بسم
الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
****************
بَيِّنَ رسولنا
الكريم صلى الله عليه وسلم ماهو الإسلام
وما معنى الإيمان
وما القصد بالإحسان
من خلال الحديث
الشريف التالى :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :
بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا
رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا
يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى
ركبتيه ، ووضح كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد
أخبرني عن الإسلام " ، فقال له : ( الإسلام
أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) ، قال : "
صدقت " ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال : ( أن
تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره
) ، قال : " صدقت " ، قال : " فأخبرني عن الإحسان " ، قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك
) ، قال : " فأخبرني عن الساعة " ، قال : (ما المسؤول بأعلم من السائل ) ، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال : ( أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء
الشاء ، يتطاولون في البنيان ) ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : ( يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ) ، قلت : " الله ورسوله أعلم " ، قال : ( فإنه
جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )
رواه مسلم
.
الشرح
هذا الحديث عظيم القدر ، كبير الشأن ، جامع لأبواب الدين كله ، بأبسط أسلوب
، وأوضح عبارة ، ولا نجد وصفا جامعا لهذا الحديث أفضل من قوله صلى الله
عليه وسلم :
( فإنه
جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
وقد تناول الحديث الذي بين أيدينا حقائق الدين الثلاث : الإسلام والإيمان والإحسان ، وهذه المراتب الثلاث
عظيمة جدا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى علق عليها السعادة والشقاء في الدنيا
والآخرة ، وبين هذه المراتب ارتباط وثيق ، فدائرة
الإسلام أوسع هذه الدوائر ، تليها دائرة الإيمان فالإحسان ،
وبالتالي فإن كل محسن مؤمن ، وكل مؤمن مسلم ، ومما سبق يتبيّن لك سر العتاب
الرباني على أولئك الأعراب الذين ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، وهو لم
يتمكّن في قلوبهم بعد ، يقول الله في كتابه { قَالَتِ
الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا
وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات14، فدل هذا على أن الإيمان أخصّ وأضيق دائرةً من
الإسلام .
وإذا أردنا التعمّق في فهم المراتب السابقة ، فإننا نجد أن الإسلام : هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع ،
والاستسلام له بطاعته ظاهرا وباطنا ، وهو الدين الذي امتن الله به على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأمته ، وجعله دين البشرية كلها إلى قيام الساعة ،
ولا يُقبل من أحد سواه ، وللإسلام أركان ستة كما جاء في الحديث ، أولها
شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وفي الجمع بينهما في ركن
واحد إشارة لطيفة إلى أن العبادة لا تتم ولا تُقبل إلا بأمرين : الإخلاص
لله تعالى ، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في قوله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً
} الكهف110
والملاحظ
هنا أن الحديث فسّر الإسلام هنا بالأعمال الظاهرة وذلك لأن الإسلام
والإيمان قد اجتمعا في سياق واحد ، وحينئذ يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة
كما أشرنا ، ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات وأعمال القلوب .
أما الإيمان فيتضمن أمورا ثلاثة : الإقرار
بالقلب ، والنطق باللسان ، والعمل بالجوارح والأركان ، فالإقرار بالقلب
معناه أن يصدق بقلبه كل ما ورد عن الله تعالى ، وعن رسوله صلى الله عليه
وسلم من الشرع الحكيم ، ويسلّم به ويذعن له ، ولذلك امتدح الله المؤمنين
ووصفهم بقوله{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ }الحجرات15، ويقابل ذلك النفاق ، فالمنافقون مسلمون
في الظاهر ، يأتون بشعائر الدين مع المسلمين ، لكنهم يبطنون الكفر والبغض
للدين .
والمقصود بالنطق باللسان هو النطق بالشهادتين ، ولا يكفي مجرد الاعتراف
بوجود الله ، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم دون أن يتلفّظ
بالشهادتين ، بدليل أن المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق
المدبر ، كما قال عزوجل{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ
وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
}يونس31 ، ولكنهم امتنعوا عن قول كلمة التوحيد ، واستكبروا { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ }الصافات35، وها هو أبوطالب عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يقر بنبوة ابن أخيه ، ويدافع عنه وينصره ، بل كان
يقول:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير
أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبّة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فلم ينفعه ذلك ، ولم يخرجه من النار ؛ لأنه لم يقبل أن يقول كلمة الإيمان
ومفتاح الجنة ، ولهذا كانت هذه الكلمة هي التي تعصم أموال الناس ، وتحقن
دماءهم ، ففي الحديث الصحيح :
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا
مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله ) متفق عليه ، وقد أجمع العلماء على أن من لم ينطق
الشهادتين بلسانه مع قدرته ، فإنه لا يُعتبر داخلاً في الإسلام .
أما العمل بمقتضى هذا الإيمان ، فهو قضية من أعظم
القضايا التي غفل الناس عن فهمها ، فالإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل ،
والشريعة مليئة بالنصوص القاطعة الدالة على ركنيّة العمل لصحّة الإيمان ،
فقد قال تعالى{ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ
ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } النور47
ولا شك أن ترك العمل بدين الله من أعظم التولي عن
طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وبهذا يتبين لك ضلال من ابتعد عن نور الله ، وترك العمل بشريعته ، فإذا
نصحته بصلاة أو زكاة احتج لك بأن الإيمان في القلب ، ونسي أن العمل يصدق
ذلك أو يكذبه - كما قال الحسن البصري رحمه الله - ، إذ لو كان إيمانه صادقا
لأورث العمل ، وأثمر الفعل ، كما قيل :
والدعاوى
مالم يقيموا عليها بينـات أصحابها أدعياء
وإذا كان الإيمان متضمنا لتلك الأمور الثلاثة ، لزم أن يزيد وينقص ، وبيان
ذلك : أن الإقرار بالقلب يتفاوت من شخص لآخر ، ومن حالة إلى أخرى ، فلا شك
أن يقين الصحابة بربهم ليس كغيرهم ، بل الشخص الواحد قد تمرّ عليه لحظات من
قوة اليقين بالله حتى كأنه يرى الجنة والنار ، وقد تتخلله لحظات ضعف وفتور
فيخفّ يقينه ، كما قال حنظلة رضي الله عنه : " نكون
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأي عين
، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج
والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا " ، إذاً فإقرار القلب متفاوت ،
وكذلك الأقوال والأعمال ؛ فإن من ذكر الله كثيرا ليس كغيره ، ومن اجتهد في
العبادة ، وداوم على الطاعة ، ليس كمن أسرف على نفسه بالمعاصي والسيئات.
وأسباب زيادة الإيمان كثيرة ، منها : معرفة أسماء الله وصفاته ؛ فإذا علم
العبد صفة الله " البصير " ابتعد عن معصية الله
تعالى ، لأنه يستشعر مراقبة الله له ، وإذا قرأ في كتاب الله قوله تعالى
{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن
تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن
تَشَاء وَتُعِزُّ
مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26 اطمأن قلبه ، ورضي بقضاء
الله وقدره ، ومنها : كثرة ذكر الله تعالى ؛ لأنه غذاء القلوب ، وقوت
النفوس ، مصداقا لقوله تعالى { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }الرعد28، ومن أسباب زيادة الإيمان : النظر
في آيات الله في الكون ، والتأمل في خلقه ، كما قال تعالى { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ
أَفَلَا تُبْصِرُونَ } الذاريات 20 -21
ومنها :
الاجتهاد في العبادة، والإكثار من الأعمال الصالحة .
ثم تناول الحديث - الذي بين أيدينا - مرتبة الإحسان
، وهي أعلى مراتب الدين وأشرفها ، فقد اختص الله أهلها بالعناية ، وأيدهم
بالنصر ، قال عزوجل { إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ
اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } النحل128، والمراد
بالإحسان هنا قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك
) ، وهذه درجة عالية ولا شك ، لأنها تدل على إخلاص صاحبها ، ودوام مراقبته
لله عزوجل .
ثم سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها ، فبيّن النبي صلى الله عليه
وسلم أنها مما اختص الله بعلمه ، وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا
الله ، لكنه بين شيئا من أماراتها ، فقال : ( أن
تلد الأمة ربتها ) ، يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا ، وهذه
البنت تصبح سيدة تملك الإماء ، وهذا كناية عن كثرة الرقيق ، وقد حصل هذا في
الصدر الأول من العهد الإسلامي ، أما العلامة الثانية : ( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في
البنيان ) ، ومعناه أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل للغنى ولا
للتطاول ، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة ، والقصور الباهرة .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا علما ً نافعا
ً، وعملا ً
صالحا ً متقبلا ً، والحمد لله رب العالمين .
الموضوع : بيان الإسلام والإيمان والإحسان من خلال الحديث الشريف المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya