فتى الثامنة عشر:
إنه الشاب الذي أسلم في الثامنة عشرة من عمره، توفي في الثالثة والثلاثين من عمره، وكان تاجا ًبين الصحابة الكرام، وكان شامة وعلامة وكان شعلة من شعل الهداية وكان داعية من دعاة الحق.
إنه الشاب الذي إذا وقفنا على تاريخه تحسرنا على حياتنا، وبكينا
دما ًبدل الدمع خجلا ًوحياء على ما قدمناه لديننا، وقد مضى بنا قطار العمر إلى مسافات وأعوام، إنه ابن العشرين من عمره، في هذه السنوات القصار الطوال "معاذ بن جبل" - رضي الله عنه -، الذي يقول عنه فاروق الأمة عمر - رضي الله عنه - وأرضاه، والأثر الذي رواه الحاكم في المستدرك وأقره الذهبي بل وصححه الحافظ بن حجر في الفتح يقول عمر - رضي الله عنه -: "من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل" من العشرين إلى الثلاثين، سبحان الله!.
وابن مسعود - رضي الله عنه - قرأ يوما قول الله - تعالى -: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً}النحل120، ثم قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله كان يعلم الناس الخير، وكان مطيعا لله ورسوله" ويقول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - "خذوا القرآن من عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيقة" "رواه البخاري".
معاذ الداعية:
ويذكر النبي معاذاً يوما ًمع الصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فيقول والحديث رواه الترمذي وابن حيان، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل معاذ بن جبل".
نعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحبه كل شيء في الكون حتى الحجر والمدر، وأمرنا بمحبته - صلى الله عليه وسلم -، بل نتقرب إلى الله - عز وجل - بمحبتنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لمكانة معاذ عند الله ورسوله يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يقول له كما جاء في الصحيح: "يا معاذ إني لأحبك"
أستاذ الإنسانية ورسول البشرية يحب معاذاً ويعلنها، فما كان من معاذ إلا أن قال: والله إني لأحبك يا رسول الله، ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - "لاتدعنَّ في دبر كل صلاة أن تقول "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وعندما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرسل داعية إلى اليمن، ما اختار إلا معاذاً، وهذا دليل على ثقة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، مع أنه ابن الثلاثين من عمره وفي الصحابة من هم أسن منه، وعندما يقل الاختيار عليه فهذا دليل على كفاءته العلمية والفقهية التي تؤهله أن يكون داعية لأهل اليمن.
كيف لنا الاستفادة من معاذ بن جبل؟:
فيجب على دعاة اليوم وبخاصة الشباب الذي يريد أن يتصدى للدعوة الإسلامية أن يكون مؤهلا تأهيلا علميا وإيمانيا وأدبيا، وأن يكون قد أخذ العلم من مصادره الصحيحة، ومن العلماء الموثوق بهم لأن الأمة وبخاصة في عصرنا هذا في حاجة ماسة إلى دعاة مخلصين لينهضوا بها فوق منابر الدعوة الهادفة، وبعض الشباب الذي يحمل الفكر المنحرف، هذا الفكر الذي لا يوافق الوسطية والاعتدال في الدعوة إلى الله، وديننا الحنيف يدعو إلى الخير ويدعو إلى الرشد، ويدعو إلى الحوار البناء الهادف، بل يأمر الدعاة في دعوتهم للناس باللين والرفق، قال - تعالى -مخاطبا رسوله - صلى الله عليه وسلم -:
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } النحل125، وقال الله – تعالى - لموسى - عليه السلام - في دعوته إلى فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } طه44.
فهيا إلى ترغيب الناس إلى الخير، هيا لنأخذ بيدي العاصي والضال برفق ولين لا بالشدة ولا بالقسوة، فما نجحت أي دعوة وما تقدمت إلا بالترغيب والمحبة، وهذا هو إمام الدعاة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي علم معاذا الخير كله، وسائر الصحابة يصفه ربه فيقول: { وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } آل عمران159، وقال الله - تعالى –عنه: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة128.
وفاته:
أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - داعية إلى اليمن ومشى
معه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرافقه إلى حدود المدينة،
وأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يركب ومشى بجوار
ابن الثلاثين الذي ركب الدابة، ويودعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وداعا مؤثرا ً تكاد تنخلع منه القلوب وكان الرسول - صلى
الله عليه وسلم - يُريد أن يملأ قلبه وعينيه من معاذ - رضي الله عنه -، فقال له: "يا معاذ لعلك تأتي في القادم فلم تجدني"، فبكى معاذ ونزل يقبل رأس ويدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " فإذا ما أتيت قبري وسلمت عليَّ فو الذي نفسي بيده لأردن عليك السلام "، ويأتي معاذ في العام الثاني، فلم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقف أمام قبره يسلم عليه، ولكنه لم يطق أن يمكث في المدينة بدون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلب من الصديق خليفة المسلمين أن يذهب إلى الشام لعله ينال الشهادة هناك، فأذن له، وبعدها ذهب معاذ - رضي الله عنه - إلى الشام.
توفي قائد جيش المسلمين أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -، فيصدر الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - أوامره لمعاذ أن يكون قائد جيش المسلمين ولكنه يموت بمرض الطاعون ،
رحم الله معاذ بن جبل. عليك سلام الله يا معاذ الخير، يا معاذ الفقه والعلم وأسكنك فسيح جناته
الموضوع : معاذ بن جبل فقيه الأمة وإمام العلمـاء المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya