[center]- باب ما جاء في كثرة الحلف
أي من النهي عنه والوعيد والذم لمن كان كذلك
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن كثرة الحلف ينافي كمال التوحيد؛ لأن اليمين إنما شرعت تأكيدًا للأمر المحلوف عليه وتعظيمًا للخالق، ولهذا وجب أن لا يحلف إلا بالله وكان الحلف بغيره من الشرك ومن تمام هذا التعظيم ألا يحلف بالله إلا صادقًا ومن تمام هذا التعظيم أن يحترم اسمه العظيم عن كثرة الحلف، فالكذب وكثرة الحلف تنافي التعظيم الذي هو روح التوحيد.
قال تعالى: }وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ{([1]).
س: ما معنى هذه الآية واذكر ما يستفاد منها وما الأيمان؟
جـ: المعنى لا تتركوها بغير تكفير، وقيل احفظوا أيمانكم عن الحنث فلا تحنثوا فيها وقيل لا تكثروا من الحلف، وهذا الأخير هو مراد المؤلف والحديث عام وشامل للجميع.
والأيمان جمع يمين وهي الحلف، أمرهم الله تعالى بحفظ الأيمان وعدم المسارعة إليها أو إلى الحنث فيها.
ويستفاد من الآية: الأمر بحفظ الأيمان والنهي عن كثرة الحلف والنكث ما لم يكن على فعل بر أو إصلاح بين الناس لقوله r: «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير» رواه البخاري ومسلم.#
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله r يقول «الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب» أخرجاه، أي البخاري ومسلم.
س: ما المقصود بالحلف هنا، وبين معاني الكلمات الآتية: منفقة، السلعة، ممحقة. وما معنى هذا الحديث؟
جـ: المقصود بالحلف هنا: اليمين الكاذبة، ومعنى منفقة: من النفاق بفتح النون، وهو الرواج ضد الكساد. والسلعة: بكسر السين المتاع. ومعنى ممحقة: من المحق وهو النقص والمحو والإبطال.
ومعنى الحديث: أن الحلف الكاذب وإن زاد في المال فإنه يمحق البركة من البيع لأن الثمن -وإن زاد- فإن محق البركة يفضي إلى اضمحلال الزيادة.
عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه» رواه الطبراني بسند صحيح.
س: ما الذي يؤخذ من نفي كلام الرب تعالى عن هؤلاء العصاة؟ وكيف عظمت عقوبتهم وما معنى لا يزكيهم؟
جـ: نفي كلام الله تعالى عنهم دليل على أنه تعالى يكلم من أطاعه وأن الكلام صفة من صفات كماله. ولما عظم ذنب هؤلاء الثلاثة عظمت عقوبتهم فعوقبوا بهذه الثلاث التي هي أعظم العقوبات. ومعنى لا يزكيهم لا يزيدهم خيرًا ولا يثني عليهم ولا يطهرهم من دنس الذنوب.
س: ما المراد بالأشيمط، ولماذا صغر وكيف خص بالوعيد على الزنا مع أنه كبيرة وحرام على الصغير والكبير؟#
جـ: الأشيمط تصغير أشمط وهو الرجل الكبير الذي علاه الشيب وصغر تحقيرًا له، وخص بالوعيد لأن داعي المعصية قد ضعف في حقه فدل على أن الحامل له على الزنا محبة المعصية والفجور وعدم خوفه من الله.
س: ما المقصود بالعائل؟ ولماذا خص بالوعيد على الكبر مع أنه معصية كبيرة في حق العموم؟
جـ: العائل: هو الفقير، وخص بالوعيد لأنه ليس له ما يدعوه إلى الكبر؛ لأن الداعي إلى الكبر في الغالب كثرة المال والنعم والرئاسة والعائل الفقير لا داعي له إلى أن يستكبر، فاستكباره مع عدم الداعي إليه يدل على أن الكبر طبيعة له كامن في قلبه فعظمت عقوبته لعدم الداعي لهذا الخلق الذميم الذي هو من أكبر المعاصي.
س: ما معنى قوله في الحديث ورجل جعل الله بضاعته؟ وما هو الشاهد من حديث سلمان للباب؟
جـ: المعنى أنه جعل كثرة الحلف بالله بضاعته يبيع فيها ويشتري لملازمته له وغلبته عليه وهذا هو الشاهد من الحديث للباب.
في الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله r «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم- قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة- ثم إن بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» رواه مسلم.
س: ما القرن وما المراد بقرن الرسول r والذين يلونهم ولماذا فضلوا على من بعدهم؟#
جـ: القرن: أهل عصر متقاربة أسنانهم مشتق من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم ومدته مائة سنة وقيل غير ذلك.
والمراد بقرن الرسول r الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم، أي أن القرن الثاني التابعون والثالث تابعوهم.
وإنما فضل قرن الرسول r على من بعدهم لأنهم سبقوا إلى الإيمان والهجرة والجهاد مع رسول الله r، وفاقوا من بعدهم في العلم والإيمان والعمل الصالح.
ثم الذين يلونهم فضلوا على من بعدهم لظهور الإسلام فيهم وكثرة الداعي إليه والراغب فيه والقائم به وما ظهر فيه من البدع أنكر واستعظم وأزيل.
ثم القرن الثالث دون الأولين في الفضل، لكثرة البدع فيه لكن العلماء متوافرون، والإسلام فيه ظاهر، والجهاد فيه قائم. ثم ذكر الرسول r ما وقع بعد القرن الثلاثة من الجفاء في الدين وكثرة الأهواء.
س: ما الذي حمل أولئك القوم يشهدون ولا يستشهدون؟
جـ: حملهم على ذلك استخفافهم بأمر الشهادة وعدم تحريهم للصدق وذلك لقلة دينهم وضعف إسلامهم.
س: ما الذي يدل عليه قوله ويخونون ولا يؤتمنون؟
جـ: يدل على أن الخيانة قد غلبت على كثير منهم أو أكثرهم بحيث لا يعتمد عليهم لخيانتهم وعدم الثقة بهم.
س: ما المقصود بقوله وينذرون ولا يوفون؟
جـ: المقصود أنهم لا يؤدون ما وجب عليهم فظهور هذه الأعمال الذميمة فيهم يدل على ضعف إسلامهم وعدم إيمانهم.#
س: ما المراد بقوله ويظهر فيهم السمن ولماذا؟
جـ: أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن لرغبتهم في الدنيا ونيل شهواتهم والتنعم بها وغفلتهم عن الدار الآخرة والعمل لها.
في الصحيح عن ابن مسعود أن النبي r قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» رواه البخاري ومسلم.
س: ما الذي يتضمن هذا الحديث؟
جـ: يتضمن ما تضمنه الحديث الذي قبله من تفضيل القرون الثلاثة على من بعدهم. وهو صريح في أن القرون المفضلة ثلاثة لا غير. وفيه إشارة إلى عدم التسارع إلى الشهادة واليمين وهذه حال من صرف رغبته إلى الدنيا ونسى الآخرة فخف أمر الشهادة واليمين عنده تحملاً وأداء لقلة إيمانه وعدم خوفه من الله وعدم مبالاته بذلك.
قال المؤلف: «وقال إبراهيم كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار».
س: من هو إبراهيم ولماذا يضربونهم على ذلك وضح ما تقول؟
جـ: هو إبراهيم النخعي التابعي من أصحاب عبد الله بن مسعود. وإنما فعلوا ذلك لئلا يعتادوا إلزام أنفسهم بالعهد لما يلزم الحالف من الوفاء والكفارة وربما ترك ذلك فأثم. وكذلك الشهادة فإنه إذا اعتادها حال صغره سهلت عليه فربما أداه ذلك إلى التهاون بها والتساهل حال كبره. وفيه تمرين الصغار على طاعة ربهم ونهيهم عما يضر بصالحهم.
س: ما الذي يستفاد من هذا الباب؟#
جـ:
1- الوصية بحفظ الأيمان.
2- الإخبار بأن الحلف منفقة للسلعة ممحقه للبركة.
3- الوعيد الشديد على من لا يبيع ولا يشتري إلا بيمينه.
4- التنبيه على أن الذنب يعظم مع قلة الداعي.
5- ذم الذين يحلفون ولا يستحلفون.
6- ثناؤه r على القرون الثلاثة أو الأربعة وذكر ما يحدث بعدها.
7- ذم الذين يشهدون ولا يستشهدون.
8- كون السلف يضربون الصغار على الشهادة والعهد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
الموضوع : ما جاء في كثرة الحلف أي من النهي عنه والوعيد والذم لمن كان كذلك المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: abuahmad