السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رن جرس الهاتف فى منزل السيد صابر الكائن بحى من أحياء المدينة الكبيرة
وجاء السيد صابر مسرعآ لكى يرد على التليفون
وإرتسمت على وجهه إبتسامة غامرة حين سمع صوت المتحدث على الجانب الآخر
وكان أحد معارفه من مدينة أخرى والذى كان قد تعرف عليه منذ فترة ليست بقصيرة
وبداية معرفته به ترجع إلى إبنة السيد صابر
طبيبة التكليف فى تلك المدينة البعيدة
وتلك المدينة هى مسقط رأس السيد صابر شخصيآ
وقد أقنع إبنته فاتن بضرورة نقل تكليفها من الوجه البحرى إلى مدينته البعيدة ومسقط رأسه ورأس آبائه وأجداده
حتى يكون مطمئنآ عليها فى ظل وجودها بين أهله وعشيرته
فهى فتاة تبلغ من العمر إثنان وعشرون عامآ
طيبة القلب رقيقة المشاعر
ولم يسبق لها أن باتت خارج البيت ولو ليوم واحد
لذا كانت تخشى وجودها فى بلد غريب بمفردها
وهى التى لم تشأ أن تبدأ أولى خطواتها فى رحلة العمل
وتتعامل مع أناس جديدة فى عالم جديد خارج حدود مدينتها التى ولدت وعاشت بها طيلة العشرين عامآ الماضية
وتم النقل وقضت الدكتورة سنتان من عمرها ببلدة والدها الصغيرة التابعة للمحافظة البعيدة فى أطراف الصعيد
ولاتنسى فاتن يوم سفرها وركوبها القطار فى ليلة من ليالى شهر ديسمبر
وقد قامت والدتها بتوديعها فى المحطة والدموع تملأ عينيها
فتلك أول مرة تفارقها إبنتها
وسار بها القطار والأم تسرع الخطى نحو شباك القطار المجاور لإبنتها وكأنما تحاول الإمساك بها وإعادتها إليها
وسافرت فاتن وبدأت عملآ جديدآ فى مكان جديد
مكان ليس بغريب عنها
فكم كانت تسافر فى الأجازة الصيفية وتقضى معظمها فى تلك البلدة الجميلة
تلعب مع أقرانها من بنات خالها وخالاتها
وياللعجب
كم تمنت فاتن فى صغرها أن تعيش حياتها كلها فى هذه البلدة الصغيرة الجميلة بين الخضرة والأهل والأقارب
ولكن حين كبرت تغير رأيها
وأحست بصعوبة إنتقالها من مجتمع المدينة الكبير إلى مجتمع القرية الصغير المحدود الأطراف والحياة
وعاشت فاتن فى بيت جدها الراحل لأبيها مع جدتها لوالدها وعمها وأسرته
وشأنها شأن كل الناس
لم تسترح فى هذا البيت
ولم تكن على راحتها كما كانت فى بيت والدها
كل خطوة كانت تحسب عليها
كل كلمة وكل حركة
حتى إختنقت وتمنت الخلاص من هذا البيت
ناهيك عن المعاملة السيئة التى كانت تعامل بها
وقررت بينها وبين نفسها ألا تعود إلى هذا البيت أبدآ بعد الآن
وفى أقرب أجازة نزلت إلى بيت والدها الذى كان خارج البلاد فى تلك الفترة من حياتها
وقضت أجازتها مع والدتها وإخوتها
وحين إنتهت الأجازة
عادت أدراجها إلى البلدة البعيدة
ولكن هذه المرة
كان خالها فى إنتظارها بالمحطة ومعه إبنه الصغير
وكانت فاتن تتمنى لو تقول لخالها أن يأخذها إلى بيته وليس إلى بيت عمها
وفوجئت فى تلك اللحظة بإبن خالها يقول لوالده
لنأخذ الدكتورة فاتن إلى بيتنا يا أبى
هنا تهللت أساريرها ولم تصدق ماسمعته أذنيها
وإنطلقت السيارة إلى بيت جدها لوالدتها
هذا البيت الذى تحبه وتعشقه منذ الصغر
هاهى تتجه إليه الآن
ولعل أيامها هناك تكون أفضل من أيامها فى بيت عمها
ولكن تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن
فلا أحد يطيق وجود أحد من الأقارب فى بيته لفترة طويلة حتى لو كان يحبه بشدة
ومع الأيام
تغيرت معاملة خالها وزوجته وأولاده لها
مما ضايقها وزاد من نفورها من وجودها هناك
وعادت فى يوم من الأيام لتجد حقائبها خارج البيت
وزوجة خالها تقول لها
لقد قرر جدك أن تقيمى فى حجرة المندرة البحرية
مع إحدى بنات خالك الأكبر
وكأنما جاءت بسكين ورشقته فى قلبها
وإستسلمت فاتن لهذا الأمر
فليس بيدها حيلة
وعاشت ومضت بها الأيام على هذا النحو
وكانت خلال تلك الفترة تتردد بحكم كونها طبيبة على مديرية الشئون الصحية
لتقديم أوراق والسؤال عن الترشيح لنيابات وبعثات الوزارة
وهنا قابلت ولأول مرة
عم محمود
الموظف بالمديرية
والمسئول عن أوراق النيابات والبعثات
وتكرر ت زيارات فاتن للمديرية
وتعرف عليها الأستاذ محمود أكثر وأكثر
وكان يساعدها فى كتابة وملأ إستمارات الرغبات
وهاهى بعد مرور السنتان
تنتقل إلى مدينتها الكبيرة بعد صدور قرار إنتدابها
وعادت إليها فرحتها بعد طول غياب
مع أنها قد تألمت وبكت وقت سفرها من البلدة البعيدة
فهى تحبها وتعشقها لأنها بلد عائلتها الكبيرة المرموقة
ولكن وجودها إلى جوار أبيها وأمها وإخوتها عندها أفضل مائة مرة من غربتها وحيدة بين الخال والخالة والجد والجدة والعم
أعرفتم من هو الأستاذ محمود؟؟؟؟؟
إنه هو الذى إتصل بوالد فاتن ليخبره برغبته فى زيارته فى أمر يخص إبنته فاتن
إن لدى لها عريس مناسب
إبن أخت زوجتى
ويعمل محاميآ
وفى مثل سن الدكتورة فاتن
وإسمه إبراهيم
وحدد معه يوم الجمعة القادم للزيارة
وأبلغ السيد صابر زوجته بالأمر
ومن ثم علمت فاتن بالخبر
والغريب أنها لم تشعر بأى فرحة
لماذا؟؟؟؟؟؟
لا أحد يدرى
وإستعدت الأسرة للقاء الأستاذ محمود والعريس المنتظر
وقامت والدة فاتن بإعداد أصناف من الطعام الشهى للضيوف
وبالطبع ساعدتها فاتن فى ذلك
وإرتدت فاتن زيآ بسيطآ لا بأس به
وجاءت لتحية العريس ورؤيته
وسلمت عليه بكل أدب وخجل
وسعد بها إبراهيم وأحبها من اللحظة الأولى لرؤيتها
وعلى الفور بعد الإنتهاء من تناول طعام الغذاء
إتصل بوالدته على الهاتف
وأبلغها موافقته على العروس وإعجابه بها
وقالت له والدته
على بركة الله ياولدى
وطلب إبراهيم صورة لفاتن لكى يريها لوالدته
وقامت فاتن لإحضار الصورة
وتمت قراءة الفاتحة
وفاتن ساكنة لا تتحرك ولا تتكلم
بل تتمتم بالقراءة معهم فى هدوء
وتصمت قليلآ ثم تعود للقراءة فى سرها مرة أخرى
تراها مرتبكة ومتحيرة فى أمر نفسها
وبكت أمها وأحست بأن إبنتها سوف تفارقها عن قريب إلى بيت العريس
وقال الأستاذ محمود فى محاولة منه لتهدئة الموقف
ماذا جرى يا حاجة؟؟؟؟
أتبكين بدلآ من أن تفرحى وتزغردى؟
وحين أوشكت الشمس على الغروب
قام إبراهيم والأستاذ محمود
بعد الإتفاق على موعد الخطوبة
والتى كانت ستقام فى المدينة البعيدة بعد أسبوعين من تاريخ هذا اليوم
وجلست فاتن مع نفسها
متسائلة
لماذا لا أشعر بالسعادة؟
ولم تجد لسؤالها إجابة
فقامت للنوم
وقامت فى صباح اليوم التالى وهى مكتئبة وحزينة
وذهبت إلى المستشفى وهى حائرة
وهطلت الأمطار فى ذلك اليوم
وإقتربت فاتن من شباك غرفة سكن الطبيبات
وأخذت تدعو الله أن يخلصها من هذا العريس
الذى لاتعرف سببآ لرفضها إياه
إنه يبدو طيب القلب ومحبآ لها ومحامى ناجح
ومن عائلة كبيرة مرموقة مثل عائلتها
محترم بمعنى الكلمة
فلم ترفضه؟
لا تدرى ولا تعرف
وعادت إلى البيت وهى مصممة على بوحها لأبيها وأمها برفض الخطوبة
ولم تنتظر حتى تنتهى من تناول غذائها
بل ألقت القنبلة فى وسط الطعام
وذهل والدها لطلبها
وسألها
ولم لم تقولى هذا الكلام بالأمس؟
لقد أعطيت كلمة للناس
أيرضيكى ان أرجع فى كلامى
أنا لست صغيرآ لهذا
فإنهمرت دموع فاتن
وقامت وذهبت لحجرتها باكية
وظل هذا الحال أيامآ وأيام
وفاتن حائرة بين القبول والرفض
وإبراهيم يتصل بها يطمئن عليها وكله شوق لإتمام الخطوبة والزفاف
وهو لايدرى بما يجول فى خاطرها
وحين عجز والدها عن إقناعها
إضطر لإبلاغ إبراهيم برفضها حتى يستريح ولا يسبب لها إحراجآ
وظلت فاتن مع نفسها
تريده ولا تريده
تريد أن تتزوجه ولا تريد أن تتزوجه
وتتعلل بعدم قبولها الزواج منه بسبب معيشته فى الصعيد
وهى تعودت على العيش فى المدينة الكبيرة الواسعة
وهناك فى الصعيد قد تكون حياتها مقيدة ومحدودة
فى بيت عائلة زوجها
وهاهى ترفضه ويعلم ويحزن
ويحاول معرفة السبب دون جدوى
ويخطب من جديد بعد مرور سبعة أشهر
وحين سافرت فاتن فى زيارة للبلدة
حادثتها بنت خالها فى أمره
وقالت لها سوف أذهب لمعرفة أخباره
ورجتها فاتن ألا تذهب
لقد إنتهى الموضوع
ولا داعى لفتحه من جديد
ولكن بنت خالها ذهبت من ورائها وقابلت زوج خالته رحمه الله
وعرفت منه أخبار إبراهيم الذى حين علم بموقف فاتن وترددها وتفكيرها فى قبوله مرة أخرى
كان يوشك على ترك خطيبته
ولكن عيب فى حقه أن يرجع فى كلامه وخاصة أنه كان قد إشترى الشبكة وقدمها لعروسه
وهكذا إنتهت قصته مع فاتن
إنتهت بكسر قلبه الطيب
وحبه الذى ولد ومات ولم تكتمل سيرته
وهكذا الأيام
ونقول فى النهاية
كل شىء نصيب
وهاهى فاتن لم تتزوج حتى الآن
أما إبراهيم فمن المؤكد أنه قد تزوج ولعله يكون أبآ لعدد من الأولاد والبنات
والله الموفق