El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: الإسلام دين الفطرة الأحد 27 يونيو 2010 - 19:03 | |
| لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد اختار الله لهذه الأمة الفطرة النقية ، وجعلها أخص خصائص دينها ، وهدى نبيها صلى الله عليه وسلم إلى الفطرة ، ففي حديث الإسراء , عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسري بي لقيت موسى قال فنعته فإذا رجل حسبته قال مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال ولقيت عيسى قال فنعته قال ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني الحمام ورأيت إبراهيم قال وأنا أشبه ولده به قال وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت للفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح . صحيح الترغيب والترهيب 7/130,انظر حديث رقم : 5468 في صحيح الجامع . ( 1 ) الفطرة في عبادة الله وتوحيده : وتبرز هذه الفطرة أولاً بالحاجة المركوزة في النفس البشرية لعبادة الله ، قال تعالى : " أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) سورة الروم . فالإنسان بفطرته منذ ولادته يتجه إلى التوحيد الخالص وإلى عبادة الله تعالى وحده , عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، كَمَا تُنَاتَجُ الإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ.)". أخرجه مالك ((الموطأ)) 165 و((أحمد)) 2/244(7321) و((مسلم)) و((أبو داود)) 4714 و((ابن حِبان)) 133 . و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ ، فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْهُ لِسَانُهُ ، إِمَّا شَاكِرًا ، وَإِمَّا كَفُورًا. أخرجه أحمد 3/353(14865) . وها هو الخليل إبراهيم عليه السلام يضرب لنا مثلا رائعا في أن الفطرة السليمة تتجه إلى عبادة الله وحده , قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)سورة الأنعام . سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير . والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟ , قال سبحانه : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله } [ الزخرف : 87 ] ، { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بالله وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [ غافر : 87 ] . قال الشاعر : تأمل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات ... وأزهار كما الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك وقال آخر : فيَا عَجَباً كيف يُعْصَى الإلهُ ... أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ؟! وللهِ في كل تحريكةٍ ... وتسكينةٍ أبداً شاهدُ وفي كُلِّ شَيءٍ له آيةٌ ... تَدُلُّ على أنَّه واحِدُ ولقد أيقن كفار قريش هذه الحقيقة التي لا تتصادم مع الفطرة السليمة , قال زيد بن عمرو بن نوفل الذي ترك عبادة الأصنام قبل أن يبعث النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " حيث يحكي عن عقيدته في الجاهلية ويقول : أرب واحد أم ألف رب * أدين إذا تقسمت الأمور عزلت اللات والعزى جميعاً * كذلك يفعل الجلد الصبور فلا العزى أدين ولا ابنتيها * ولا صنمي بني عمرو أزور ولا غنما أدين وكان ربا * لنا في الدهر إذ حلمي يسير عجبت وفي الليالي معجبات * وفي الأيام يعرفها البصير بأن الله قد أفنى رجالاً * كثيرا كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببر قوم * فيربل منهم الطفل الصغير وبينا المرء يعثر ثاب يوماً * كما يتروح الغصن النضير ولكن أعبد الرحمن ربي * ليغفر ذنبي الرب الغفور فتقوى الله ربكم احفظوها * متى ما تحفظوها لا تبوروا ترى الأبرار دارهم جنان * وللكفار حامية سعير وخزي في الحياة وإن يموتوا * يلاقوا ما تضيق به الصدور راجع البداية والنهاية البداية والنهاية - الجزء الثاني - ( 30 من 239 ) . وها هو الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري ذهب ذات يوم ليقدم مراسيم الطاعة لصنمه ، وبينما هو كذلك وجد ثعلبا متسلق على رأس الصنم وقد بال عليه فوقف متعجبا" ساخرا" مما حدث وانشد قائلا: رب يبول الثعلبان برأسه * * * لقد ذل من بالت عليه الثعالب فلو كان ربا كان يمنع نفسه * * * فلا خير في رب نأته المطالب برئت من الأصنام في الأرض كلها * * * وآمنت بالله الذي هوغالب وعَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ عَقَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ ؟ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ ، فَقُلْنَا : هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : قَدْ أَجَبْتُكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ ، فَقَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ، فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ ، اللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَن ْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللهِ ، اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي ، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ ، أَخُو بَنِى سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. أخرجه أحمد 3/168(12749) و"البُخَاريّ" 63 و"أبو داود" 486 و"ابن ماجة" 1402 "النَّسائي" 4/122 . وانظر إلى قصة عمرو بن الجموح مع صنمه والتي تؤكد أن الإسلام هو دين الفطرة الحقيقي , فقد كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات الأنصار وكان له صنم اسمه مناف .. يتقرب إليه .. ويسجد بين يديه مناف و مفزعه عند الكربات وملاذه عند الحاجات ..صنم صنعه من خشب .. لكنه أحب إليه من أهله وماله وكان شديد الإسراف في تقديسه وتزيينه وطييبه وتلبيسه وكان هذا دأبه مذ عرف الدنيا حتى جاوز عمره الستين سنة ..فلما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة .. وأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه داعيةً ومعلماً لأهل المدينة .. أسلم ثلاثة أولاد لعمرو بن الجموح مع أمهم دون أن يعلم .. فعمدوا إلى أبيهم فأخبروه بخبر هذا الداعي المعلم وقرؤوا عليه القرآن .. وقالوا : يا أبانا قد اتبعه الناس فما ترى في إتباعه ؟ فقال : لست أفعل حتى أشاور مناف فأَنظُرَ ما يقول !! ثم قام عمرو إلى مناف .. وكانوا إذا أرادوا أن يكلموا أصنامهم جعلوا خلف الصنم عجوزاً تجيبهم بما يلهمها الصنم في زعمهم .. أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى مناف .. وكانت إحدى رجليه أقصر من الأخرى .. فوقف بين يدي الصنم .. معتمداً على رجله الصحيحة .. تعظيماً واحتراماً .. ثم حمد الص نم وأثنى عليه ثم قال : يا مناف لا ريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم ولا يريد أحداً بسوء سواك .. وإنما ينهانا عن عبادتك .. فأشِرْ عليّ يا مناف .. فلم يردَّ الصنم شيئاً .. فأعاد عليه فلم يجب .. فقال عمرو : لعلك غضبت .. وإني ساكت عنك أياماً حتى يزول غضبك .. ثم تركه وخرج فلما أظلم الليل .. أقبل أبناؤه إلى مناف .. فحملوه وألقوه في حفرة فيها أقذار وجيف .. فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه لتحيته فلم يجده .. فصاح بأعلى صوته : ويلكم !! من عدا على إلهنا الليلة .. فسكت أهله .. ففزع واضطرب ..وخرج يبحث عنه ..فوجده منكساً على رأسه في الحفرة..فأخرجه وطيبه وأعاده لمكانه..وقال له : أما والله يا مناف لو علمتُ من فعل هذا لأخزيته ..فلما كانت الليلة الثانية أقبل أبناؤه إلى الصنم .. فحملوه وألقوه في تلك الحفرة المنتنة .. فلما أصبح الشيخ التمس صنمه .. فلم يجده في مكانه .. فغضب وهدد وتوعد .. ثم أخرجه من تلك الحفرة فغسله وطيبه ..ثم ما زال الفتية يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة وهو يخرجه كل صباح فلما ضاق بالأمر ذرعاً راح إليه قبل منامه وقال : ويحك يا مناف إن العنز لتمنع أُسْتَها ..ثم علق في رأس الصنم سيفاً وقال : ادفع عدوك عن نفسك ..فلما جَنَّ الليلُ حمل الفتيةُ الصنم وربطوه بكلب ميت وألقوه في بئر يجتمع فيها النتن .. فلما أصبح الشيخ بحث عن مناف فلما رآه على هذا الحال في البئر قال : ورب يبـول الثعلبـان برأسه *** لقد خاب من بالت عليه الثعالب ثم دخل في دين الله .. وما زال يسابق الصالحين في ميادين الدين ..وانظر إليه لما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر .. منعه أبناؤه لكبر سنه وشدة عرجه .. فأصر على الخروج للجهاد.. فاستعانوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالبقاء في المدينة .. فبقي فيها ..فلما كانت غزوة أحُد .. أراد عمرو الخروج للجهاد .. فمنعه أبناؤه .. فلما أكثروا عليه .. ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. يدافع عبرته ويقول : ( يا رسول الله إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد قال : إن الله قد عذرك .. فقال يا رسول الله والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ..فأذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج .. فأخذ سلاحه وقال : اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني إلى أهلي .. فلما وصلوا إلى ساحة القتال .. والتقى الجمعان وصاحت الأبطال ورميت النبال .. انطلق عمرو يضرب بسيفه جيش الظلام ويقاتل عباد الأصنام حتى توجه إليه كافر بضربة سيف كـُتِبَت له بها الشهادة ..فدفن رضي الله عنه .. ومضى مع الذين أنعم الله عليهم ..وبعد ست وأربعين سنة في عهد معاوية رضي الله عنه نزل بمقبرة شهداء أحد سيل شديد غطّى أرض القبور فسارع الم سلمون إلى نقل رُفات الشهداء .. فلما حفروا عن قبر عمرو بن الجموح فإذا هو كأنه نائم ليّن جسده تتثنى أطرافه .. لم تأكل الأرض من جسده شيئاً . وكذا قصة إسلام أسَيْد بن الحُضَير بن سمّاك الأوسي الأنصاري أبوه حضير الكتائب زعيم الأوس ، وكان واحدا من أشـراف العـرب في الجاهلية وورث أسيد عن أبيـه مكانته وشجاعته وجـوده ، فكان قبل إسلامه من زعماء المدينة وأشـراف العـرب ، ورماتها الأفذاذ ، كان أحد الاثني عشـر نقيباً حيث شهد العقبـة الثانية ، وشهد أحداً وثبت مع الرسـول الكريم حيث انكشف الناس عنه وأصيب بسبع جراحات إسلامه أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم المسلمين الأنصار الذين بايعوا الرسول في بيعة العقبة الأولى ، وليدعو غيرهم إلى الإيمان ، ويومئذ كان يجلس أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وكانا زعيمي قومهما يتشاوران بأمر الغريب الآتي ، الذي يدعو لنبذ دين الآباء والأجداد وقال سعد اذهب إلى هذا الرجل وازجره ) وحمل أسيد حربته وذهب إلى مصعب الذي كان في ضيافة أسعد بن زرارة وهو أحد الذين سبقوا في الإسلام ، ورأى أسيد جمهرة من الناس تصغي باهتمام لمصعب -رضي الله عنه- ، وفاجأهم أسيد بغضبه وثورته ، فقال له مصعب هل لك في أن تجلس فتسمع ، فان رضيت أمرنا قبلته ، وان كرهته كففنا عنك ما تكره ) فقال أسيد الرجل الكامل بعد غرس حربته في الأرض : ( لقد أنصفت ، هات ما عندك ) وراح مصعب يقرأ من القرآن ، ويفسر له دعوة الدين الجديد ، حتى لاحظ الحاضرين في المجلس الإسلام في وجه أسيد قبل أن يتكلم ، فقد صاح أسيد مبهورا ما أحسن هذا الكلام وأجمله ، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟) فقال له مصعب : (تطهر بدنك ، وثوبك وتشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ) فقام أسيد من غير إبطاء فاغتسل وتطهر ، ثم سجد لله رب العالمين إسلام سعد وعاد أسيد إلى سعد بن معاذ الذي قال لمن معه أقسم ، لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به ) وهنا استخدم أسيد ذكاءه ليدفع بسعد إلى مجلس مصعب سفير الرسول لهم ، ليسمع ما سمع من كلام الله ، فهو يعلم بأن أسعد بن زرارة هو ابن خالة سعد بن معاذ ، فقال أسيد لسعد لقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وهم يعلمون أنه ابن خالتك ) وقام سعد وقد أخذته الحمية ، فحمل الحربة وسار مسرعا إلى أسعد حيث معه مصعب والمسلمين ، ولما اقترب لم يجد ضوضاء ، وإنما سكينة تغشى الجماعة ، وآيات يتلوها مصعب في خشوع ، وهنا أدرك حيلة أسيد فأسلم. وقد رأينا كيف يميد العالم اليوم إذ تنكب سبيل الفطرة في نكد وضيق ، ولهاث لا يفتر ، مصداقاً لقول ربنا عزوجل " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ سورة طه" . ( 2 ) الفطرة في الدعاء : ويتجلى ذلك إذا ما نزل بالإنسان كرب أو حل به مكروه ، فيلجأ بقلبه خاشعاً إلى السماء سائلاً رب السماء أن ينجيه منها "أ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) الروم . وقال : " هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) سورة يونس . ومهما غطت العوارض هذه الفطرة فلا بد أن تبرز عند الشدائد ، حتى إن فرعون لما أدركه الغرق قال: " آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) سورة يونس . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ ، وَكَانَ يَتَسَمَّعُ الأَذَانَ ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ ، وَإِلاَّ أَغَارَ ، فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : عَلَى الْفِطْرَةِ ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ. فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى. أخرجه أحمد 3/132(12376). و"الدارِمِي" و"مسلم" 2/3(776) . وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلِ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ، فَإِنْ مُِتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ ، فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ ، قَالَ : فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا بَلَغْتُ : اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، قُلْتُ : وَرَسُولِكَ ، قَالَ : لاَ ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. أخرجه أحمد 4/290(18760) "البُخَارِي" 1/71(247) و"مسلم" 8/77(6981) . وعن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قال : أَوْصَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً ، إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ ، أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ، فَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ. أخرجه "الدارِمِي" 2683 و"البُخَارِي" 8/85(6313) و"مسلم" 8/77(6984) و"النَّسائي" ، في "عمل اليوم والليلة" 773 . ( 3 ) الفطرة في التصديق بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَال لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " بينا رجل يسوق بقرة إذ أعيي فركبها فقالت : إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا لحراثة الأرض . فقال الناس : سبحان الله بقرة تكلم " . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر " . وما هما ثم وقال : " بينما رجل في غنم له إذ عدا الذئب فذهب على شاة منها فأخذها فأدركها صاحبها فاستنقذها فقال له الذئب : فمن لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري ؟ فقال الناس : سبحان الله ذئب يتكلم ؟ " . قال : أومن به أنا وأبو بكر وعمر " وما هما ثم . ( متفق عليه ). وأيضا قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي : وهو من دوس زهران ، من السراة سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ، فركب جمله ، وأخذ متاعه ، ولبس ثيابه.وكان الطفيل شاعرا مجيدا ، وخطيبا فصيحا ، يعرف جزل الكلام من ضعيفه .وصل إلى مكة ، ولكن الدعايات المغرضة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم تتحرك من المشركين لتشويه سمعة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقول المريض ، والتعليقات المرة .دخل مكة ، فلقيه كفار قريش .فقالوا : إلى أين يا طفيل ؟ قال : أريد هذا الذي يزعم انه نبي قالوا : ما أشبه ذلك تريد ؟ قال : أريد أن اسمع كلامه ، إن كان حقا اتبعته ، وإن كان باطلا تركته .قالوا : إياك وإياه ، إنه ساحر ، انه شاعر ، انه كاهن ، انه مجنون ، أحذر لا تسمع كلامه .قال الطفيل : فوالله ، ما زالوا بي يخوفونني حتى أخذت القطن فوضعته في أذني .لكن الحق أقوى من القطن ، والقران ينفذ من خلال القطن إلى القلب .قال : ودخلت الحرم يوما ، والقطن في أذني لا اسمع شيئا .لكن أراد الله عز وجل أن يفتح أذنيه ؛ لأن بعض الناس له أذنان وعينان وقلب ، لكن كما قال سبحانه : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (لأعراف:179) أتى فرأى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : فلما رأيت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب . لو لم تكن فيه آيات مبينة *** لكن منظره ينبئك بالخير وجه الكذاب تعرفه ، ووجه الخمار تعرفه ، ووجه تارك الصلاة تعرفه ، وهكذا وجه المصلي والصادق تعرفه ، وأصدق الصادقين وخير الناس أجمعين : محمد صلى الله عليه وسلم .قال الطفيل : فسمعته صلى الله عليه وسلم يقرأ ، لكن لا اسمع ؛ لأن في أذني القطن ، فقلت لنفسي : عجبا لي ، أنا رجل شاعر فصيح ، اعرف حسن الكلام من قبيحه ، لماذا لا أضع القطن ، فإن سمعت الكلام طيبا وإلا تركته ؟!فوضع القطن ، وهذه هي الخطوة الأولى .وبدأ صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات القرآن .فلما سمع الكلام وقع في قلبه .هل يستطيع ملحد ، إن كان عنده عقل أن يسمع {طه} (طـه:1) {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (طـه:2) {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (طـه:3) ولا يؤمن ؟من يستطع أن يسمع {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (قّ:1){بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} (قّ:2) ولا يسلم ؟ قال : فلما سمعت الكلام ، تقدمت ، وقلت : عم صباحا ، يا أخا العرب.هذه تحية جاهلية ، وهي ملغاة عند محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا تقبل . وقد كانت تقال في الجاهلية : عم صباحا ، ولذلك يقول امرؤ القيس : أ لا عم صباحا أيها الطلل البالي *** وهل يعمن من كان في الأعصر الخالي فقال صلى الله عليه وسلم : (( أبدلني الله بتحية خير من تحيتك )) .قال : وما هي ؟ قال : (( أبدلني الله بتحية خير من تحيتك )) .قال : وما هي ؟ قال : (( السلام عليكم ورحمة الله )) .ما أحسن الكلام !فقال : السلام عليكم .فرد عليه .قال : من أنت ؟ قال : (( أنا رسول الله )) .قال : من أرسلك ؟ قال : (( الله )) .فقال الطفيل : إلى ماذا تدعو ؟ فأخبره وقرا عليه شيئا من القرآن .قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ثم قال : يا رسول الله ، أنا من دوس ( هو سيد قبيلة دوس ) .فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعود داعية إليهم .فعاد داعية إلى دوس ؛ فلما وصل إليهم قال : هدمي من هدمكم حرام ، ودمي من دمكم حرام ، حتى تؤمنوا بالله ، فكفروا ، وأعرضوا ، وغلبهم الزنا .فأتى مرة ثانية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله ، غلب على دوس الزنا ، وكفروا بالله ، فادع الله عليهم ، يا رسول الله . أي : أن يسحقهم ويحطمهم ، ويجعلهم شذر مذر .لكن محمدا صلى الله عليه وسلم كان كما قال الله : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4) {ف َبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران: من الآية 159) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128) فرفع يديه صلى الله عليه وسلم ، يريد أن يدعو لهم ، فظن الطفيل انه يدعو عليهم .فقال الطفيل : هلكت دوس .فقال صلى الله عليه وسلم : (( اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم .ثم قال : يا طفيل ، اذهب إلى دوس ، فادعهم إلى الإسلام ، ومن ألم معك ، فقاتل به من كفر ، فذهب ، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية .فسال له فوقع نور في جبهته يضيء له في الليل . أضاءت لهم أحابهم ووجوههم *** من الليل حتى نظم الجذع ثاقبه قال : يا رسول الله ، أخشى أن يقولوا : في مثلة ( أي : مرض ) فادع الله أن يحول عني هذا النور ، فحوله إلى العصاء ، فكان إذا رفع العصا أضاءت له جبال زهران .فلما وصلهم ، كانوا قد تهيؤوا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال: (( أدعوكم إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله )) ، ثم أراهم الآية .فاسلموا جميعا ودخلوا في دين الله أفواجا ، فسبحان من يهدي .وأتى بهم ، رضي الله عنه وأرضاه ، في موكب عظيم ، ودودخل بهم بعد الهجرة إلى المدينة في جيش عرمرم ، حتى ثار الغبار من رؤوسهم ، وكلهم ف يميزان الطفيل .وكان من حسناته : أبو هريرة ،صاحب الحديث ، وأستاذ المحدثين في الإسلام ، وابر حافظ في الأمة المحمدية ، والراوية العملاق ، رضي الله عنه و أرضاه .واستمر الطفيل يدعو ، ويجاهد ، وكان قد باع نفه من الله ، حتى قتل في اليمامة شهيدا {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}(الفجر:27){ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (الفجر:28) {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (الفجر:29{وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر:30) ) قم فأذر : محمد العريفي 100 وما بعدها , و أنظر القصة في (( سيرة ابن هشام )) (1/382). ( 4 ) الفطرة في يسر الإسلام وسماحته : وكذلك فإن الفطرة تتجلى في هذا الدين في يسره وسماحته ، وفي مخاطبته لكل جوانب النفس البشرية ، بما يلبي حاجات الجسد والروح ، ويخاطب العقل والعاطفة ، لا يطغى جانب على جانب ، تنزيل من حكيم حميد ، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، إن هذا التوازن هو من أعظم خصائص هذا الدين ، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ـ رضى الله عنه ـ قال جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَ صُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ". أخرجه البُخَارِي 7/2(5063). فهذا أتقى الخلق يرسم لنا الطريق السديد بالقيام بحق الجسد ، والسمو بالروح بأنواع العبادة ، فلا رهبانية تصطدم بحاجة الإنسان الطبيعية ، ولا بهيمية تهبط به إلى حمأة إشباع اللذات والغرائز ، لتتحقق بذلك السعادة ، فتشرق الروح ، وتطوف عوالم الملكوت ، ويأخذ الجسد نصيبه من اللذات الغريزية باعتدال يضمن بقاءه ، ويحقق مقاصد عمارة الأرض ، ويطلق العقل قدراته ، ويتحررمن قيود الخرافة والأوهام ، فتفيض النفس طمأنينة وسكينة. ثم إن هذه الفطرة تتجلى في ما شرعه الله من الحلال والحرام ، فقد قال ربنا عزوجل: " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ (157) سورة الأعراف، وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) سورة البقرة. عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ ؛أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ : أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا : كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا . أخرجه أحمد 4/162(17623). كان أبو داود السجستاني يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني " السنن " - جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها قوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " حديث صحيح مشهور، وأخرجه الستة من حديث عمر بن الخطاب. والثاني قوله " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " حديث صحيح بشواهده " أخرجه من حديث أبي هريرة الترمذي: (2317)، وابن ماجه: (3976).والثالث قوله " لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه " أخرجه من حديث أنس البخاري: 1 / 53 - 54، في الايمان: باب علامة الايمان، ومسلم: (45) في الايمان: باب الدليل على أن من خصال الايمان أن يحب لاخيه المسلم ما يحب لنفسه، والترمذي: (2517)، والنسائي: 8 / 115، وابن ماجه: (66).والرابع قوله " الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات " أخرجه من حديث النعمان بن بشير: البخاري: 1 / 117، في الايمان: باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم: (1599)، وأبو داود: (3329) و: (3330)، والترمذي: (1205)، والنسائي: 7 / 241. انظر : مقدمة سنن ابي داود 1/4 . وفيات الأعيان 2/405 . وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( البرّ حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس ) رواه مسلم . وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( جئت تسأل عن البرّ ؟ ) ، قلت : نعم ، فقال : ( استفت قلبك ، البرّ ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك المفتون ) حديث حسن رُويناه في مسندي الإمامين : أحمد بن حنبل ، و الدارمي بإسناد حسن . فالفطرة هي المرآة صافية نظيفة ينطبع عليها الشيء الذي أمامه وهكذا طبيعة المرآة إنها تعكس ما أمامها ، فلو أن دخاناً كثيفاً طمسها لغيَّر صفاءها ، وغيّر قابليتها للانعكاس وعندئذٍ يأتي الدليل ، فالإيمان بالله عز وجل يمكن أن يكون عن طريق الفطرة السليمة ، ويمكن أن يكون عن طريق الدليل العقلي والبرهان العلمي . لكن تبقى فطرة المؤمن نقيه طاهرة , لأنها تناسب ماهيته وطبيعته , ولا تتصادم مع عقله وتفكيره ومبادئه . الإسلام دين الفطرة د. بدر عبد الحميد هميسه صيد الفوائد الموضوع : الإسلام دين الفطرة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
أبوسيفالمدير العام
تاريخ التسجيل : 28/10/2009
| |