الحمد لله الذي أنشأ وبرا، وخلق الماء والثرى ، وأبدع كل شيء وذرا ، لا
يغيب عن بصره صغير النمل في الليل إذا سرى ، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في
الأرض ولا في السماء ، (( له ما في السماوات وما في
الأرض وما بينهما وما تحت الثرى * وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى *
الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى )) ]طه 6-8 [
إخواني : لقد أظلنا شهر كريم ، وموسم عظيم ، يعظم الله فيه الأجر ويجزل
المواهب ، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب ، شهر الخيرات والبركات ، شهر
المنح والهبات ، (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )) ] البقرة : 185 بالرحمة والمغفرة ، والعتق من النار أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ،
وآخره عتق من النار. اشتهرت بفضله الأخبار وتواترت فيه الآثار ، ففي
الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين )) . وإنما
تفتح أبوب الجنة في هذا الشهر لكثرة الأعمال الصالحة وترغيبا للعاملين ،
وتغلق أبوب النار لقلة المعاصي من أهل الإيمان ، وتصفد الشياطين فتغل فلا
يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غيره .
وروي الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((
أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبلها ؛ خلوف فم
الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ،
ويزين الله كل يوم جنته ويقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة
والأذى ويصيروا إليك ، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا
يخلصون إليه في غيره ، ويغفر لهم في آخر ليلة ، قيل يا رسول الله أهي ليلة
القدر ؟ قال : لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله )) .إخواني
: هذه الخصال الخمس ادخرها الله لكم ، وخصكم بها من بين سائر الأمم ، ومنّ
عليكم ليتمم بها عليكم النعم ، وكم لله عليكم من ونعم وفضائل (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن النكر وتؤمنون بالله ))
# الخصلة الأولى #
:أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، والخلوف بضم الخاء أو
فتحها تغير رائحة الفم عند خلو المعدة من الطعام . وهي رائحة مستكرهة عند
الناس لكنها عند الله أطيب من رائحة المسك لأنها ناشئة عن عبادة الله
وطاعته . وكل ما نشأ عن عبادته وطاعته فهو محبوب عنده سبحانه يعوض عنه
صاحبه ما هو خير وأفضل وأطيب . ألا ترون إلى الشهيد الذي قتل في سبيل الله
يريد أن تكون كلمة الله هي العليا يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دماً لونه
لون الدم وريحه ريح المسك ؟ وفي الحج يباهي الله الملائكة بأهل الموقف
فيقول سبحانه (( انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤوني شعثاً غبراً )) رواه احمد ابن حبان في صحيحه . وإنما كان الشعث محبوبا إلى الله في هذا الموطن لأنه ناشئ عن طاعة الله باجتناب محظورات الإحرام وترك الترفه .
# الخصلة الثانية # : أن الملائكة تستغفر لهم حتى يفطروا . والملائكة عباد مكرمون عند الله (( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون ))] التحريم
: 6 بأن يستجيب الله دعائهم للصائمين حيث أذن الله لهم
بالاستغفار للصائمين من هذه الأمة تنويهاً بشأنهم ، ورفعة لذكرهم ، وبيانا
لفضيلة صومهم ، والاستغفار : طلب المغفرة وهي ستر الذنوب في الدنيا والآخرة
والتجاوز عنها . وهي من أعلى الطالب وأسمى الغايات فكل بني آدم خطاؤون
مسرفون على أنفسهم مضطرون إلى مغفرة الله عز وجل .
# الخصلة الثالثة # :أن الله يزين كل يوم جنته ويقول (( يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك ))
فيزين تعالى جنته كل يوم تهيئة لعباده الصالحين ، وترغيبا لهم في الوصول
إليها ، ويقول سبحانه : ((يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة
والأذى )) يعني : مؤونة الدنيا وتعبها وأذاها ويشمروا إلى الأعمال الصالحة
التي فيها سعادتهم في الدنيا والآخرة والوصول إلى دار السلام والكرامة .
# الخصلة الرابعة # : أن مردة الشياطين يصفدون
بالسلاسل والأغلال فلا يصلون إلى ما يريدون من عباد الله الصالحين من
الإضلال عن الحق ، والتثبيط عن الخير . وهذا من معونة الله لهم أن حبس عنهم
عدوهم الذي يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير . ولذلك تجد عند الصالحين
من الرغبة في الخير والعزوف عن الشر في هذا لشهر أكثر من غيره .
# الخصلة الخامسة #
: أن الله يغفر لأمة محمد صلي الله عليه وسلم في آخر ليلة من هذا الشهر
إذا قاموا بما ينبغي أن يقوموا به في هذا الشهر المبارك من الصيام والقيام
تفضلا منه سبحانه بتوفية أجورهم عند انتهاء أعمالهم فإن العامل يوفى أجره
عند انتهاء عمله .
وقد تفضل سبحانه على عباده بهذا الأجر من وجوه ثلاثة :
الوجه الأول :
أنه شرع لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سببا لمغفرة ذنوبهم ورفعة درجاتهم
. ولولا أنه شرع ذلك ما كان لهم أن يتعبدوا الله بها . فالعبادة لا تؤخذ
إلا من وحي الله إلى رسله . ولذلك أنكر الله على من يشرعون من دونه ، وجعل
ذلك نوعا من الشرك فقال سبحانه (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ))
الوجه الثاني : أنه وفقهم للعمل الصالح وقد تركه كثير من الناس . ولولا معونة الله لهم وتوفيقه ما قاموا به . فلله المنة والفضل بذلك .
(( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين )) الحجرات : 17
الوجه الثالث : إنه تفضل بالأجر الكثير الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة .
إخواني : بلوغ رمضان نعمة كبيرة على من بلغه وقام بحقه بالرجوع إلى ربه من
معصية إلى طاعة ، ومن الغفل عنه إلى ذكره ، ومن البعد عنه إلى الإنابة إليه
.
الموضوع : في فضل شهر رمضان ارجوا الدخول للفائده المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya