الحمد لله الذي أنزل القرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت
للنّاس. الحمد لله الذي فرض على عباده الصيام. والصلاة والسلام على من رغب
في رمضان القيام. نبينا محمد وعلى آله وصحابته الكرام.. وبعد:
ها هو رمضان يطل علينا بعد عام, فمرحباً بك يا رمضان. يا شهر الرحمة
والمغفرة والرضوان, والعتق من النيران. شهر رمضان هو شهر القرآن. قال تعالى
: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} فالقرآن
كلام الله عز وجل. فمن أراد أن يناجي الخالق سبحانه من الله تعالى. فعليه
بقراءة وتلاوة القرآن الكريم فهو الهدى والنور المبين. ففيه التعرفة
والتبصرة بالطريق الصحيح المؤدي إلى جنّة الرضوان بإذن الواحد الديان. فيه
تبيان الحلال والحرام. فيه أخبار السابقين. وأنباء اللاحقين. وفيه الفصل
لما بين النّاس. كلما قرأه المسلم ثم عاد إليه، فإنّه يشتاق إليه. فلا يمل
من قراءته القارئ أبداً. فمن أراد الاطمئنان فعليه بالقرآن. ومن أراد
الراحة والسكينة فعليه بالقرآن. ومن أراد الخشوع والإنابة فعليه بالقرآن.
قال تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}
فمن ذكر الله تعالى تلاوة وقراءة القرآن الكريم. فهو حبل الله المتين. وهو
الجد ليس بالهزل. ومن قرأ حرفاً واحداً منه فله به عشر حسنات والله يضاعف
لمن يشاء والله واسع علي. قال صلى الله عليه وسلم : «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها· لا أقول آلم حرفاً ولكن ألف حرف· ولام حرف· وميم حرف» [الترمذي وقال حسن صحيح]. ففضل القرآن عظيم. قال صلى الله عليه وسلم : «إنّ الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» [الترمذي وقال حسن صحيح]. والأحاديث في فضل قراءة القرآن كثيرة.
أخي الكريم:
لو تأملنا حال السلف مع القرآن في رمضان لوجدنا عجباً. فتعال بنا نقلب
صفحات التاريخ لنعرف كيف كان حال السلف الصالح مع كتاب الله عز وجل في شهر
القرآن، شهر رمضان.
كان الإمام مالك - رحمه الله - إذا دخل عليه شهر رمضان أغلق على كتبه وأخذ
المصحف ومنع الفتوى والمساءلة مع النّاس. وقال هذا هو شهر رمضان هذا هو شهر
القرآن فيمكث في المسجد حتى ينسلخ شهر رمضان.
وكان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - الزاهد العابد إمام أهل السنة إذا
دخل شهر رمضان دخل المسجد ومكث فيه يستغفر ويسبح وكلما انتقض وضوءه عاد
فجدد وضوءه فلا يعود لبيته إلّا لأمر ضروري من أكل أو شرب أو نوم هكذا حتى
ينسلخ شهر رمضان ثم يقول للنّاس. هذا هو الشهر المكفر فلا نريد أن نلحق به
الأشهر الأخرى في المعاصي والخطايا والذنوب.
شهر رمضان هو شهر القرآن فينبغي على المسلم أن يكثر فيه من قراءة كتاب الله
تعالى. وقد كان حال السلف العناية بكتاب الله الكريم. فكان جبريل يدارس
النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان. وكان عثمان رضي الله عنه يختم
القرآن كل يوم مرة. وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال.
وبعضهم في كل سبع. وبعضهم في كل عشر. فكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي
غيرها. فكان للشافعي ستون ختمة في رمضان يقرؤها في غير الصلاة. وكان الأسود
يختم القرآن في رمضان كل ليلتين. وكان قتادة يختم في رمضان كل ثلاث. وفي
العشر كل ليلة. وكان الزهري إذا دخل شهر رمضان يفر من قراءة الحديث ومن
مجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف. وكان سفيان الثوري إذا
دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
كان ذلك هو حال بعض السلف مع القرآن في رمضان. فما هو يا ترى حال الخلف في
هذا الزمان مع القرآن في رمضان؟ ماهو حالنا مع كتاب الله عز وجل؟
حالنا اليوم مع كتاب الله تعالى حال تأسف لها النفوس، وتندى لها الأفئدة،
وتدمع لها العيون. حالنا اليوم حال من ضيع شيئاً ثميناً ويطلبه ويبحث عنه
وهو أمامه ولكن عميت عنه بصيرته. حالنا حال من منّ الله عليه بكنز ولكن ما
عرف كيف يتصرف به. هذا هو الحال. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
انظر إلى حال النّاس اليوم مع القرآن الكريم. فمن النّاس من إذا دخل المسجد
صلى ركعتين تحية المسجد ثم جلس صامتاً ينتظر إقامة الصلاة. والمسجد ملئ
بالمصاحف ولكن عميت بصيرته فلا هم له إلّا أن تقام الصلاة. أمّا القرآن لا
مكان له في قلبه. ولو قدمت إليه المصحف ليقرأ. قال: شكراً شكراً، وكأنّه
امتلأ بالحسنات. فلا إله إلّا الله. وحال بعض من النّاس اليوم مع القرآن
حال محزنة، حال مؤثرة، تركوا كتاب الله، تركوا دستور هذه الأمة، وانكبوا
على اللهو واللعب، ومشاهدة الخبيث من الأفلام والمسلسلات الهابطة التي في
ظاهرتها السلامة وفي باطنها تبث أنواعاً من السموم والندامة. انكبوا على
تحريك القنوات الفضائية لمشاهدة العاهرات والفاجرات، ومتابعة الملهيات وما
يدعو إلى السيئات. انكبوا على الأكل والشرب وكثرة النوم، فالليل لعب ولهو
وسهر إلى طلوع الفجر، والنهار نوم إلى قبيل الغروب، والقرآن لا مكان له في
القلوب، لا محل له في جدول أولئك النّاس، فلا حول ولا قوة إلّا بالله. فأين
هؤلاء الخلف من أولئك السلف؟ ما هو حالنا مع القرآن في رمضان في هذا
الوقت؟ فحال البعض ضياع ودمار وقتل للوقت والنفس وهولا يدري، فغيبة ونميمة
وكذب وغش وخداع وبغضاء وشحناء. هكذا يتم قضاء الوقت في هذا الزمان مع
الكثير من النّاس.
أخي الكريم: لا نقول
لك أختم القرآن كل يوم ولا كل أسبوع، ولكن اختم القرآن على الأقل كل شهر.
وإليك الطريقة التي قد تستطيع أن تختم بها القرآن كل شهر بإذن الله تعالى.
القرآن ثلاثون جزءاً، وكل جزء عشر ورقات. فلو قرأت بين الأذان والإقامة في
كل صلاة ورقتين في خمس صلوات. فهذه عشر ورقات. وهي جزء، وقد تحتاج إلى أن
تزيد شيئاً يسيراً إذا كان الشهر ناقصاً.
أخي الكريم:
خصص لكتاب الله جزءاً من وقتك حتى تقرأه فيه, فخصص ساعة أو نصف ساعة كل
يوم للقرآن الكريم تراجع فيه وتحفظ منه ما تيسر لك. حاول أن تختم كتاب الله
لتجده اللذة، والطمأنينة، ولتشعر بالسكينة، وتحفك الملائكة، وتغشاك
الرحمة, رحمة رب العباد. حاول وستجد أنّ ذلك سهلاً ميسراً بإذن الله تعالى.
إنّها أمور يندى لها الجبين، ويتفطر لها القلب؛ عندما ترى تلك السهرات
والجلسات على الأرصفة في ليالي شهر رمضان المبارك، والتي يتم فيها معصية
الخالق سبحانه، يعصون الله تعالى في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النّار،
بينما لا مكان في قلوب أولئك للقرآن. فهي جلسات إلى قبيل الفجر، ثم نوم
إلى قبيل الغروب. فأين هؤلاء الخلف من أولئك السلف؟!! فرق شاسع وواسع بين
الفريقين. ضعف الإيمان واليقين فحصل هذا البعد عن حبل الله المتين. أين
هؤلاء من قول المولى - جل وعلا : {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورا} وأين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم : «الصيام
والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام
والشهوة فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال:
فيشفعان» [رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني· فأولئك لم يعرفوا حقيقة الصيام والقرآن].
فأحوال النّاس مع القرآن في رمضان أحوال عجيبة. فمن النّاس من لا يعرف
القرآن في رمضان ولا غير رمضان. ومن النّاس من لا يعرف القرآن إلّا في
رمضان فتجده يقرأ القرآن في رمضان لعدة أيام ثم ما يلبث أن يترك القراءة
وينكب على اللعب واللهو، فهذا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. ومن
النّاس من يختم القرآن الكريم في رمضان ولكنه لاه القلب أعمى البصيرة لا
يتدبر ولا يتأمل كلام الله عز وجل، وكأنّه في سجن؛ فإذا انسلخ شهر رمضان
وضع المصحف وأحكم عليه الوثاق ولسان حاله يقول: وداعاً إلى رمضان القادم،
وكأنّه أيقن أنّه سيدرك رمضان القادم. فلا حول ولا قوة إلّا بالله. قال صلى
الله عليه وسلم : «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين».
هذا هو كتابنا إن لم نقرأه نحن فمن الذي سيقرأه إذن. أننتظر من غيرنا أن يقرأ كتابنا، والله تعالى يقول: {إِنَّ
هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً
كَبِيرا)
يقول تعالى : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} وقال صلى الله عليه وسلم : «اقرؤوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» [مسلم]· وقال عليه الصلاة والسلام : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» [البخاري]· هذا هو الحال مع القرآن في شهر رمضان شهر القرآن.
وأمّا حال النساء مع رمضان فعجيب جد عجيب؛ فقد حولن شهر القرآن والقيام إلى
شهر طبخ وطعام. فلا همّ لهنّ إلّا الطبخ والتفنن والتأنق فيه، فالشغل
الشاغل لكثير منهن كم ستقدم من أصناف الطعام والشراب على مائدة الإفطار
والعشاء والسحور. فأصبح هذا الشهر عندهن هو شهر طعام وشراب. فلا حول ولا
قوة إلّا بالله. فتجد إحداهن تجهد نفسها من الليل ماذا ستعمل؟ وماذا ستقدم
على مائدة الإفطار، وإذا انتهى الإفطار بسلام بدأت تفكر وتفكر ماذا ستقدم
على مائدتي العشاء والسحور؟ وبين ذلك تعكف على الجلوس الطويل أمام الشاشات
لمشاهدة الهابط من المسلسلات وغيرها مما يعرض في القنوات. فحالهن إسراف
وتبذير. وأمّا القرآن فبخل وتقتير. القرآن لا مكان له، ولا أهمية له عند
الكثيرات فرحماك يارب الأرض والسموات!! فها هو الحال اليوم مع القرآن في
رمضان هجران وترك ونسيان. فما هذا التفريط والعصيان؟! وما هذا البعد عن
الواحد الديان؟!
أخي المسلم، أختي المسلمة:
الواجب عليكما تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر فهو سبب لحياة القلوب
ونورها، وقوة الإيمان، وطرد الشيطان، وإيّاكما وهجران القرآن؛ فهجرانه يورث
النفاق، وعمى القلب، والغفلة، وتسليط الشيطان.
فهذا هو الحال مع القرآن في شهر رمضان؛ فإلى الله نشتكي هذا الهجران،
والبعد عن قراءة القرآن. نشكوا إلى الله قسوة القلوب، وكثرة الذنوب، فأين
المشمرون؟ وأين الراغبون فيما عند الله تعالى؟ فينبغي على المسلم المداومة
على قراءة القرآن في شهر رمضان؛ لأنّه الشهر الذي أنزل فيه القرآن. وينبغي
على المسلم أن يغتنم هذه الفرص في هذه الأوقات الفاضلة، وفي هذا الشهر
خصوصاً؛ لأنّ فيه ليلة هي خير من ألف شهر. فأي خسارة لمن مر عليه رمضان ولم
يستفد منه، وأي تضييع لمن مر عليه رمضان ولم يقتنص تلك الفرص.
أخي الكريم: احرص على المداومة على قراءة القرآن الكريم في كل الأوقات وخصوصاً شهر رمضان شهر القرآن، قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}
اللّهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء همومنا واجعل شافعاً
لنا يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.
هذاوالله اعلم وصلى الله وسلم
الموضوع : رمضااااان وحالنا مع القران المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya