فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثواب عليه ثواب المصائب التى يبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض والألم ونحوهما.
واعلَم أنّه ... فلاحزن على دُنيَا إن كانَ اللهُ معَك وقولُ اللهِ تعالى حكايةً عن نبيِّه :
" لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعنَا "
فدلَّ أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له وللحزن؟
رأى إبراهيم بن أدم رجلا مهموما
فقال له: أيها الرجل إني أسألك عن ثلاث تجيبني .
قال الرجل: نعم.
* فقال له إبراهيم بن أدهم: أيجري في هذا الكون شئ لا يريده الله؟
قال : كلا
* قال إبراهيم : أفينقص من رزقك شئ قدره الله لك؟
قال: لا
* قال إبراهيم: أفينقص من أجلك لحظة كتبها الله في الحياة؟
قال: كلا
فقال له إبراهيم بن أدم:فعلام الحزن يا رجُل؟!!
وها أنَا أُجدِّد السّؤال لكلِّ مَهمومٍة حزِينة.
علامَ الحزن يا غالية؟!!
يقول الإمام الشّافعيّ في بعض أبياتِ شِعرِه
سهرت أعيـن ، ونامـت عيون ... في أمور تكون أو لا تكون فادرأ الهم ما استطعت عن النفس ... فحملانك الهموم جـنـون إن ربـاً كفـاك بالأمس ما كان ... سيكفيك في غـدٍ ما يكون
** لا حزَنَ معَ الله ** ** وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله **
فمن حصل الله فعلى أى شيء يحزن؟!! ومن فاته الله فبأَى شيء يفرح؟
قال تعالى:" قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا "[يونس: 58]،
فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه
( والمؤمن إما أن يحزن.. على تفريطه وتقصيره في طاعة ربه وعبوديته،
وإما أن يحزن على تورّطه فى مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته.
وهذا يدل على صحة الإيمان فى قلبه وعلى حياته، حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه، ولو كان قلبه ميتاً لم يحس بذلك ولم يحزن ولم يتألم، فما لجرح بميت إيلام، وكلما كان قلبه أشد حياة كان شعوره بهذا الألم أقوى، ولكن الحزن لا يجدى عليه، فإنه يضعفه كما تقدم.
بل الذى ينفعه أن يستقبل السير ويجد ويشمر، ويبذل جهده، وهذا نظير من انقطع عن رفقته فى السفر، فجلس فى الطريق حزيناً كئيباً يشهد انقطاعه ويحدث نفسه باللحاق بالقوم.
فكلما فتر وحزن حدث نفسه باللحاق برفقته، ووعدها إن صبرت أن تلحق بهم، ويزول عنها وحشة الانقطاع.
فهكذا السالك إلى منازل الأبرار، وديار المقربين) * .
هُنَا بإذنِ الله يتِم وضع كلّ ما يُسري عن قَلبِ المُسلِم الحَزين لعلّ اللهَ يشرَح بها صدرَه .. ويُسلِم للهِ أمرَه ... ويرضى بقضاءِ ربّه...
فمرحبًا بكلِّ مُشَارَكة تُدخِل السّرور على المَهمومِ فتجعله يخلع ثوب الحزنِ عنه ويشمّر ساعديه ليلحق بركب السّائرين إلى الله ...
ويكون شعاره
أسأل الله أن يزيح عن كلّ مهمومة همّها...و أن يفرّج عن كلّ مكروبة كربها