أم
عمارة
المجاهدة التي دافعت عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد
أخذت الدعاية للإسلام تنتشر في مكة وتعمل عملها في أصحاب الأفئدة
الكبيرة ، فسرعان ما يطرحون جاهليتهم الأولى ويسارعون إلى اعتناق الدين
الجديد ، وكانت آيات القرآن تنزل على القلوب التي استودعت بذور الإيمان كما
ينزل الوابل على التربة الخصبة .. " فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء
اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ " ..
وها
نحن على موعد مع هذا المثل الحي الذي يُثبت للكون كله أنه لا مستحيل في ظل
العقيدة الراسخة والإيمان العميق ..
إننا على موعد مع تلك الصحابية
الجليلة التي وصفها الإمام أبو نعيم بقوله :: أم عمارة المبايعة بالعقبة
المحاربة عن الرجال والشيبة ، كانت ذات جد واجتهاد وصوم ونُسك واعتماد ..
وقال
عنها الإمام الذهبي :: أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول ..
الفاضلة
المجاهدة الأنصارية الخزرجية النجارية المازنية المدنية ..
كان
أخوها عبد الله بن كعب المازني من البدريين ، وكان أخوها عبد الرحمن من
البكائين ..
شهدت أم عمارة ليلة العقبة ، وشهدت أُحداً ، والحديبية ،
ويوم حُنين ، ويوم اليمامة ، وجاهدت وفعلت الأفاعيل ..
روي لها
أحاديث ،، وقُطعت يدها في الجهاد ..
كانت أم عمارة متزوجة من زيد بن
عاصم المازني النجاري ، فولدت له عبد الله وحبيباً ، وصحبا النبي الكريم
صلى الله عليه وسلم ، ثم خلف عليها غزية بن عمرو المازني النجاري ، فولدت
له خولة ، وكان لأولادها وأسرتها شأن كبير في الإسلام ..
:: أين
تلكــ المكارم ::
لقد جمع الله لها من المكارم والفضائل الكثير
والكثير ..
فإذا أردنا أن نتكلم عنها كزوجة فهي الزوجة الوفية التي
تعرف حق زوجها .. وإن أردنا أن نصفها كأم فهي الأم الرحيمة الرؤوم .. وإن
أردنا أن نتحدث عن عبادتها لله فهي القائمة الذاكرة لله جل وعلا .. وإن
أردنا أن نتحدث عن جهادها فهي التي تدافع وتنافح عن النبي صلى الله عليه
وسلم ..
:: أشرقت شمسها الغالية مع بيعة العقبة الثانية ::
لما
أشرقت شمس الإسلام على أرض الجزيرة ووجدت قلوباً طاهرة فاستجابت لدعوة
الحق التي جاء بها الحبيب صلى الله عليه وسلم من عند ربه عز وجل ، وبعد
بيعة العقبة الأولى أرسل الحبيب صلى الله عليه وسلم سفير الدعوة الأول مصعب
بن عمير رضي الله عنه ، الذي نجح أيما نجاح في نشر الإسلام وجمع الناس
عليه بأسلوبه الهاديء وأخلاقه العطرة وحجته القوية الرحيمة وذكائه الشديد
،، فهو الذي تربى بين يدي الحبيب صلى الله عليه وسلم وتعلم منه كيف تكون
الدعوة إلى الله جل وعلا ..
وكانت أم عمارة ممن أسلم على يديه ،
فكانت على موعد مع سعادة الدنيا والآخرة ..
وفي العام التالي جاء
إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان من أجل أن
يبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية ..
فأما
المرأتان :: فالأولى هي ضيفتنا المباركة (( أم عمارة نسيبة بنت كعب )) رضي
الله عنها ، والثانية :: أم منيع أسماء بنت عمرو رضي الله عنها ..
وتمت
تلك البيعة المباركة ، وبايعت أم عمارة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسطرت بذلك على جبين التاريخ صفحة من النور ..
:: أمانة عظيمة ::
وعادت
أم عمارة إلى المدينة وهي تحمل أمانة هذا الدين العظيم ، فما إن وصلت إلى
المدينة حتى قامت لتنشر الإسلام بين النساء في المدينة وبين أولادها وأهلها
وقومها ..
وهكذا تكون المسلمة التي تعلم أن الدين لن يصل إلى الكون
كله إلا بالبذل والتضحية وحمل الأمانة ..
:: مشاهد من جهادها
في سبيل الله ::
شهدت أم عمارة عدة مشاهد مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهي :: بيعة العقبة وأُحد والحديبية وخيبر وعمرة القضية والفتح
وحُنين .. وكانت ممن شارك في حرب المرتدين في يوم اليمامة والقضاء على
مسيلمة الكذاب وأعوانه ..
وفي هذه المشاهد كانت أم عمارة رضي الله
عنها تسجل المواقف الوضاءة واحدا بعد الآخر ، وهي أول مقاتلة في تاريخ
الإسلام ..
ومن الطريف أنها بايعت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم
على النصرة ووفت بهذا في غزوة أحد ، فأحسنت وأجادت ، بل كان لها من المواقف
العظيمة يومذاك ما جلعها تنال البشارة بالجنة مع أسرتها كلها ،، فإلى تلك
المواقف المباركة الوضاءة نجد فيها مقام الصحابية الكبيرة قرب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ذلك المقام الذي سبقت فيه كثيرا من الناس ..
