بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن إهتدى بهداه
وبعد...

فهذه رسالة ماتعة ومختصرة ومفيدة - إن شاء الله - للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - إختصر فيها الأبواب الفقهية وأوردها على هيئة السؤال والجواب ليسهل فهمها على المبتديء وتكون نواة للدخول على كتب الفقة المتوسطة والمطولة والشروحات والأمهات .
وسننقل منها دروس متوالية - إن شاء الله - حتى يسهل الإستيعاب والفهم لطالب العلم والتفقه

ونشرع الأن بعون الله سبحانه في المقصود مستمدين من المعونة والتوفيق وسائلينه الإخلاص والقبول والأجر والمثوبة

قال الشيخ - رحمه الله


الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُه ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيهِ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرشِداً .
وَصَلَّى الله عَلَى محمَّد وَعَلَى اله وَأَصحَابِه وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعدُ : فَهَذَا تَألِيفٌ بَدِيعُ المنْزَع ، سَهْلُ الأَلفَاظِ وَالْمَعَانِي ، حَسَنُ الترتيب ، يَحْتَوِي عَلَى مُهمَّات مَسَائِل الأَحكَام .
·رتبته بصُورَةِ : السُّؤَال الْمُحَرَّر الْجَامِع ، وَالجواب المفصَّل النَّافِع .
·يَحتَوِي عَلَى : أُصُولٍ ، وَضَوَابِطَ ، وَتَقسِيمَاتٍ .
§تُقُرِّبَ أشتات الْمَسَائِل ، وتضم أَلنّظَائِرَ والفَوَارِقَ .
§وَكَثِيرٌ مِن هَذِه الأَجوِبَةِ يتناول أَبوَابًا مِنَ الفِقهِ عَدِيدَةً ، وَأصُولاً تَنْبَني عَلَيهَا أَحكَامٌ مُفِيدَةٌ .
§وَتُعرِّفُ القَارِئَ مِن أَيِّ قَاعِدَةٍ أُخِذَتْ ، وعلى أَيِّ أَساسٍ أُثْبِتَتْ .
§وتُوَضِّح التَّعْلِيلات والحِكَمَ .
§ولعل هذه الأُمُور أكثرُ فائدةً مِمَّا في الأَجوبةِ منَ التَّفْصِيلات الفقهية؛ لِعمُوم نَفعِهَا وحُسْنِ موقعها .
·وعند ذِكْر الأحْكَام: أَذكُرُ الْمَشْهُور مِن مَذهَبِ الإِمَام أَحمَد عِند مُتَأَخرِي الأَصحَاب.
·فَإِنْ كَانَ فِيه قَولٌ آخر أَصَحُّ مِنة عِندِي ذكرته وَصَحَّحْتُهُ .
·وَأَشَرتُ إِشَارَة لطيفة إِلَى دَليلِ كُلّ مِنَ القولين وَمَأْخَذِهِمَا ؛ إذ المقَامُ لا يقتضي البَسْطَ .
·وأَسْتَطْرِدُ في الجَوَابِ بِذِكْرِ الأَشبَاهِ وَالنظَائِرِ ؛ لِتَحْصُلَ الفَائِدَةُ الكَثِيرَةُ والأُنسُ بكثرةِ ما يدخلُ في الأَصلِ والضَّابطِ .
·وأَذكر أيضا الفوارقَ بينَ المسائِلِ التي يَكْثُر اشْتباهُهَا ؛ ليَحْصُلَ التَّمييزُ بينها.
وَأَسألُ اللَّهَ تَعَالَى : أَن يَكُونَ أَلدَّاعِي لَهُ إِرَادةُ وَجْهِه وثَوَابِه ، وَقَصدِ اُلْتُفِعَ لِعِبَادِه ، وأَن يَكُونَ مُوَافِقًا لمحبته وَرِضَاه ، وأَن يُسَهِّل تَتمِيمَ مَا أَنعَمَ في ابتدائِه ، إِنه جَوَادٌ كَرِيمٌ .

أسئلة في الطهارة


حكم الماء المتغير

1- سؤال : ما حُكم الماء المتَغيِّر؟
الجواب : وباللَّه التَّوفيقُ ، ومِنْهُ أَسْتَمِدَُّ الهدايةَ والإِصَابةَ .
يدخلُ تَحتَ هذَا السؤَالِ أَنوَاعٌ كَثِيرَة ، وأَفْرَادٌ متعدِّدةٌ ، لكئها تَنْضَبِطُ بأُمورٍ :
·(1) أَمَّا الماءُ الَّذي تَغيَّر لونُه أَوْ طَعْمُه أَو رِيحُه بالنَّجاسَةِ :
فهو ’’ نَجِسٌ ‘‘ بالإِجماعِ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا .
·(2) وأَمَّا الماءُ الَّذي تغيَّرَ بِمُكْثِه وَطُولِ إِقَامَته في مَقَرِّهِ ، أَو تغيَّر بِمُرورِهِ عَلَى الطَّاهِرَاتِ ، أَو بما يَشُقّ صَونُه عَنه ، وَبما هُوَ مِنَ الأَرضِ كطِيبهَا وتُرَابِهَا :
فهذا ’’ طَهُورٌ ‘‘ لا كَرَاهة فِيهِ ؛ قولاً واحدًا .
·(3) وأَمَّا الماءُ الَّذي تغيَّر بما لا يمازجُهُ كَدُهْنٍ ونَحوِه :
فهو مَكْرُوهٌ على المذهب .

غيرُ مَكْرُوهٍ عَلَى القَولِ الصَّحيحِ .


لأَن الكراهَةَ حُكْمٌ شَرْعيٌّ يحتاجُ إِلى دليلٍ ؛ ولا دَليلَ على الكرَاهَةِ وَالأَصْلُ المياهِ الطَّهُورِيَّة ، وعدمُ المنعِ .
فمن ادعى خِلافَ الأَصلِ فَعَلَيْهِ الدليلُ .
·(4) وأمَّا الماءُ المتغيرُ لَوْنُه أَو رِيحُهُ أَو طعمه بالطاهِرَاتِ كَالزعفرانِ ونحوِه :
§إذَا كَانَ التغيرُ يَسِيرٌ ا : فهو طهورٌ قولاً واحدًا .
§وَكَذلكَ إِن كانَ التَّغيرُ في مَحلِّ التَّطهيرِ : فهذا أَو نحوه لا بأْسَ بِه .
§وإن كَانَ المتغيرُ بالطاهراتِ تغيرًا كثيرًا : فَهُو طَاهِرٌ غير مُطَهر عَلَى المشهور مِنَ الْمَذْهَب .
وعلى الفول الصَّحيحِ : هو طهورٌ :
§لأَنَّه ماء ؛ فيدخلُ في قولِه تَعَالى ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ﴾ [المائدة:56].
§ولعدم الدَّليلِ الدَّالّ على انتِقَالِه عَنِ الطهُورِية ، فبقِيَ عَلَى الأَصلِ.
§وذلك أَنَّ العُلَمَاءَ رحمَهُمُ اللَّهُ :
§اتفقُوا عَلَى نوعين مِنْ أنوَاعِ الميَاهِ ، واختَلَفُوا في النوعِ الثَّالِث.
§اتَّفقُوا عَلَى أنَّ : كل ماء تغيرَ بالنجاسَةِ فهو نجس.
§كما اتفَقُوا عَلَى أَن : الأصْلَ في المياهِ كُلِّها النازلةِ مِنَ السِّمَاء ، والتَّابِعَةِ منَ الأَرضِ ، والجارِيَةِ والرَّاكِدَةِ ؛ أنها طاهرةٌ مطهِّرَةٌ.
§واختلفوا في : بعضِ المياهِ الْمُتَغَيِّرةِ بالأَشياءِ الطاهرةِ أَو التي رُفِعَ فيها حَدثٌ ونَحوهَا هَل هِيَ باقيَةٌ على طهوريتهَا ؟
وَإِنَّنَا تَسْتَصْحِبُ فِيهَا الأَصْلَ كما هُو الصَّحِيح ؛ لأَدِلَّةٍ كَثِيرةٍ ليس هَذَا مَوضِعهَا ، أَو أَنها صَارَتْ في مَرْتَبَة مُتَوَسِّطَةٍ بين الطهُورِ وَالنَّجَس فصَارَتْ طَاهِرَةً غيرَ مُطَهِّرةٍ .
والاستدلالُ بهذَا القَولِ ضَعِيفٌ جدًّا !!
فإِن إِثبات قِسْمٍ مِنَ المياهِ ، لا طَهُورٌ وَلا نَجِسٌ ؛ مما تعمُّ به البَلْوَى وتشتَدُّ الحاجَةُ والضرُورَةُ إِلى بيانه ، فَلَو كَانَ ثابتًا ؛ لبينهُ الشارع بَيانًا صَحِيحًا ، قاطعًا للنِّزاعِ .
فَعُلِمَ أَنَّ الصَّوابَ المقطُوع به :
أَن الماءَ قِسمَانِ : طَهُورٌ ، وَنَجِسٌ.
المَاء الْمُسْتَعْمَل

(2) مَا حُكمُ الماءِ المستَعمَلِ ؟
الجواب : يَدخُلُ تحتَ هَذَا أَنوَاعٌ متعدِّدَةٌ :
1- مُسْتعملٌ في : إزَالةِ النَّجَاسَةِ .
2- ومُسْتعمَلٌ في : رفعِ الحدثِ .
3- ومُسْتَعملٌ في : طَهَارَةٍ مَشْروعةٍ .
4- ومُسْتَعملٌ في : نظافةٍ .
5- ومُسْتَعملٌ في : رفعِ حَدَثِ أُنْثى .
6- ومُستَعمَلٌ في : غَمْس يَدِ النَّائِم .

·(1) أمَّا المستعمَلُ في إِزالةِ النَّجَاسَة :

§ فإِنْ كان مُتَغَيرَا : فهو نَجِسٌ .
§ وإِن لم يتغير وهو كثيرٌ : فهو طهورٌ قولاً واحدًا .
§ وإِن كان قليلاً والنجاسة لم تَزُلْ عنِ المحلِّ أو قبل السَّابِعَة : فهو نَجِسٌ على الْمَذْهَب .
وعلى الصَّحيح
: طَهُورٌ لعدم تَغيرِه بالنجاسَةِ .
§وإن كان آخرَ غسلةٍ زالَتْ بها النجاسَةُ : فهو طَاهِر على المذهب غَيرُ مُطَهِّرٍ .
وهو طهورٌ على القول الصَّحِيح
، مِن بَابِ أَولَى مما قَبلَهَا .

·(2) وأَمَّا المستَعمَلُ في رَفع الحدَثِ :
§فَإِنْ كَانَ يغترفُ خارجَ الإِناء : فالبَاقِي في الإِناءِ طَهُورٌ قليلاً كان أو كَثِيرًا ؛ قولاً واحدًا .
§وأن كَانَ يستَعمِلُه وهو في موضِعِه بأن كان يغتَسِل أو يَتَوَضَّأ في نفسِ الماءِ .
§فإِنْ كَانَ الماءُ كَثِيرًا : فالماءُ طهورٌ قولاً واحدًا .
§وإِن كَانَ يسيرَا : صَارَ طاهرًا غير مُطَهِّر عَلَى الْمَذْهَب .
وهو طَهُور عَلَى القَولِ الصَّحِيح
؛ لعدم الدليلِ الناقِلِ لَهُ عَنْ أَصلِهِ.
·(3) وَإِنْ كَانَ مُستَعْملاً في طَهَارَةٍ مَشرُوعة :
·كتَجدِيدِ وُضوء ونَحوِه : فهو طهُور ، مَكْرُوه على المذهبِ .
غير مَكْرُوه ، عَلَى الْقَوْل الصَّحِيح
؛ لِعَدَمِ الذليلِ .
·(4) وإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلاً في طَهَارَةٍ غَيرِ مَشْرُوعةٍ :
فهو طَهُورٌ لا كراهةَ فيه قولاً واحدًا .
·(5) وإِن كان مُسْتَعْمَلا في حدثِ أُنثَى :
وهو كَثِير ؛ فهو طهورٌ لا منع فيه مطلقاً ، قولاً وَاحِدًا.
§وإِن كان يَسِيرًا ولم تَخْلُ بِه : فَلا مَنعَ أَيضاً .
§وإن خَلَتْ بهِ فَلا مَنْعَ في طَهَارَةِ النجَاسَةِ ، وَلا في طَهَارَةِ المرأةِ قَولاً وَاحِدًا .
وَإِنما يُمْنَعُ مِنْهُ الرَّجُلُ في طَهَارَةِ الحدَثِ عَلَى المذهَب مع بَقَائِه عَلَى طُهُورِيَّته.
وعند عدم غيره : يُجمَعُ بين استعماله والتَّيمُّمِ احتِيَاطًا .
وأما الصَّحيحُ
: فلا مَنْعَ فِيهِ مُطْلقًا.
لقوله r « إِن الْمَاء لا يَجنبُ ».
ومَا استُدِل به عَلَى المنْعِ فضعِيفٌ لا يدلُّ على المنْعِ .
·(6) وأَمَّا المستَعْمَلُ في غمس يد النَّائِمِ :
§فإنْ كَانَ نهارًا أَو نَومًا لا ينقُضُ الوُضُوءَ : فَلا يَضُرْ مطلقًا.
§وإِن كَانَ نومًا كَثِيرًا بالليلِ وغمسها كُلَّها .
§فَإِنْ كَانَ الماء كَثِيرًا لم يضر قولاً واحدًا .
§وإن كان دون القلتين صَارَ طَاهِرًا غَيرَ مُطَهِّرٍ ، عَلَى الْمَذْهَب ، ولكن عِنْد الاضطرارِ إِليه يُستَعْمَلُ مَعَ التَّيممِ .
وعَلَى القَولِ الصَّحيحِ في المذهَبِ
: يبقَى عَلَى طَهُوريته ، ؛ لعدم الدليلِ عَلَى زَوَالِ طهوريته.
والحديثُ إِنما يَدُل عَلَى الأَمر بِغَسلِهِمَا قَبلَ إدخَالِهِمَا الإِناءَ ؛ للعلَّةِ التي عَلَّل بها في الْحَدِيث : « … فإن أحدَكُم لا يَدْرِي أَينَ باتت يَدُهُ ».
الماءُ النَّجسُ مَتَى يَطهُر؟

3-إِذَا كَانَ الماءُ نَجَسَا مَتَى يَطْهُرُ؟
الجواب : أما عَلَى القَولِ الصَّحيحِ : وَهُو رِوايَةٌ عَنْ أَحمدَ .
فمتَى زَالَ تَغَيّرُ الماءِ عَلَى أيِّ وجه كَانَ ؛ بِنَزْحٍ ، أو إضافةِ مَاءٍ إِليه ، أو بزوالِ تغيّرِه بِنَفسِه ؛ أو بمعالجتِه : طَهُرَ بِذَلِكَ .
وسواءَ كَانَ قليلاً أو كَثِيرًا ؛ لأن الحكمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِه وُجُودًا وَعَدَمًا.
وَلا عِلَّةَ للتنجِيسِ عَلَى التَّحقِيق إلا التَّغَيرُ بالنجَاسَةِ فما دَامَ التَّغَيرُ مَوْجُودًا، فَنَجَاسَتُه مَحْكُوم بِهَا ، ومَتَى زَالَ التَّغَيرُ طَهُرَ .
وأما عَلَى المذهبِ: فَلا يخلو الماءُ : إِما أن يَكُونَ أَقَلَّ من قلَّتَينِ ، أو يَكُونَ قُلَّتين فَقَط أو يَكُونَ أكثرَ منهُما .
·فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ من قُلَّتينِ : لَم يَطْهُر إلا بِإِضَافَة طَهُورٍ كَثِيرٍ إِلَيهِ .
·وإِنْ كَانَ قُلَّتَينِ فقط : طَهُرَ بأَحدِ أَمرين :
§إِما بِإِضَافَة طَهُورٍ كثيرٍ إِليه مَعَ زَوَالِ التَّغَير .
§وإِما بِزَوَالِ تَغَيرِهِ بِنَفسِهِ .
·وإِن كَانَ أَكثرَ مِن قُلَّتَينِ : طَهُرَ بأَحدِ ثَلاثةِ أَشْيَاءَ :
§هذينِ الأَمرينِ.
§أَو بنَزحٍ يبقى بَعدَهُ كَثير غيرُ مُتَغَيِّر .
إلا إِذَا كان مُجْتَمَعًا مِن مُتَنَجّسٍ يسيرٍ : فَتَطهِيرُه بِإِضَافَة كَثِيرٍ إِلَيهِ مَعَ زَوَالِ التَّغَيرِ لابد مِنة في الأَحْوَال كُلِّهَا .
وَهَلْ يُشْتَرَطُ شيءٌ آخرُ مَعَه أم لا ؟
قَد ذكرنَا تفصِيلَهُ الجَامِعَ .
حُكم عَدَمُ العلم بالنَّجاسة للإناء أَوْ البدن أَوْ الثوب !!

4- إِذَا تطهَّر بالماءِ ثم وجَدَهُ بعد ذلك نجسًا أَو صلى ثم وَجَدَ عَلَى بَدَنِه أَوْ ثوبه نجاسة مَا حُكْمُ ذلك ؟
الجواب : لا يَخْلُو الأَمرُ من حَالينِ أَو ثلاثة :
1- لأنه إما أَنْ يَعْلَمَ أن النجَاسَةَ قَبلَ طَهَارَتهِ وَصَلاتِه .
2- أَو يَعْلَمَ أنها بَعْدَهُما .
3- أَوْ يَجْهَلَ الأمر .
·(1) فإن عَلِمَ أنها قبل طَهَارَتِه بسبب من الأَسْبَاب الموجِبَةِ للعلم ؛ ومنه خبر الثِّقَةِ المتيقن ، حيث عين السببِ : أَعاد طَهَارَتَهُ ، وغسل ما أَصَابَ النجَاسَةَ من بدنٍ أو ثَوْب .
وكذلك يُعِيدُ الصَّلاة على المذهبِ .
وعلى الْقَوْل الصَّحِيح
: إِن من نَسِي وصَلَّى في ثوبٍ نَجِسٍ أَو على بدنه نجاسةٌ نَسِيَها أَو جهل ذلك ، ولم يعلم حتَّى فرغ : صحَّت صَلاتُه وَلا إِعادةَ عَلَيه.
لأنه r خَلَعَ نعليه وَهُوَ في الصَّلاة ، حِينَ أَخبره جبريلُ أَن فِيهِمَا قَذَرًا ، وَبَنَى على صَلاتِه ، ولم يُعِدْهَا.
فإِذا بنى عليها في أثنائها ، فإِذا وجدَهَا بعد فَراغِ الصَّلاة فالحكْمُ كذلك.
ولأَن مِنْ قاعِدَةِ الشرِيعَةِ : إِذا فَعَلَ العِبَادَةَ وقد فَعَلَ مَحظُورًا فيها هو معذورٌ فلا إِعادَةَ عَلَيهِ ؟ بخلافِ مَن تَرَكَ المأمُورَ .
فتارِكُ المأمورِ به لا تَبرَأُ ذمتُه إلا بفعله .
وفَاعِل المحظُور الذي هُوَ مَعذُورٌ : لا شَيءَ عَلَيهِ .
·(2) وإن عَلِمَ أنَّ ذَلِكَ بعد الْفَرَاغ مِنْ طَهَارَتِه : فَهَذَا وَاضِحٌ لا شيءَ عَلَيه ؛ لأنه توضأ بِمَاءٍ طَهُورٍ وَصَلَّى وَلَيسَ عَلَيهِ نجاسةٌ .
وإنما ذكرنا هذا لأَجلِ التَّقْسِيم .
·(3) وأَمَّا إن جهل الحالَ فلم يَدرِ هل نجاسةُ الماءِ قَبلَ استِعمَالِه أَو بَعدَهُ أَو النجاسَةُ قد أصابته قبلَ الصَّلاةِ أَو بَعدَها : فطهارَتُه وصَلاتُه صَحِيحَتَانِ قولاً وَاحِدًا لِبِنَائه عَلَى الأصلِ ؛ لأَن الأَصْلَ عَدَمُ النَّجَاسَةِ .
اشتباه الماء الممنوع بغير الممنوع

ه- إِذا اشتبه ماءٌ ممنوعٌ مِنْهُ بما ليسَ بِمَمْنوعٍ مَا حُكمُه ؟
الجواب : إِن كَانَ المشتبه ماءً نجسًا بِطَهُورٍ أَوْ ماءً مُبَاحًا بمحرَّمٍ :
اجْتُنِبَ الجَمِيعُ وصارَ وُجُودُهُمَا واحدًا ؛ لِعَدَمِ قُدرَته عَلَى الوُصُولِ إِلَى الماءِ الطهُورِ المبَاحِ ، ويُعدَلُ إِلَى التَّيَمُّم .
إلا إِنْ تمكن من تطهير الماءِ النَّجسِ بالطهُورِ ، بأَنْ يَكُونَ الطهُورُ كَثِيرًا وعنده إناءٌ يَسَعُهُمَا ، فيَخلطهُمَا ويَصِيرَانِ مطهرين .
وعَلَى القَولِ الصَّحِيحِ
: يَبعُد جِدًّا اشتباهُ النجس بالطهُورِ ؛ لأنه لا ينجُسُ الماءُ إلا بالتَّغير .
ولكن مَتَى وَقَعَ الاشتبَاهُ في الصورِ النَّادِرَةِ : كُف عَنِ الجَمِيعِ .
وإِن كَانَ الاشتِبَاهُ بين ماءٍ طَهُورٍ وَمَاءٍ طاهرٍ غَيرِ مُطَهِّرٍ :
عَلَى المذهَبِ تَوضأَ مِنهُمَا وُضُوءًا واحدًا من كُلِّ واحِدٍ منهُمَا غَرفَة وصَحت طَهَارَتُه ؛ لأَن الطهُورَ يطهره والطاهِرُ لا يَضرُّه . فَإِنِ احتاجَ أحدهُمَا للشُّربِ تَحَرَّى في هَذِهِ الحَالِ وتطهر بما غلب على ظَنِّه ، ثم تَيَمَّمَ احتِيَاطًا .
وعَلَى الْقَوْل الصَّحيح
: لا تَتَصَوَّر المسأَلة ؛ لأن الصحيح أَن الماء إِمَّا نَجِس أَو طَهُور ، كما تَقدمَ .
الشَّك في النَّجَاسَة

6- إِذا شككنا في نجاسة شيء أو تَحرِيمهِ فما الطَّرِيق إِلى السَّلامَة ؟
الجواب : الطريق إِلَى السَّلامَة : الرُّجُوع إِلى الأُصُولِ الشرعيةِ ، والبناءُ عَلَى الأمور اليقِينيةِ .
فإن الأَصْلَ في الأشياء : الطهارةُ ، والإِباحَةُ .
فما لم يَأْتنا أَمْز شَرعي يَقِينٌ ؛ يُنْقلُ عَن هَذَا الأَصْلِ ، وإِلا استَمسَكنَا به .
وأَدِلةُ هَذَا الأَصلِ مِن الكِتَابِ والسُّنة كثيرةٌ .
فعَلَى هَذَا الأَصلِ : إِذَا شَكَكْنَا في نَجاسَةِ مَاءٍ ، أَو ثَوْب ، أَو بَدَنٍ ، أَو إِناءٍ ، أَو غيرِ ذلكَ ، فالأَصلُ الطهارةُ .
وكذلك : الأَصْل جوَازُ استعمَالِ الأَمْتِعَةِ ، والأَواني ، وَاللِّبَاس وَالالات ، إلا مَا وَرَدَ تَحريمه عَن الشارِعِ .
وما أَنفَعَ هَذَا الأَصلَ وأكثرَ فائدته وأَجَلَّ عَائِدتَهُ على أَهلِ العِلمِ .
وهو مِن نِعَمِ اللَّه عَلَى عِبَادِهِ ، وتيسِيرِهِ ، وعَفْوِه ، ونَفْيِهِ الْحَرِج عَنْ هذه الأمةِ ، فلِلَّه الحمدُ وَالثِّنَاء .
حُكم استعمال الذهب والفضة

7- مَا حُكمُ استِعمَالِ الذهَبِ والفِضةِ ؟
الجواب : وباللَّهِ التَّوفِيقُ .
يتَحرَّرُ جَوَابُه بِأَنْوَاع الاستِعمَالاتِ ودَرَجَاتِهَا .
فبَابُ اللباسِ أَخَفُّ مِن بَابِ الآنِيَة ، وأَثقَلُ مِن بَابِ لباسِ الحرَبِ .
·أما استعمال الذهب والفضة في الأواني ونَحوِهَا مِنَ الالاتِ :
فَلا يَجُوزُ : لا للذكُورِ ، ولا لِلإِنَاثِ .
لا القليل مِنه ، ولا الكَثِيرُ .
للعُمُومياتِ الناهيَةِ عنه المتوعِّدَةِ عَلَيهِ ، وعدم المخصص .
إلا أنه يُسْتَثْنَى الشيءُ القَلِيلُ مِنَ الفِضةِ إِذا اُحْتِيجَ إِلَيهِ .
لأنه : لما انكَسَرَ قَدَحُ النبي r ؛ اتخذ مكَانَ الشّعَبِ سِلْسِلةَ مِن فضة ، والحديثُ صَحِيح.
فهذَا وَمَا أَشبَهَهُ مِنَ الفضة : جائزٌ ، لا مِنَ الذَّهْب .
·وأَمّا بابُ اللباس والعَتَادِ : فأُبِيحَ ذلك للنِّسَاءِ ؛ لحاجتهن إِلَى التزين ، ولتميّز النِّسَاءِ عن الرجَالِ .
فجميعُ أَنواعِ الْحُلي المستَعْمَلِ للنِّسَاءِ جائزٌ قَلِيلُه وكَثِيرهُ .
وأما الرَّجُل : فَلَم يبحْ لَهُ شَيءٌ مِن ذَلِكَ إلا :
§خاتم الفضة .
§وحلية المنطقةِ من الفضة .
وكذلك من الذهَبِ والفضة مَا دعتْ إِليه حاجَتُه من أَنفٍ ، أَو رباطِ أَسنانٍ ، ونحوها .
·وأَما لباس الْحَرِب :
فهو أَخفُّ من ذَلِكَ كُلِّه.
فإنه يباحُ تَحلِيَةُ السيفِ ، وَالرَّمْح ، والبَارُودِ ، ونحوها ، بأَنواع الذَّهْب والفضَّةِ.
وكذلك الجوشنُ ، والخوذَةُ ، ونحْوُهَا .
وهذا التَّفصِيلُ المذكورُ في غيرِ الضَّرُورَة .
أَما الضَّرُورَة : فتُبِيحُ الذَّهْب والفِضةَ مطلقاً .
ما دَامَت الضرُورَةُ مَوجُودَةً ؛ فإِن الضرُورَاتِ تُبِيحُ المحظُورَاتِ ، كَما أبَاحَ اللَّهُ لَلْمُضْطَرّ أَكلَ الْميتَة ، وَنَحْوِهَا .
حكم أجزاء الميتة

8- مَا حُكْمُ أَجْزَاءِ الْميتَة ؟
الجواب : الْميتَة نَوعَانِ :
·مَيتَةٌ طَاهِرَةٌ :
1- كَالسَّمْكِ .
2- وَالْجِرَاد .
3- ومَالا نَفْسَ لَهُ سائلةٌ .
4 - والآدَمي .
فهذِهِ أجزاؤها تَبَعٌ لها طَهَارَةً وحلاً .
·والنَّوعُ الثَّانِي : الميتَةُ النَّجِسَةُ :
وهِيَ نوعانِ :
§أحدُهُمَا : ما لا تفيد فِيهِ الذكاةُ كَالْكَلْبِ ، والخنْزِيرِ ، ونحوهما .
فهذه أجزاؤها كلها نَجِسَةٌ ؛ ذكِّيَت أَمْ لا .
§والثاني : ما تُفِيدُ فيه الذَّكَاةُ : كالإِبل والبقر والغَنَمِ والطيُورِ .
فَهَذِهِ أَجزاؤهَا ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ .
1- قِسمٌ نَجِسٌ مُطْلقًا : كاللَّحم والشحمِ والمصرَان ونَحوِهَا .
2- وقِسْم طَاهِرٌ مُطلقًا : كالشعرِ والصُّوفِ والوَبَرِ والرَّيش .
3- وقسم فِيهِ خِلافٌ : وهو الجِلْدُ بَعدَ الدَّبْغ والعِظَام وَنَحْوهَا .
وَالْمَشْهُور مِنَ المذهَبِِ: بَقَاؤُهَا عَلَى نَجَاسَتِهَا ، إلا أن الجِلْدَ بَعدَ الدَّبْغ يخف أمرُه فيُستَعمَلُ في اليَابِسَاتِ دُونَ المائعات .
والصَّحِيحُ
: أَن الجلْدَ يَطْهُرُ بالدِّبَاغِ ؛ للأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصرِيحَةِ التي لا مُعَارِضَ لَهَا .
وكذَلِكَ الصَّحِيحُ
: أن العِظَامَ طَاهِرَةٌ ؛ لأَن العِلَّةَ في تَحرِيمِ الميتة - الذي هُوَ احتقان الفضولاتِ الخبيثَةِ فِيهَا - غَيرُ مَوجُودَة في العظَامِ واللَّهُ أعلم .
الأشيَاءُ الموجِبَةُ للطَّهَارَةِ وما يتطهَّرُ لَهُ ؟

9- مَا هي الأشياء الموجِبَة للطَّهَارَةِ الشرعية ؟ وكيفية ذَلِكَ ؟ وما يتطهَّر له ؟
الجواب : الطهارَةُ نَوعَانِ :
1- كُبرى :

تُوجِبُ غَسْلَ البَدَنِ كُلِّهِ .
·والَّذي يوجبها :
1- الجنَابَةُ : بوطء ، أَو إِنزَالٍ ، أَو بهما .
2-والحيض .
3- والنفاسُ .
4- وإسلام الكَافِرِ .
5- وموت غير الشهيدِ .
فهذه الأشياء ، كُلّ وَاحِد منها يوجب غسلَ البَدَنِ كُلِّه .
2- والنَّوع الثَّاني : الطَّهَارَةُ الصُّغرى :

والَّذي يُوجِبُهَا شيئان :
·أَحدُهُمَا : يوجب الاستنجَاءَ والاستِجمَارَ مَعَ غَسلِ الأَعضاءِ الأَرْبَعةِ وهو: جَمِيعُ الخارجِ مِنَ السبيلين من بَولٍ ، وغَائِطٍ ، ونَحوهِمَا ممَّا له جرمٌ .
فَهَذَا إِذَا حَصَلَ أَوجَبَِ:
§إِمَّا الاستجمارَ بِثَلاثِ مَسْحَاتٍ منقِّيَةٍ بأَحجَارٍ وَنَحْوهَا ، غير الرَّوَثِ والعظَامِ ، وَالأَشْيَاء المحترَمَة .
§وإِمَّا الاستنْجاء بمَاءٍ يُزِيلُ الخارج حتَّى يعود المحلُّ كما كان قبل خروج الخارجِ .
والجمع بين الأَمرين أكمَلُ ، ويجوز الاقتصار عَلَى أَحَدِهِمَا .
·والشيء الثَّانِي : يُوجِب غَسْلَ الأَعْضَاءِ الأربعَةِ فَقَط ، وذلك .
ا-كالريحِ .
2- والنَّومِ الكَثِيرِ .
3- ومسِّ الفَرجِ بِالْيَدِ .
4- وَمسِّ المرأَةِ بشَهْوَةٍ .
5- وأكلِ لحومِ الإِبِلِ .
·وتجتمِع الأَحداثُ الكُبرَى بِالْمَنْعِ مِنَ :
ا - الصَّلاةِ .
2- وَالطَّوَاف .
3- ومسِّ المصحَفِ .
4- وقراءَةِ القُرآنِ .
5- واللبثِ في المسجِدِ .
·وينفرد الحيضُ والنِّفاسُ منها بمَنْعِ :
ا- الصَّومِ .
2- وَالطَّلاق .
3- والوطءِ في الفَرجِ .
وتشاركُهَا الأحداثُ الصُّغْرَى في المنْعِ مِنَ الثلاثَةِ الاُوَُلِ .
وَمَتَى تَمتِ الطَّهَارَةُ بِنَوعَيْهَا : أُبيحَتْ جَمِيعُ الأَشيَاءِ المَمْنُوعَةِ .
وقد عُلِمَ بهذا التَّفصيلِ ما يُتَطَهَّرُ له وُجُوبًا . وَأَمَّا ما يُتَطَهَّرُ لَهُ استِحبَابًا :
·فتُسْتَحَبُّ الطِّهَارَتَانِ الكُبرَى والصّغرَى لـ :
1- الأَذَانِ .
2- وأَنواعِ الذَّكَر .
3- وَالْخُطَب.
4 - وللإِحرَامِ .
5- وَدُخُولِ مَكَّةَ .
6- والوقوفِ بعَرَفَةَ .
7- وَلِلإِفَاقَةِ مِن : إِغْمَاء أَوْ جُنُون .
8 - وَللأَكْلِ ، 9 - وَالنَّوْم .
منقووول