العبادة تقوم على ثلاثة أركان هي المحبة والخوف والرجاء, ولابد في العبادة من اجتماع هذه الأمور, قال تعالى في وصف عباده المرسلين: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين). سورة الأنبياء الآية 90
وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: (يحبهم ويحبونه) سورة المائدة الآية 54.
وقال بعض السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق, ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ, ومن عبده بالخوف وحده فهو حاروري, ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له, والعبادة أصل معناها الذل أيضا: يقال طريق معبد إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام, لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب, فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية الحب له, ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدا له, ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له كما يحب الرجل ولده وصديقه, ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى, بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شئ, وأن يكون الله أعظم عنده من كل شئ بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله.
المحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــبة:
أصل الأعمال كلها هو المحبة فالإنسان لا يعمل إلا بما يحب إما لجلب منفعة أو لدفع مضرة, فإذا عمل شيئا فلأنه يحبه إما لذاته كالطعام أو لأنه يوصل إلى المحبوب كالدواء.
وعبادة الله مبنية على المحبة بل هي حقيقة العبادة, إذ لو تعبد المرء لله تعالى بدون محبة صارت عبادته له قشرا لا روح فيها, فإذا كان الإنسان في قلبه محبة لله وللوصول إلى جنته, فسوف يسلك الطريق الموصل إلى ذلك.
المحبة على أربعة أنواع هي:
- محبة الله تعالى وهي محبة التأله أي التعبد الذي يوجب التذلل والتعظيم.
- محبة ما يحبه الله من الأعمال والأقوال والأشخاص وهي مما يتقرب به إلى الله.
- المحبة الشركية وهي محبة غير الله كحب الله وهي محبة العبادة المتضمنة للتقديس والتذلل والتعظيم لغير الله وهذه المحبة شرك أكبر.
قال تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) سورة البقرة الآية 165. أي يحبون هذه الأنداد كمحبة الله فيجعلونها شكراء لله في المحبة, وقال تعالى حاكيا عن المشركين: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين*إذ نسويكم برب العالمين) سورة الشعراء الآيات 97 و98.
- المحبة الطبيعية وهي التي فطر الله الناس عليها كمحبة الوالد لولده والولد لوالده والتلميذ لمعلمه والزوج لزوجته ومحبة الطعام والشراب وهذه المحبة من المباح, إلا إذا اقترن بها التأله والتعبد صارت عبادة.
ولابد أن تكون محبة الله ومحبة ما يحبه الله مقدمة على المحبوبات الأخرى, قال تعالى: (قل إن كان ءاباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) سورة التوبة الاية 24.
وهذا الوعيد في الآية ليس لمجرد حب هذه الأشياء لأن مما جبل الله عليه الإنسان وإنما توعد سبحانه من قدم محبتها على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, فلابد من إيثار ما أحبه الله وأراده من عبده على ما يحبه العبد ويريده..
علامات محبة الله جل جلاله:
- تقديم ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأعمال على ما تحبه نفسه من الشهوات والملذات والأموال والأولاد والأوطان قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وبجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)أخرجه البخاري كتاب الإيمان برقم 16.ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان صال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان برقم 14/143.
- اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به فيفعل ما أمر به ويترك ما نهى عنه, قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم). سورة آل عمران الآية 31.
- الذلة والخضوع والرحمة للمؤمنين والعزة على الكافرين من غير ظلم ولا عدوان.
- الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد والمال واللسان لإعلاء دين الله ورد كيد أعدائه.
- عدم الخوف من لوم اللائمين فيما يعملونه حبا لله.
ودليل هذه العلامات قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) سورة المائدة الآية 54.
من الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى:
- قراءة القرآن وتدبر معانيه.
- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.
- دوام ذكر الله على كل حال باللسان والقلب.
- إيثار ما يحبه الله على ما يحبه العبد عند تزاحم المحبتين.
- التأمل في أسماء الله وصفاته وما تدل عليه من الكمال والجلال, وما لها من الآثار الحميدة.
- التأمل في نعم الله الظاهرة والباطنة ومشاهدة بره وإحسانه وإنعامه على عباده.
- انكسار القلب بين يدي الله وافتقاره إليه.
- التعبد لله وقت النزول الإلهي حين يبقى ثلث الليل الآخر بالتهجد وتلاوة القرآن في هذا الوقت والدعاء, وختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
- مجالسة أهل الخير والصلاح المحبين لله عز وجل والاستفادة من كلامهم.
- الابتعاد عن كل سبب يحول بين القلب وبين الله من الشواغل.
.................................................. ..............
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه, ولو حصل له كل ما يلتذ به
من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن, إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده وحبوبه ومطلوبه, وبذلك يحصل له الفرح والسرور
وهذا لا يحصل له إلا بإعانة الله له لا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله فهو دائما مفتقر إلى حقيقة إياك نعبد وإياك نستعين, فإنه لو أعين
على حصول ما يحبه ولم يحصل له عبادته لله بحيث يكون هو غاية مراده ونهاية مقصودة وهو المحبوب له بالقصد الأول وكل ما سواه
إنما يحبه لأجله لا يحب شيئا لذاته إلا الله متى لم يحصل له هذا لم يكن قد حقق حقيقة لا إله إلا الله ولا حقق التوحيد والعبودية والمحبة
وكان فيه من النقص والعيب بل من الألم والحسرة والعذاب بحسب ذلك.
العبودية ص29 باختصار.
الموضوع : المحبة من أركان العبودية الصحيحة.. المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: شهرزاد