::
جهادها في يوم أُحد ... ودفاعها عن النبي صلى الله عليه وسلم ::
لم
يهدأ بال قريش منذ غشيها في (( بدر )) ما غشيها ، وكان جدَّ من الحوادث
بعد لا يزيد أحقادها إلا ضراما ،، فلما استدارت السنة ،، كانت مكة قد
استكملت عدتها واجتمع إليها أحلافها من المشركين ، وانضم إليهم كل ناقم على
الإسلام وأهله ..
فخرج الجيش الثائر في عدد يربو على ثلاثة آلاف ..
ورأى
أبو سفيان قائده أن يستصحب النساء معه ، حى يكون ذلك أبلغ في استماتة
الرجال دون أن تصاب حرماتهم وأعراضهم ..
وخرج المسلمون لملاقاة
المشركين وعسكروا بالشِّعب من أُحد في عدوة الوادي ، جاعلين ظهرهم إلى
الجبل .. ورسم النبي صلى الله عليه وسلم الخطة لكسب المعركة ، فجاءت مُحكمة
رائعة ،، وزع الرماة على أماكنهم وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير ، وكانوا
خمسين رجلا ، وقال : انضحوا الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا .. إن
كانت الدائرة لنا أو علينا فالزموا أماكنكم ، لا نؤتين من قِبَلِكم ..
وفي
رواية قال لهم : احموا ظهورنا إن رأيتمونا نُقتَل فلا تنصرونا ، وإن
رأيتمونا نغنم فلا تشركونا ،، واطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن
فرقة الرماة قد أمّنت بهذه الأوامر المشددة مؤخرة جيشه فأقبل يتعهد مقدمته
.. وأمر ألا ينشب قتال إلا بإذنه ..
خرجت الأسرة المؤمنة أم عمارة
وولديها عبد الله وحبيب وزوجها ، واندفع زوجها وأولادها يجاهدون في سبيل
الله ، بينما ذهبت أم عمارة تسقي العطشى وتضمد الجرحى ، ولكن ظروف المعركة
جعلتها تُقبل على مُحاربة المشركين ، وتقف وقفة الأبطال تدافع عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم غير هيابة ولا وجلة ، وذلك عندما تفرق الناس من هول ما
أصابهم في ذلك اليوم ، عندها أخذت سيفا وترسا ووقفت بجانب رسول الله صلى
الله عليه وسلم تقيه بنفسها ..
وبدأ القتال الدامي ، وكانت النصرة
لجند الله الموحدين ، وبدأ المسلمون في جمع الغنائم ، وإذ بالرماة يتركون
مواقعهم هابطين إلى الميدان ، فاغتنم المشركون الفرصة وجاءوا من الخلف
وهجموا على المسلمين وقتلوا عددا كبيرا منهم ، ثم بحثوا عن النبي صلى الله
عليه وسلم يريدون قتله ..
وهنا اجتمع عدد قليل من أصحاب الحبيب صلى
الله عليه وسلم يدافعون عنه وكان على رأسهم أم عمارة رضي الله عنها ..
عن
عمارة ين غزية قال : قالت أم عمارة : رأيتني ، وانكشف الناس عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فما بقي إلا في نفير ما يتمون عشرة ، وأنا وابناي
وزوجي بين يديه نذبّ عنه ، والناس يمرون به منهزمين ، ورآني ولا ترس معي ،
فرأى رجلا مولياً ومعه ترس ، فقال : ألقِ ترسك إلى مَن يقاتل .. فألقاه
فأخذته .. فجعلت أترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وإنما فعل بنا
الأفاعيل أصحاب الخيل ؛ لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم ، إن شاء الله ..
فيُقبِل
رجل على فرس فيضربني ، وترَّستُ له ، فلم يصنع شيئا وولى ، فأضرب عرقوب
فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح : يا ابن أم عمارة ،
أمك .. أمك .. قالت : فعاونني عليه ، حتى أوردته شَعوب (( أي حتى قتلته
وهو اسم من أسماء الموت ))
:: الحبيب صلى الله عليه وسلم يشهد لها
شهادة عظيمة ::
كان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته ، وكانت قد
شهدت أُحداً ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لمقام
نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان ..
:: اللهم اجعلهم
رفقائي في الجنة ::
بل يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لأم عمارة
وولدها أن يكونا معه في الجنة ..
عن الحارث بن عبد الله : سمعت عبد
الله بن زيد بن عاصم يقول : شهدت أُحدا ، فلما تفرقوا عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، دنوت منه أنا وأمي نذب عنه ، فقال صلى الله عليه وسلم :
ابن أم عمارة ؟ قالت : نعم ، قال : إرمِ ، فرميت بين يديه رجلا بحجر ، وهو
على فرس ، فأصبت عين الفرس .. فاضطرب الفرس ، فوقع هو وصاحبه وجعلت أعلوه
بالحجارة والنبي يبتسم .. ونظر إلى جرح أمي على عاتقها ، فقال : أمك أمك ،
اعصب جرحها ، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ..
قلت : ما أبالي ما
أصابني من الدنيا ..
الموضوع : أم عمارة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya