الحمد لله والصلاة
والسلام على محمد رسول الله
ليس في الدنيا ولا في الآخرة أطيب عيشاً من العارفين
بالله عزوجل ؛!!
فإنَّ العارف به مستأنسٌ به في خلوته . فإن عمَّت نعمته علم من أهداها ، وإن مُرَّاً
حلا مذاقه في فيه ؛ لمعرفته بالمبتلي . وإن سأل فتعوَّق مقصوده صار مراده
ما جرَّ به القدر ؛ علماً منه بالمصلحة بعد يقينه بالحكمة ، وثقته بحسن
التدبير .
وصفة العارف : أنَّ قلبه مراقبٌ لمعروفه ، قائمٌ بين
يديه ، ناظرٌ بعين اليقين إليه ؛ فقد سرى من بركة معرفته إلى الجوارح ما
هذَّبها .
فإن نطقتُ فلم أنطق بغيركمُ
•••••• وإنْ سكتُّ فأنتم عقد إضماري
إذا تسلَّط على العارف أذى أعرض نظره عن السبب ،
ولم يرى سوى المسبب ؛ هو في أطيب عيش معه . إن سكت تفكَّر في إقامة حقِّه ،
وإن نطق تكلَّم بما يرضيه ، لا يسكن قلبه إلى زوجةٍ ولا إلى ولد ، ولا
يتشبَّث بذيل أحد . وإنما يعاشر الخلق ببدنه ، وروحه عند مالك روحِه .
فهذا الذي لا همَّ عليه في الدنيا ، ولا غمَّ
عنده وقت الرحيل عنها ، ولا وحشة له في القبر ، ولا خوف عليه في المحشر .
فأما من عدم المعرفة فإنه معثَّرٌ ، لا يزال يضجُّ من البلاء ؛ لأنه لا
يعرف المبتلي . ويستوحش لفقد غرضه ؛ لأنه لا يعرف المصلحة . ويستأنس بجنسه ؛
لأنه لا معرفة بينه وبين ربِّه ويخاف من الرحيل ؛ لأنه لا زاد له ، ولا
معرفة بالطرق .
وكم من عالم وزاهد لم يُرزَقا من المعرفة إلاَّ ما
رُزِقَه العامِّي البطَّال ، وربَّما زاد عليهما . وكم من عامِّيٍ رُزق
منها ما لم يُرْزَقاه مع اجتهادهما ؟!
وإنما هي مواهب وأقسام : ( ذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء ) .
من كتاب صيد الخاطر
لأبن الجوزي رحمه الله
الموضوع : ما أطيب عيشُ العارفين !! المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya