عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال:
(ائذن له وبشره بالجنة)، فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن فقال: (ائذن له
وبشره بالجنة)، فإذا عمر، ثم جاء آخر ..
الفصل السابع: فضل العشرة
المبشرين بالجنة:
1- فضائل أبي بكر الصديق
رضي الله عنه:
أ- قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ
ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ
تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾
[التوبة:41].
قال
ابن جرير الطبري: "وإنما عنى الله جل ثناؤه بقوله: ﴿ثَانِيَ
ٱثْنَيْنِ﴾ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه؛
لأنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش إذ همّوا بقتل رسول الله صلى الله
عليه وسلم واختفيا في الغار. وقوله: ﴿إِذْ هُمَا فِى
ٱلْغَارِ﴾ يقول: إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي
الله عنه في الغار، والغار: النقب العظيم يكون في الجبل، ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ﴾ يقول: إذ يقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر: ﴿لاَ تَحْزَنْ﴾
وذلك أنه خاف من الطلب" [1].
وقال
أبو بكر ابن العربي: "فيها عدة فضائل مختصة لأبي بكر، لم تكن لغيره، منها
قوله: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ﴾ فوصف
الصحبة في كتابه متلواً إلى يوم القيامة، ومنها قوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَ﴾، وفي الحديث الصحيح أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر في الغار: (يا أبا
بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!) وهذه مرتبة عظمى وفضيلة شماء لم
يكن لبشر أن يخبر عن الله سبحانه أنه ثالث اثنين أحدهما أبو بكر، كما أنه
قال مخبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ثاني اثنين" [2].
ب- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب
رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: (إن الله
خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله):
قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خُيّر فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المُخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أمنّ الناس عليّ
في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لا تخذت أبا بكر
خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب
أبي بكر) [3].
قال النووي: "قال العلماء: معناه أكثرهم جوداً
وسماحة لنا بنفسه وماله، وليس هو المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة؛ لأنه
أذىً مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في قبول ذلك
وفي غيره" [4].
ج- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟
قال: (عائشة)، فقلت: من الرجال؟ قال: (أبوه)، قال: ثم من؟ قال: (ثم
عمر بن الخطاب)، فعد رجال [5].
هذا الحديث فيه تصريح بعظيم فضائل أبي بكر وعمر
وعائشة رضي الله عنهم، وفيه دلالة بينة لأهل السنة في تفضيل أبي بكر ثم عمر
على جميع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين [6].
2- فضائل عمر بن الخطاب رضي
الله عنه:
أ- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيتني دخلت الجنة فإذا
أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت من هذا؟ فقال: هذا بلال،
ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر
إليه فذكرت غيرتك)، فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار [7].
قال الحافظ ابن حجر: "وفيه ما كان عليه النبي صلى
الله عليه وسلم من مراعاة الصحبة، وفيه فضيلة ظاهرة لعمر" [8].
ب- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينا أنا نائم
رأيت الناس عرضوا علَيّ وعليهم قُمُص، فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ
دون ذلك، وعرض علَيّ عمر وعليه قميص اجتره) قالوا: فما أوّلته يا
رسول الله؟ قال: (الدين) [9].
ج- وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (إيهاً يا ابن الخطاب، والذي نفسي
بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً آخر) [10].
قال الحافظ ابن حجر: "فيه فضيلة عظيمة لعمر،
تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه، لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة؛ إذ ليس
فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها، ولا يمنع ذلك من
وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته" [11].
3- فضائل عثمان بن عفان رضي
الله عنه:
أ- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عنهما قال: كنا
في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان،
ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم [12].
ب- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن
فقال: (ائذن له وبشره بالجنة)، فإذا أبو بكر،
ثم جاء آخر يستأذن فقال: (ائذن له وبشره بالجنة)،
فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال: (ائذن
له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه)، فإذا عثمان بن عفان [13].
ج- عن عائشة رضي الله عنه قالت: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم مضجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو
بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك
فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه
-وقال محمد- ولا أقول ذلك في يوم واحد، فدخل فتحدث فلما خرج قالت عائشة رضي
الله عنها: دخل أبو بكر فلم تهتش [14] له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له
ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال: (ألا
أستحي من رجل تستحي منه الملائكة) [15].
4- فضائل علي بن أبي طالب
رضي الله عنه:
أ- عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال يوم خيبر: (لأعطين هذه الراية
رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) قال:
فبات الناس يدوكون
[16] ليلتهم أيهم يعطاها، قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: (أين
علي بن أبي طالب؟) فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال:
فأرسلوا إليه فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له
فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله
أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال: (أنفذ على رِسْلك
حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله
فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير ذلك من حمر النعم) [17].
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد
الوهاب في قوله: (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله):
"فيه فضيلة عظيمة لعلي بن أبي طالب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له
بذلك" [18].
ب- عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (أنت
مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) قال سعيد بن
المسيب: فأحببت أن أشافه بها سعداً فلقيت سعداً فحدثته بما حدثني عامر
فقال: أنا سمعته فقلت: أنت سمعته؟ فوضع أصبعيه على أذنيه فقال: نعم، وإلا
فاستكت [19].
قال النووي: "فيه إثبات فضيلة لعلي ولا تعارض فيه
لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده" [20].
ج- عن
البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي
طالب: (أنت مني وأنا منك) [21].
5- فضائل طلحة بن عبيد
الله رضي الله عنه:
أ- عن الزبير رضي الله عنه قال: كان على رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة فلم يستطع، فأقعد
تحته طلحة فصعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوى على الصخرة، قال:
فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أوجب طلحة) [22].
ومعنى
قوله صلى الله عليه وسلم: (أوجب طلحة) أي:
وجبت له الجنة بسبب عمله هذا أو بما فعل في ذلك اليوم، فإنه خاطر بنفسه يوم
أحد وفدى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها وقاية له حتى طعن
ببدنه وجرح جميع جسده حتى شلت يده [23].
ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم كان على جبل حراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسكن حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)
وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير
وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم [24].
ج-
ومن مناقبه الرفيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنه راض،
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: "باب ذكر طلحة بن عبيد الله، وقال
عمر: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ" [25].
6- فضائل الزبير بن العوام
رضي الله عنه:
أ- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال
النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي حوارياً، وإن
حواريّ الزبير بن العوم) [26].
ومعنى قوله عليه السلام: (وحواري الزبير) أي: خاصتي من أصحابي وناصري، ومنه
الحواريون أصحاب عيسى عليه السلام أي خلصائه وأنصاره، وأصله من التحوير:
التبييض [27].