بيان الإضطراب في الحديث
تعريف الحديث المضطرب : حديث يروى على أوجه مختلفة متساوية سواء كان من راو واحد مرتين أو أكثر أو من راو ثان أو من رواة و لا مرجح . فإن رجحت إحدى الروايتين أو الروايات بحفظ راويها أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالحكم للراجحة . ولا يكون الحديث مضطربا و المرجوحة شاذة أو منكرة . ويقع الإضطراب في السند تارة و في المتن أخرى وقد يقع فيهما معا .
وممن أعله بالإضطراب النسائي و ابن حجر و أبو داود و دلك للإختلاف الواضح في أسانيد الروايات فتارة يكون عبد الله بن بسر هو من سمع الحديث مباشرة من النبي صلى الله عليه و سلم و تارة عبد الله بن بسر عن أخته الصماء عن النبي صلى الله عليه و سلم و أخرى عبد الله بن بسر حدث أنه سمع أباه و أخرى عبد الله بن بسر عن أبيه عن عمته الصماء أخت و هدا غلط فالصماء أخت بسر وليست عمته و وجدت في بعض الأحيان من سما بسر ببشر و هو خطأ أيضا . وكل من ناقش الحديث إستشهد برأي الحافظ بن جحر العسقلاني ونسرد قوله هنا
قال: < قد أعل حديث الصماء بالمعارضة المذكورة وأعل أيضا باضطراب فقيل هكذا وقيل عن عبد الله بن بسر وليس فيه عن أخته الصماء وهذه رواية ابن حبان وليست بعلة قادحة فإنه أيضا صحابي وقيل عنه عن أبيه بسر وقيل: عنه عن الصماء عن عائشة قال النسائي: هذا حديث مضطرب قلت ويحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه وعن أخته وعند أخته بواسطة وهذه طريقة من صححه ورجح عبد الحق الرواية الأولى وتبع في ذلك الدارقطني لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن راويه وينبئ بقلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه وليس الأمر هنا كذا بل اختلف فيه أيضا على الراوي عن عبد الله بن بسر أيضا > التلخيص الحبير ج 2 ص 468-469 برقم 938
ومن هدا يتبين ضعف الحديث و أنه لا يصلح الإحتجاج به
تعارض الأحاديث و الجمع بينها
جاء في عبارة بعض العلماء تعليقا على الحديث : < والحديث إن صح > أو < إن يصح > . أي أنه تعامل مع الدليل بفرضية صحته و منه يظهر التحرز من إعمال هذا الدليل . ومع ذلك أعملوا به بناء على قاعدة إعمال الدليل أولى من إهماله فكان عليهم الجمع أو الترجيح بين الدليلين المتعارضين .
الجمع أو الترجيح
وتماشيا مع من أعمل دليل النهي – حديث عبد الله بن بسر – فلا بد من الجمع بين الدليلين أو الترجيح ما أمكن فإن قاعدة المحدثين هي أن الجمع متأخر عن الترجيح أي أن الترجيح أولى و لا يمكن الجمع بين راجح و مرجوح و ذلك لوجوه :
*-1 الحكم المعلل يترجح على غير المعلل
و بالمقارنة بين الحديثين تجد الأول فيه تحبيب و ترغيب لصوم السبت و بيان علته و هي مخالفة أهل الكتاب . و الثاني فيه النهي و هو غير معلل
في هذه الحال قاعدة المحدثين هي الحكم المعلل يترجح على غير المعلل .
*-2 الترجيح من الخارج
إذا تعدر الترجيح بين المتعارضين ينضر الترجيح من أمر خارج فيعضض أحدهما فيكون راجحا و الآخر مرجوحا :
وهو إعراض الصدر الأول عن حديث النهي . ولقد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهة صوم يوم السبت, ولم يعده من حديث أهل العلم بعد معرفته به . سئل الزهري عن صوم يوم السبت فقال: لا بأس به، فقيل له: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهته, فقال: ذاك حديث حمصي, فلم يعده الزهري حديثا يقال به, و عزاه إلى الطحاوي وضعفه .
و الأوزاعي قال: ما زلت له كاتماً حتى رأيته انتشر . والإمام مالك قال : هذا كذب . ولعله يقصد ما استقر عليه الناس من اتباع السنة أو ما وجد أهل المدينة عليه و يوضح ذلك ما نقل عنه أنه قال : لم أجده في السنن . و أبى أن يحدث الإمامَ أحمد به وكان ينفيه.
ألا ترى أن من يكتم علما يلجم بلجام من نار يوم القيامة و هدا لا يخفى على ورع تقي مثل الأوزاعي الذي كان كاتما للحديث . و لولا انتشاره ما كان أخرجه كما يفهم من قوله .
ومما يتبين فقد كان جملة من العلماء معرضين على حديث بن بسر و هدا يقوي معارضه بلا شك .
بيان النسخ في الحديث
قد تحرز جملة من العلماء من القول بوجود النسخ في الحديثين و أعلوه بعدم وجود بيان النسخ و هو التاريخ . وقد عرف أهل صناعة الحديث الناسخ و المنسوخ أنهما حديثان مقبولان متعارضان في المعنى . بحيث لا يمكن الجمع بين مدلوليهما . ولكن ثبت المتأخر منهما إما بالتاريخ المعلوم من خارج أو المعلوم لا من خارج .
وفي هدا الوضع ليس هناك سبيل لمعرفة التاريخ من خارج الأحاديث . كأن يصرح بذلك أحد الرواة أو المحدثين و لكن عندنا أمر جلي يظهر من الداخل و هو مثن حديث أم سلمة فقد بين نسخ النهي و كذلك بين الفترة الزمنية . فإنكار الصحابة لقول أم سلمة يدل على أنهم علمهم و عملهم كان على النهي ثم جاء بعده علم آخر لم يكن في خبرهم بما استقر عليه فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ما أفادتهم به أمنا أم سلمة . ولا شك يستقر عملهم على ما استجد في علمهم .
هذا من جهة و من جهة أخرى رواية النسائي عن كثير بن عبيد الحمصي
عن بقية ولفظه: عن كريب: أن ابن عباس بعث إلى أم سلمة وإلى عائشة يسألهما ما كان رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يحب أن يصوم من الأيام؟ فقالتا: ما مات رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- حتى كان أكثر صومه يوم السبت والأحد ويقول: ((هما عيدان لأهل الكتاب فنحن نحب أن نخالفهم)). يفيد أن حديث أمنا أم سلمة أحدث من حديث بن بسر الذي كان في حياته صلى الله عليه و سلم و الأول بعد و فاته صلى الله عليه و سلم .
وممن من العلماء الذين قالوا بالنسخ : أبو بكر الأثرم – و أبو داود – وابن تيمية - وابن القيم – وابن مفلح – و ابن باز
علة من قال بالمنع
وقد حاول بعض العلماء جاهدا الجمع بين النصين تحت قاعدة الإعمال لا الإهمال فاستخلص أن النهي للإفراد أما إدا أضيف يوم آخر فلا بأس و دليله هو ما جاء في قول أم سلمة : < أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت والأحد > و يجاب عنه ب : < ما رواه أهل السنن عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت: ما هي أكثر الأيام التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصومها؟ قالت: يوم السبت ويوم الأحد > . وهدا يبين أن كل يوم على حدة
مخالفة أهل الكتاب
وليس هناك علة للمانعين غير التعظيم ليوم السبت بالإفراد بالصوم و كما لا يخفى أن اليهود كانوا يعظمون عيدهم بالأكل و الشرب و التخلي عن الأعمال المعاشية . إذن المخالفة تكون بعكس ذلك و هو صومه بل إفراده بالصوم عنوة مخالفة لهم و تأسيا بسنة المصطفى صلوات الله و سلامه عليه .
وخلاصة ما أوردناه أنه اجتهاد و نضر و الأمر فيه اختلاف بين العلماء غير أن أدلة المجوزين أظهر في نظرنا و نقصد بالجواز الإفراد بالصوم لا صومه مع الإقران . فإذا اطمأن إليه قلبك فخد به و إن خلص اجتهادك إلى غيره فاعمل به و لا تلزم أحدا به فالأمر فيه اختلاف
الموضوع : استحباب إفراد السبت بالصيام المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya