هو صورة مبيّنة للخلق العربي بكل أعماقه،
وأبعاده..
فبينما كان أبوه أول المؤمنين.. والصدّيق الذي آمن برسوله
ايمانا ليس من طراز سواه.. وثاني اثنين اذ هما في الغار..كان هو صامدا
كالصخر مع دين قومه، وأصنام قريش.!!
وفي غزوة بدر، خرج مقاتلا مع
جيش المشركين..
وفي غزوة أحد كان كذلك على رأس الرماة الذين جنّدتهم
قريش لمعركتها مع المسلمين..
وقبل أن يلتحم الجيشان، بدأت كالعادة
جولة المبارزة..
ووقف عبدالرحمن يدعو اليه من المسلمين من يبارزه..
ونهض
أبو أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه مندفعا نحوه ليبارزه، ولكن الرسول أمسك
به وحال بينه وبين مبارزة ولده.
**
ان
العربي الأصيل لا يميزه شيء مثلما يميزه ولاؤه المطلق لاقتناعه..
اذا
اقتنع بدين أو فكرة استبعده اقتناعه، ولم يعد للفكاك منه سبيل، اللهمّ الا
اذا ازاحه عن مكانه اقتناع جديد يملأ عقله ونفسه بلا زيف، وبلا خداع.
فعلى
الرغم من اجلال عبدالرحمن أباه، وثقته الكاملة برجاحة عقله، وعظمة نفسه
وخلقه، فان ولاءه لاقتناعه بقي فارضا سيادته عليه.
ولم يغره اسلام
أبيه باتباعه.
وهكذا بقي واقفا مكانه، حاملا مسؤولية اقتناعه
وعقيدته، يذود عن آلهة قريش، ويقاتل تحت لوائها قتال المؤمنين المستميتين..
والأقوياء
الأصلاء من هذا الطراز، لا يخفى عليهم الحق وان طال المدى..
فأصالة
جوهرهم، ونور وضوحهم، يهديانهم الى الصواب آخر الأمر، ويجمعانهم على الهدى
والخير.
ولقد دقت ساعة الأقدار يوما، معلنة ميلادا جديدا
لعبدالرحمن بن أبي بكر الصدّيق..
لقد أضاءت مصابيح الهدى نفسه فكنست
منها كل ما ورثته الجاهلية من ظلام وزيف. ورأى الله الواحد الأحد في كل ما
حوله من كائنات وأشياء، وغرست هداية الله ظلها في نفسه وروعه، فاذا هو من
المسلمين..!
ومن فوره نهض مسافرا الى رسول الله، أوّأبا الى دينه
الحق.
وتألق وجه أبي بكر تحت ضوء الغبطة وهو يبصر ولده يبايع رسول
الله.
لقد كان في كفره رجلا.. وها هو ذا يسلم اليوم اسلام الرجال.
فلا طمع يدفعه، ولا خوف يسوقه. وانما هو اقتناع رشيج سديد أفاءته عليه
هداية الله وتوفيقه.
وانطلق عبدالرحمن يعوّض ما فاته ببذل أقصى
الجهد في سبيل الله، ورسوله والمؤمنين...
الموضوع : عبدالرحمن بن أبي بكر- بطل حتى النهاية المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya