف عملت فيما علمت؟!
وهذا تميم الداري رضي الله
عنه قرأ ليلة سورة الجاثية فلما أتى على هذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ
اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } جعل يرددها ويبكي حتى أصبح!
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل له: ما
يبكيك؟
فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكن أبكي على بعد سفري
وقلة زادي وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي".
وهذا
عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب
إلىّ من أن أتصدق بألف دينار".
أخي في الله:
كم كان الإمام ابن القيم صادقاً عندما قال: "والله سبحانه وصف أهل السعادة
بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن ومن تأمل أحوال
الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف، ونحن جمعنا بين
التقصير بل التفريط والأمن.
وقال أبو عثمان الجيزي: "من علامة
السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن
تنجو".
أخي المسلم: تلك هي الثمار
الدانية.. والمحاسن الغالية.. ومازال أخي مركب الخائفين يسير.. ونفحهم يملأ
الدنيا بالعبير.
فهذا إمام العارفين الحسن البصري: أتى بكوز من ماء
ليفطر عليه، فلما أدناه إلى فيه بكى وقال: "ذكرت أمنية أهل النار وقولهم: {
أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ}
[الأعراف: 50] وذكرت ما أجيبوا: { إِنَّ اللَّهَ
حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } [الأعراف: 50]
وهذا
طاووس كان يفرش له الفراش فيضطجع ويتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى ثم يثيب
فيدرجه، ويستقبل القبلة حتى الصباح!
ويقول: طيّر ذكر جهنم نوم
الخائفين.
وهذا سفيان
الثوري كان ينهض من الليل مرعوباً ينادي: "النار النار شغلني ذكر النار عن
النوم والشهوات".
ولما حضرت مسعر بن كدام الوفاة دخل عليه
سفيان الثوري فوجده جزعاً فقال له: لم تجزع؟ فوالله لوددت أني مت الساعة
فقال
مسعر: أقعدوني، فأعاد عليه سفيان الكلام
فقال: إنك إذاً لواثق بعملك يا
سفيان، لكني والله لكأني على شاهق جبل لا أدري أين أهبط؟!
فبكى سفيان
فقال: أنت أخوف لله عز وجل مني.
ووقف قوم بعابد يبكي فقالوا: ما
الذي يبكيك يرحمك الله؟
قال: قرحة يجدها الخائفون في قلوبهم
قالوا:
وما هي؟
قال: روعة النداء بالعرض على الله عز وجل.
أخي في الله: فلتخف الله تعالى خوف المؤمنين
الصادقين.. واعلم أخي إن بأس الله لا يطاق.. وإن عذابه أليم شديد.. ولكن
أخي لا تيأسن من رحمة الله ورجائه.. فلتخف الله خوفاً ممزوجاً بالرجاء وإذا
رجوته أخي فامزج رجاءك بالخوف..
أخي:
أما رأيت كيف مدح الله تعالى زكريا عليه الصلاة والسلام وأهل بيته فقال: {
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}
[الأنبياء: 90]
(رغباً): إنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما
يرجون منه من رحمته وفضله..
(رهباً): يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه
بتركهم عبادته وركوبهم معصيته.
ليس يرجو الله إلا خائف *** من رجا خاف ومن خاف رجا
أخي
المسلم: ما أحلى الرجاء مع الخوف.. فإن نار الخوف لا يخفف حرها إلا
الرجاء.
الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار
الآخرة، ويطيب لها السير.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إن
أكبر آية في القرآن فرجاً آية في سورة الزمر: {قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن
رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]
أخي في الله: أتدري ما هو الرجاء؟
الرجاء أخي هو: حسن الظن بالله تعالى، وليس الرجاء
بالأماني والظن الحسن بدون عمل صالح!
وإن شئت أخي فاسمع كلام الإمام
ابن القيم يخبرك عن حقيقة الرجاء، قال: "وحسن الظن هو الرجاء فمن كان
رجاؤه هادياً له إلى الطاعة وزاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت
بطالته رجاءً ورجاؤه بطالة وتفريطاً فهو المغرور".
ثم أخي لا أزال
وإياك مع الإمام ابن القيم وهو يعرفنا بحقيقة الرجاء.. يقول: "وقد قال
تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ
اللَّهِ } [البقرة: 218] فتأمل كيف جعل رجاءهم إتيانهم بهذه
الطاعات؟
وقال المغترون: إن المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين
لأوامره الباغين على عباده المتجرئين على محارمه أولئك يرجون رحمة الله"!!
الموضوع : قامع الشهوات المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya