الحمد لله مستحق الحمد.. والصلاة والسلام على رافع لواء المجد...
لقد انقسم الناس بعد رمضان إلى أقسام
1-
الصنف الأول : قوم كانوا على خير وطاعة ، فلما جاء رمضان شمروا عن سواعدهم
، وضاعفوا من جهدهم و جعلوا رمضان غنيمة ربانية ، و منحة إلاهية ،
استكثروا من الخيرات ، و تعرضوا للرحمات ، وتداركوا ما فات ، فلعله أن تكون
قد أصابتهم نفحة من النفحات .
فما انقضى رمضان إلا و قد حصلوا زادا عظيما، علت رتبتهم عند الله ، و زادت درجتهم في الجنات، و ابتعدوا عن النيران .
علموا أن لا مستراح لهم إلا تحت شجرة طوبى، فاتعبوا هذه النفوس في الطاعات .
علموا أن الصالحات ليست حكرا على رمضان ، فلا تراهم إلا صوما قوما ،
حافظوا على صيام الست في شوال ، حافظوا على صيام الاثنين و الخميس و الأيام البيض.
دمعتهم على خدودهم في جوف الليل، و عند الأسحار استغفار أشد من استغفار أهل الأوزار .
.يعيشون بين الخوف و الرجاء، حالهم كما قال الله ( و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة أنهم إلى ربهم راجعون ).
في
السنن من حديث عائشة ( قالت : قرأ رسول الله هذه الآية ، فقلت يا رسول
الله : أهم الذي يسرقون و يزنون و يشرب الخمر و يخافون من الله .
فقال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يا ابنة الصديق ، ولكنهم أقوام يصلون و
يصومون و يتصدقون و يخافون أن يرد الله عليهم ذلك ) ....
فهؤلاء هم المقبولون ،هؤلاء هم السابقون ، هؤلاء هم الذين عتقت رقابهم ، و بيضت صحائفهم .
فطوبى ثم طوبى لهم.
2-
الصنف الثاني : قوم كانوا قبل رمضان في غفلة و سهو و لعب ، فلما أقبل
رمضان أقبلوا على الطاعة و العبادة ، صاموا و قاموا ، قرأوا القران و
تصدقوا ودمعت عيونهم و خشعت قلوبهم ، و لكن ما أن ولى رمضان حتى عادوا إلى
ما كانوا عليه ،عادوا إلى غفلتهم ، عادوا إلى ذنوبهم .
فهؤلاء نقول لهم :
من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد مات ، و من كان يعبد الله فان الله حي لا يموت .
أن الذي أمرك بالعبادة في رمضان هو الذي أمرك بها في غير رمضان .
يا عبد الله
يا من عدت إلى ذنبوك و معاصيك و غفلتك :
تمهل قليلا ، تفكر قليلا:
كيف تعود إلى السيئات ، و ربما قد طهرك الله منها .
كيف تعود إلى المعاصي و ربما محاها الله من صحيفتك
يا عبد الله
أيعتقك الله من النار فتعود إليها ؟ أيبيض الله صحيفتك من الأوزار و أنت تسودها مرة أخرى ؟
يا عبد الله :
آه لو تدري أي مصيبة وقعت فيها .
آه لو تدري أي بلاء نزل بك ، لقد استبدلت بالقرب بعدا، و بالحب بغضا .
يا عبد الله
إياك أن تكون كالتي نقضت غزالها من بعد قوة انكاثا .
لا تهدم ما بنيت ، لا تسود ما بيضت ، لا ترجع إلى الغفلة و المعصية فو الله أنك لا تضر إلا نفسك
يا عبد الله إنك لا تدري متى تموت ، لا تدري متى تغادر الدنيا .
فاحذر
أن تأتيك منية و أنت قد عدت إلى الذنوب و المعاصي . و تذكر ( إن الله لا
يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فغير من حالك ، اترك ذنوبك ، أقبل
على ربك حتى يقبل الله عليك .
3-
الصنف الثالث : قوم دخل رمضان و خرج رمضان ، وحالهم كحالهم ، لم يتغير
منهم شيء ، ولم يتبدل من أمر ، بل ربما زادت آثامهم ، وعظمت ذنوبهم ، و
اسودت صحائفهم ، و زادت رقابهم إلى النار غلا . هؤلاء هم الخاسرون حقا .
عاشوا عيشة البهائم ، لم يعرفوا لماذا خلقوا عوضا أن يعرفوا قدر رمضان و
حرمة رمضان ، ولقد سمعت و الله أحدهم يتبجح و يجاهر بالفطر في نهار رمضان .
فهؤلاء ليس أمام حيلة معهم إلا أن ندعوهم إلى التوبة النصوح ، التوبة
الصادقة ، و من تاب ، تاب الله عليه.
ورحم الله سلف هذه الأمة ، فو الله أن كلامهم لقليل و لكنه يحي القلوب .
قال أبو الدرداء :
( لو أن أحدكم أراد سفرا ، أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ؟ قالوا: بلى .
قال: سفر يوم القيامة أبعد ، فخذوا ما يصلحكم ؛
حجوا لعظائم الأمور .
صوموا يوما شديد حره لحر يوم النشور .
صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور .
تصدقوا بالسر ، ليوم قد عسر )
و قال الحسن البصري : ( إن الله جعل رمضان مضمار لخلقه ؛ يتسابقون فيه بطاعته
فسبق قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا .
فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر المبطلون
الموضوع : أقسام الناس بعد رمضان المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya