راجيةعضـــو نشــط
تاريخ التسجيل : 12/09/2010
| موضوع: شبهة حول قوله تعالى: { إن رحمت الله قريبٌ من المحسنين } الأربعاء 17 نوفمبر 2010 - 7:16 | |
| من الشُّبه اللغوية التي أثيرت حول القرآن الكريم، ما يتعلق بقوله تعالى: { إن رحمت الله قريب من المحسنين } (الأعراف:56) ووجه الشبهة فيما زعموا يتلخص في السؤال الآتي: لماذا لم يُتْبَعْ خبرُ { إنَّ } وهو: { قريب } اسمها، وهو { رحمت } في التأنيث، وكان حقه أن يقول: ( إن رحمة الله قريبة ) إذ ينبغي أن توافق الصفةُ الموصوفَ تذكيرًا وتأنيثًا، وإفرادًا وتثنيةً وجمعًا .
وقبل أن نجيب عن هذه الشبهة، من المفيد أن نقول بداية: إن كلمة { رحمت }في الآية التي بين أيدينا، قد كُتبت بالتاء المفتوحة في المصحف الشريف،وليس بالتاء المربوطة، كما هي في الكتابة الإملائية المعتادة؛ وتعليل ذلكأنها هكذا رُسمت في المصحف العثماني . إذاتبين هذا، نشرع في الإجابة عن هذه الشبهة، فنقول: إن للعلماء توجيهاتعديدة في الإجابة عن هذه الشبهة، بيد أننا نقتصر هنا على أقوى تلكالتوجيهات، وأقومها رشدًا، وأقصدها سبيلا . فمنتلك التوجيهات قولهم: إن من أساليب اللغة العربية، أن القرابة إذا كانتقرابة نسب، تعيَّن التأنيث فيها في الأنثى؛ فتقول: هذه المرأة قريبتي، أي:في النسب؛ ولا تقول: قريب مني. وإن كانت القرابة قرابة مسافة، جاز التذكيروالتأنيث؛ فتقول: داره قريب وقريبة مني. قالوا: ويدل لهذا التوجيه، قولهتعالى: { وما يدريك لعل الساعة قريب } (الشورى:17) وأيضًا قوله سبحانه: { وما يدريك لعل الساعة تكون قريبًا } (الأحزاب:63) ومن هذا القيبل، قول امرئ القيس : له الويل إن أمسى ولا أم هاشم قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا فذكَّر ( قريب ) مع أنه صفة لمؤنث، باعتبار أن القرابة قرابة مكانية لا نَسَبِيَّة. ومنه أيضًا، قول عروة بن الورد : عشية لا عفراء منك قريبة فتدنو ولا عفراء منك بعيد فأنَّث( قريبة ) وذكَّر ( بعيدًا ) على ما تقدم. ولو كان القريب، من القرابة فيالنسب، لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثًا. فهذا التوجيه الأول للآية . التوجيهالثاني قولهم: إن صيغة ( فعيل ) تأتي على ضَربين، أحدهما: بمعنى ( فاعل )كقدير، وسميع، وعليم. والثاني: تأتي بمعنى ( مفعول ) كقتيل، وجريح، وكحيل؛كله بمعنى ( مفعول ). فإذا أتت بمعنى ( فاعل ) فحقُّها إلحاق تاء التأنيثمع المؤنث دون المذكر؛ كجميل وجميلة، وشريف وشريفة، وصبيح وصبيحة، وصبيوصبية، ومليح ومليحة، وطويل وطويلة ونحو ذلك. وإذا أتت بمعنى ( مفعول )فلا تخرج عن حالين: إما أن تكون الصفة مصاحبة للموصوف، أو منفردة عنها؛فإن كانت الصفة مصاحبة للموصوف، استوى فيها المذكر والمؤنث؛ تقول: رجلقتيل، وامرأة قتيل، ورجل جريح، وامرأة جريح؛ وإن لم تكن الصفة مصاحبةللموصوف، فإنها تؤنث، إذا جرت على المؤنث، نحو قتيلة بني فلان. وهذاالمسلك هو من أقوى مسالك النحاة في توجيه الآية . وثمةتوجيه آخر للآية حاصله، أن هذا من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر،لكونه تبعًا له، ومعنًى من معانيه؛ فإذا ذُكر أغنى عن ذكره، لأنه يُفهممنه. ومنه على أحد الوجوه قوله تعالى: { إن نشأ ننـزِّل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } (الشعراء:4) فاستغني عن خبر ( الأعناق ) بالخبر عن أصحابها. ومنه أيضًا في وجه، قوله تعالى: { والله ورسوله أحق أن يرضوه }(التوبة:62) فالمعنى عليه: والله أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك. فاستغنىبإعادة الضمير إلى الله، إذ إرضاؤه هو، إرضاء لرسوله، فلم يحتج أن يقول:يرضوهما. فعلى هذا، يكون الأصل في الآية: إن الله قريب من المحسنين، وإنرحمة الله قريبة من المحسنين. فاستُغْنيَ بخبر المحذوف عن خبر الموجود،وسوَّغ ذلك ظهور المعنى . وقريب من هذا، ما ذكره ابن القيم ،قال - رحمه الله -: " إن الرحمة صفة من صفات الرب تبارك وتعالى، والصفةقائمة بالموصوف لا تفارقه؛ لأن الصفة لا تفارق موصوفها، فإذا كانت رحمتهسبحانه قريبة من المحسنين، فالموصوف تبارك وتعالى أولى بالقرب منها، بلقرب رحمته تعالى تَبَعٌ لقربه هو من المحسنين. وقد تقدم في أول الآية، إنالله تعالى قريب من أهل الإحسان بإثابته، ومن أهل السؤال بإجابته. وإنالإحسان يقتضي قرب الرب من عبده، كما أن العبد قريب من ربه بالإحسان، وإنمن تقرب منه شبرًا، تقرب الله منه ذراعًا، ومن تقرب منه ذراعًا، تقرب منهباعًا، فالرب تبارك وتعالى قريب من المحسنين، ورحمته قريبة منهم، وقربهيستلزم قرب رحمته. ففي حذف التاء ههنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمةالجليلة. إن الله تعالى قريب من المحسنين، وذلك يستلزم القربين: قربه وقربرحمته؛ ولو قال: إن رحمة الله قريبة من المحسنين،لم يدل على قربه تعالىمنهم؛ لأن قربه تعالى أخص من قرب رحمته، والأعم لا يستلزم الأخص، بخلافقربه، فإنه لما كان أخص استلزم الأعم، وهو قرب رحمته ". ثم قال - رحمهالله - بعد أن ذكر هذا التوجيه للآية: "...فلا تستهن بهذا المسلك، فإن لهشأنًا، وهو متضمن لسر بديع من أسرار الكتاب... وهو من أليق ما قيل فيها.وإن شئت قلت: قربه تبارك وتعالى من المحسنين، وقرب رحمته منهم متلازمان،لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا كانت رحمته قريبة منهم، فهو أيضًا قريبمنهم، وإذا كان المعنيان متلازمين، صح إرادة كل واحد منهما، فكان في بيانقربه سبحانه من المحسنين، من التحريض على الإحسان، واستدعائه من النفوس،وترغيبها فيه غاية حظ لها، وأشرفه وأجلُّه على الإطلاق، وهو أفضل إعطاءأُعطيه العبد، وهو قربه تبارك وتعالى من عبده، الذي هو غاية الأماني،ونهاية الآمال، وقرة العيون، وحياة القلوب، وسعادة العبد كلها. فكان فيالعدول عن ( قريبة ) إلى ( قريب ) من استدعاء الإحسان، وترغيب النفوس فيه،ما لا يختلف بعده إلا من غلبت عليه شقاوته، ولا قوة إلا بالله " ا.هـ . علىأن الآية الكريمة قد وجِّهت بتوجيهات أُخر، لم نأتِ على ذكرها؛ استغناءبما هو أولى بالاعتبار، واقتصارًا على ما يفي بالمقام، ودفعًا لم يثيرهقاصري الأفهام. وأيضًا يتبين بما تقدم، أنه ليس ثمة إشكال في الآية، وإنماالإشكال في الأذهان العليلة، والعقول القاصرة، عن فهم كلام العربوأساليبهم التعبيرية، والذي على وَفْقه نزل كلام الرحمن. وعلى الله قصدالسبيل، وهو الموفق للصواب والتسديد . الموضوع : شبهة حول قوله تعالى: { إن رحمت الله قريبٌ من المحسنين } المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: راجية |
|
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| |