وذات يوم أراد الرسول صلوات
الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش، ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها،
واستعدادها لغزو جديد.. فاهتار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل
أميرهم عاصم بن ثابت.
وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا
بين عسفان ومكة، نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا
اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم..
وكادوا
يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول
بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة، ثم صاح في الذين معه:
"
انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم"..
وساروا مع النوى المبثوث
على الأرض، حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون..
وأحس عاصم
أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل..
واقترب
الرماة المائة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار..
ودعوهم
لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء.
والتفت
العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.
وانتظروا
بما يأمر..
فاذا هو يقول:" أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك..
اللهم
أخبر عنا نبيك"..
وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال..
فأصيب أميرهم عاصم واستشهد، وأصيب معه سبعة واستشهدوا..
ونادوا
الباقين، أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا.
فنزل الثلاثة: خباب
بن عديّ وصاحباه..
واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة
فأطلقوا قسيّهم، وبرطوهما بها..
ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر،
فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه..
واستشهد حيث أراد..
وهكذا
قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا، وأبرّهم عهدا، وأوفاهم لله ولرسوله
ذمّة..!!
وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد
الاحكام.
وقادهما الرماة البغاة الى مكة، حيث باعوهما لمشركيها..
ودوّى
في الآذان اسم خبيب..
وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر، تذكّروا
ذلك الاسم جيّدا، وحرّك في صدورهم الأحقاد.
وسارعوا الى شرائه.
ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر
آباءهم وزعماءهم.
وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير
يشفي أحقادهم، ليس منه وحده، بل ومن جميع المسلمين..!!
وضع قوم
أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر
عذابا..
**
أسلم خبيب قلبه، وأمره،ومصيره لله رب العالمين.
وأقبل
على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما
يذيب الصخر، ويلاشي الهول.
كان الله معه.. وكان هو مع الله..
كانت
يد الله عليه، يكاد يجد برد أناملها في صدره..!
دخلت عليه يوما
احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة الى الناس
تناديهم لكييبصروا عجبا..
" والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب
يأكل منه..
وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة..
ما
أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا"..!!
أجل آتاه الله عبده
الصالح، كما آتى من قبل مريم بنت عمران، يوم كانت:
( كلما دخل عليها
زكريا المحراب وجد عندها رزقا..
قال يا مريم أنّى لك هذا
قالت
هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب)..
**
وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله
عنه.
ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه، ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا
يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه، وأنزل عليه سكينته ورحمته.
وراحوا
يساومونه على ايمانه، ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد، ومن قبل
بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!!
أجل،
كان ايما خبيب كالشمس قوة، وبعدا، ونارا ونورا..
كان يضيء كل من
التمس منه الضوء، ويدفئ كل من التمس منه الدفء، أم الذي يقترب منه ويتحدّاه
فانه يحرقه ويسحقه..
واذا يئسوا مما يرجون، قادوا البطل الى مصيره،
وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه..
وما ان
بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له ظانين أنه قد يجري
مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه..
وصلى
خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات...
وتدفقت في روحه حلاوة
الايمان، فودّ لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي..
ولكنه التفت صوب قاتليه
وقال لهم:
" والله لاتحسبوا أن بي جزعا من الموت، لازددت صلاة"..!!
ثم
شهر ذراعه نحو السماء وقال:
" اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا"..
ثم
تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي
جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال
شلو ممزّع
الموضوع : خبيب بن عديّ - بطل.. فوق الصليب..!! المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya