موقف
عمر من البكاء على الموتى
بقي أن نعرف حقيقة موقف عمر رضي
الله عنه من البكاء ، وهل بالفعل كان ينهى الناس عما هو مشروع ومغروس في
فطرهم
، وما هو من مستلزمات العاطفة البشرية والرحمة الإنسانية .
فقدأثبت
البخاري في حديث عبد الله بن عمر أن عمر رضي
الله عنه كان يضرب فيه بالعصا ، ويرمى
بالحجارة ، ويحثي بالتراب ،
وثبت عنه أنه أخرج أخت
أبي بكر حين ناحت ،
وفي رواية ابن سعد أنه
أمر من يعلوها
بالدرة .
ولكن ما هو هذا البكاء الذي
كان عمر يضرب عليه ؟ ، هل هو البكاء
المجرد الذي لا يملك الإنسان دفعه
عن نفسه أم هو بكاء مخصوص ، إن حديث ابن عمر نفسه
- والذي ينقل فيه أن أباه كان يضرب
فيه بالعصا ، ويرمى بالحجارة ،
ويحثى بالتراب – يؤكد أن المقصود إنما هو
نوع معين من البكاء حيث قال ابن عمر : اشتكى سعد بن
عبادة شكوى له فأتاه النبي - صلى الله عليه
وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف و سعد بن
أبي وقاص و عبد الله
بن مسعود رضي
الله عنهم ، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال :
قد قضى ؟ قالوا :
لا يا رسول الله ، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -
فلما رأى القوم
بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم- بكوا ، فقال : ( ألا تسمعون ؟ إن الله لا يعذب بدمع العين
، ولا بحزن
القلب ، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم ، وإن
الميت يعذب
ببكاء أهله عليه ) ، ثم قال : " وكان عمر رضي
الله عنه
يضرب فيه بالعصا ويرمى بالحجارة ويحثى بالتراب .
فكيف يُثْبِت الحديث أن
النبي - صلى الله عليه وسلم- بكى ،
والصحابة بكوا لبكائه ، وقال لهم : إن
دمع العين من دون تسخط باللسان
لا شيء فيه ، ثم يقرر بعد ذلك أن الميت
يُعَذَّب بهذا البكاء ، لا شك
أن ذلك لا يستقيم عند أصحاب الفهم السليم ،
إلا أن يقال إن البكاء الذي
يعذب الميت بسببه والذي كان عمر يضرب عليه هو
بكاء من نوع آخر ، وهو ما كان من
قبيل النياحة ، ورفع الصوت والصراخ
والصياح ، وتعديد مآثر الميت ونحو ذلك ،
لما فيه من تجديد الحزن ،
وتسخط القضاء ، وعدم الصبر ، والنساء أسرع في
ذلك لغلبة العاطفة عندهن ،
وهذا النوع من البكاء هو الذي يعذب به الميت كما
ذكر ذلك من وجهوا
أحاديث الباب ، قال الإمام ابن عبد
البر في
الاستذكار (3/71) : " كل حديث أتى فيه ذكر البكاء فالمراد
به النياحة
عند جماعة العلماء " .
ومن
المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن
النياحة ، ولعن النائحة
والمستمعة ، كما نهى عن شق الجيوب ، ولطم الخدود ،
والدعاء بدعوى
الجاهلية ، وبرء من الصالقة والحالقة والشاقة ، وقال : ( ثلاث من أفعال الجاهلية : الطعن في
الأنساب
، والنياحة على الموتى ، والاستسقاء بالأنواء ) بل
أطلق
عليها لفظ الكفر فقال : ( اثنتان
في الناس هما بهم كفر : الطعن في الأنساب ، والنياحة على الميت )
، وعد العلماء ذلك من كبائر الذنوب ، فكيف يُنكَر على
عمر أن ينهى عن أمر من أمور الجاهلية ، وكبيرة من كبائر الذنوب ،
وأن
يعاقب على فعله ، وهو الغيور على محارم الله ، وفي موقع الولاية
والمسؤولية
.
ولذلك أورد الإمام البخاري رحمه الله
حادثة إخراجه لأخت أبي بكر
أم فروة حين ناحت تحت باب إخراج أهل المعاصي
والخصوم من البيوت بعد
المعرفة .
ولماذا يُنكر على عمر مثل
هذا الموقف وله في رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أعظم الأسوة ، فقد
أخرج البخاري
عن عائشة رضي
الله عنها قالت :
لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل بن حارثة و جعفر و بن رواحة جلس
يعرف فيه الحزن ، وأنا أنظر من شق
الباب ، فأتاه رجل فقال : إن نساء جعفر وذكر
بكاءهن ، فأمره أن ينهاهن ، فذهب ثم
أتاه الثانية ، لم يطعنه ، فقال :
انههن ، فأتاه الثالثة ، قال :
والله غلبننا يا رسول الله ، فقال عليه
الصلاة والسلام : ( فاحث في أفواههن
التراب )
.
وفي حديث جابر بن عتيك الذي أخرجه أبو
داود وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم-
قال : ( فإذا وجبت فلا تبكين باكية ، قالوا : وما الوجوب
يا رسول
الله ؟ قال الموت ) ، فهل يقال إن النبي - صلى الله عليه
وسلم-
نهى الناس عن البكاء على موتاهم ، أم يقال : إن المقصود إنما هو نوع
خاص
من البكاء ، وهو النياحة ورفع الصوت .
فتلخص من ذلك كله أنه لا يوجد تعارض
أبداً بين روايات تحريم
البكاء وروايات جوازه ، ولا بين هذه الروايات
والقرآن ، وأن البكاء
المجرد على الميت مسموح به طبْعًا وشرعًا ، فهو رحمة
في قلوب الرُّحماء
، وقد بكى أتقى الخلق وأخشاهم لله - صلى الله عليه وسلم-
، ولم يخرجه
ذلك عن إيمانه ورضاه بقضاء الله وقدره ، وأن أي قول أو فعل
يصاحب
البكاء ، ويتنافى مع التسليم لله ، والرضا بقضائه ، ويظهر منه الجزع
والتسخط
، فهو معصية وذنب عظيم ، وهو الذي جاءت فيه أحاديث النهي والوعيد
والله أعلم .
منقووووووووووووول للإفادة
الموضوع : أحاديث الرسول فى البكاء على الموتى المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya