El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: دول حوض النيل تبتز مصر والسودان الثلاثاء 22 فبراير 2011 - 7:11 | |
| على مدى سنوات طويلة.. ظل الخلاف حول حصص مياه نهر النيل محورا دائما للأزمات بين دول المنبع السبع ودولتي المصب لكن هذه الأزمات كانت سرعان ما تخفت لتهدأ الأوضاع من جديد. وبخلاف الأزمات السابقة.. تصاعد حجم الخلاف هذه المرة بشكل كبير بعدما وقعت خمسة من دول المنبع اتفاقية جديدة لتقاسم مياه النيل متجاهلة موقف دولتي المصب (مصر والسودان) اللتين تمسكتا بالاتفاقية الأصلية التي تم توقيعها عام 1929م. وإزاء موقف دول المنبع وإصرارها على تصعيد الموقف.. هددت مصر في باللجوء إلى التحكيم الدولي, واعتبرت المس بمياه النيل من الخطوط الحمراء التي لا يجوز لأحد الاقتراب منها. في هذا الحوار مع الدكتور عباس محمد الشراقي, أستاذ الجيولوجيا والموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الأفريقية بالقاهرة, ومنظم مؤتمر آفاق وتعاون دول حوض النيل, نتعرف على طبيعة هذه الأزمة, والأهداف التي تطمح إليها دول المنبع من تصعيد الأزمة, والخيارات المتاحة أمام مصر والسودان. وفيما يلي نص الحوار: تقول التقديرات أن دول حوض النيل لديها فائض وتنوع في مصادر المياه, بما لا يجعلها في احتياج كبير لمياه النيل.. ما صحة هذه التقديرات؟ هذا بالطبع صحيح, فلدى كل دول حوض النيل مصادر متنوعة من المياه, مثل الأمطار والأنهار الأخرى بخلاف مياه النيل, لكنها لا تحسن الاستفادة من هذه المياه, فعلى سبيل المثال تملك إثيوبيا -التي يقارب عدد سكانها عدد سكان مصر, والتي تتزعم تحريض دول حوض النيل- ما يقرب من ألف مليار متر مكعب من مياه الأمطار والأنهار. ويعد هذا حجما ضخما من المياه مقارنة بما تحصل عليه مصر والسودان, حيث لا يتجاوز نصيبهما معا من مياه النيل 84 مليار متر مكعب, يتبخر منه 10 بالمائة تقريبا, وتحصل مصر على 55 مليار, والباقي يكون من نصيب السودان. لكن المشكلة أن هذه الكمية الضخمة من المياه في إثيوبيا عبارة عن مياه للأمطار تهطل في 3 أشهر فقط خلال السنة, ولا تستطيع هذه الدولة الاستفادة منها بصورة كاملة بسبب ضعف إمكانياتها, فيتبخر منها ما نسبته 80 بالمائة, وتظل بقية العام تعاني من فقر مائي. وما يقال عن إثيوبيا يمكن أن يقال عن بقية دول الحوض الأخرى التي لا تكمن مشكلتها في شح المياه بل في الاستفادة منها على الوجه الصحيح, فالكونجو تملك ما يقرب من 1300 مليار متر مكعب من المياه سنويا, ولا تستفيد من هذا الكم الضخم الذي يتبخر ويذهب معظمه للبحر, وعندهم بالإضافة لذلك نهر الكونجو وهو من أكبر أنهار القارة. وبصفة عامة.. نجد أن اعتماد دول المنبع على مياه النيل منخفض جدا، فرواندا تعتمد على مياه النيل بنسبة 15 بالمائة فقط, وبوروندي 3 بالمائة, وكينيا 7 بالمائة, وإثيوبيا 2 بالمائة, وتنزانيا 2 بالمائة, وأوغندا والكونجو أقل من واحد بالمائة لكل منهما، أما مصر فتأخذ من النيل أكثر من 97 بالمائة من احتياجاتها. ما تقييمكم للدور "الإسرائيلي" في إثارة قضية مياه النيل وتحريض دول المنبع؟ إن الدور "الإسرائيلي" مبالغ فيه, ويأخذ حجما أكبر من حجمه الحقيقي, فإن كانت "إسرائيل" تحرض دول المنبع ضد مصر والسودان, إلا أنها لا يمكن أن تفعل شيئا حقيقيا يمنع المياه عن مصر, نظر للطبيعة التي تتميز بها إثيوبيا, فسطحها المرتفع لا يمكنها من بناء بحيرات ضخمة لتخزين المياه, كما أن تربتها الصخرية لا تحفظ المياه وتساعد على تبخرها, فضلا عن أنه لا يمكن لأي سد مهما بلغت قوته وحصانته أن يوقف قوة اندفاع مياه النيل في هذا البلد, إضافة إلى غزارة مياه الأمطار, وهو ما يعنى أن إثيوبيا يمكن أن تغرق كاملة في حالة عدم تصريف هذه المياه الضخمة لبقية الدول. فالظروف مجتمعه على أن إثيوبيا لا يمكنها تخزين المياه أو إقامة سدود تمنع المياه عن مصر والسودان, وهي بالفعل أقامت سدا بطول 240 مترا ولم يقوى على حجز المياه. ما أريد أن أقوله هو إن تل أبيب ربما تساعد هذه الدول وتحرضها, لكنها حقيقة لا يمكنها أن تساعد هذه الدول أو تقيم معها مشروعات كبرى لوقف أو منع المياه عن مصر والسودان, لان ذلك غير ممكن من الناحية العملية, وستتضرر بها إثيوبيا أكثر من غيرها من الدول, وفي النهاية ستعود المياه لتتدفق على مصر والسودان. هناك تقديرات بأن دور مصر خاصة, والدور الدور العربي بالعموم, تراجع كثيرا في القارة الأفريقية.ما تقييمكم لهذه الدعاوى؟ إن دور مصر في أفريقيا تراجع في الفترة الحالية بالفعل مقارنة بما كان عليه الحال في الستينيات, فقد كان للقاهرة دورا رائدا في القارة الأفريقية خلال هذه الحقبة, أما الآن فهي تنظر لدول القارة على أنها دول فقيرة ومتخلفة, وهذا واضح من مستوى التمثيل المصري -بل والعربي كذلك- في القمم الأفريقية؛ حيث يتدنى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفير, وفي حده الأعلى وزير الخارجية, بخلاف مستوى التمثيل في القمم العربية, أو القمم الأوربية فتكون على مستوى الرؤساء في غالب الأحيان. في ضوء رؤيتكم للظرف الإقليمي والدولي الحالي.. هل يمكن أن تستعيد مصر دورها الريادي في أفريقيا, وما هو سبيلها لذلك؟ تملك مصر إمكانيات هائلة تجعلها قادرة على استعادة دورها الريادي في القارة الأفريقية؛ فلديها الخبراء الأكفاء الذين تحتاجهم القارة, سواء على المستوى الصناعي أو الزراعي وتحسين جودة المنتجات الزراعية. كما يمكن للقاهرة تقديم المزيد من منح التعليم منخفض التكلفة لأبناء الدول الأفريقية, فالأزهر فقط هو من يقدم هذه المنح في الفترة الحالية, ولابد لكسب دول القارة من احتضان أبنائها وتعليمهم في الجامعات المصرية, ومن ثم تخريج نخب تدين بالولاء وحفظ الجميل لمصر, وهو مطلب ملح وشديد الأهمية, حيث يرتبط الشخص ثقافيا بالدولة التي تعلم فيها, وهو الأمر الذي فطنت له الدول الغربية وتمارسه حتى الآن مع الدول العربية وغيرها. بخصوص المفاوضات التي جرت في شرم الشيخ بين مصر والسودان من ناحية ودول المنبع من ناحية أخرى.. ما هي برأيكم الأسباب التي أدت إلى الإخفاق في التوصل لحل؟ يرجع ذلك إلى الاختلاف العميق بين الطرفين, فطلبات كل طرف تتناقض كلية مع طلبات الطرف الأخر, فدول المنبع تريد أن تلغي كافة الاتفاقات القديمة التي عقدتها بريطانيا الدولة المستعمرة لهذه الدول مع مصر في العام 1929م, وتقول أنها كانت مسلوبة الإرادة السياسية وواقعه تحت الاستعمار. أما مصر والسودان, فتتمسكان بهذه الاتفاقية لان إلغائها يعنى فتح المجال لتعديل كافة الاتفاقات الأخرى المتعلقة بمسائل مثل الحدود؛ ما يفتح الباب لنزاعات لا حصر لها بين دول القارة, كما أن إلغاء هذه الاتفاقية يضر بحصتهما من المياه, بالصورة التي لا يمكن أن تستفيد بها دول المنبع. لماذا إذن تثير دول المنبع هذه القضية وتريد إلغاء الاتفاقات السابقة رغم أنها لن تستفيد مائيا, ولديها موارد كافية؟ هذا يقع في دائرة الابتزاز السياسي والاقتصادي, أي الضغط على مصر والسودان, للاستفادة ربما اقتصاديا, خاصة وأنها ورغم مواردها المائية الضخمة إلا أنها لا تستطيع التعامل معها برشد, ومن ثم تعاني في بعض الأحوال من فائض ضخم جدا من المياه, وفي بعض أشهر السنة تعاني من فقر مدقع في المياه, وهذا بخلاف الوضع في مصر والسودان, فرغم الكمية المحدودة التي تصل إليهما من المياه إلا أنها كمية متوافرة طوال العام ولا يعانيان مثلما تعاني منه هذه الدول. وهذا ربما يفسر رغبة هذه الدول واقتراحها على مصر والسودان شراء مياه النيل, مثل البترول والغاز الطبيعي.. أي أنها تريد فقط أن تستفيد بصورة ما من هذه المياه, وتعرف الحاجة الملحة لها في دولتي المصب مصر والسودان, وتضغط عليهما من خلال تعاونها مع إسرائيل. هل تدعم الاتفاقات الدولية والقانون الدولي الموقف المصري في هذه القضية؟ وهل يمكن أن تلجأ مصر للتحكيم الدولي لمنع دول حوض النيل من تنفيذ مشاريع تقلص حصتها من المياه؟ القانون الدولي ينص على أن الدول التي تشترك في مياه الأنهار, لا يجوز لأي منها أن تقيم سدودا ومشروعات تؤثر على الآخرين إلا بموافقتهم, وهذا ما يعني أن القانون الدولي يقف إلى جانب مصر, وليس ضدها. كما أن الاتفاقات الدولية -حتى ولو كان توقعيها تم في ظل الاستعمار- لا يمكن إلغائها من طرف واحد, بلا لابد من توافق كل الدول الموقعة عليها. أما فيما يتعلق بلجوء مصر إلى التحكيم الدولي, فظني أن الأمور لن تتطور إلى هذا الحد, خاصة أن دول المنبع لم تستطيع حتى اللحظة أن تقيم المشروعات أو السدود التي تؤثر بها على حصة مصر, وهو ما يعني أنه لا توجد أركان قضية يمكن أن ترفعها مصر للتحكيم الدولي للنظر فيها. هل يمكن أن يشكل انفصال جنوب السودان تأثيرا وخطرا إضافيا على حصة مصر من المياه؟ لو حدث انفصال, فإن ذك لن يؤثر على حصة مصر من مياه النيل إلا بهامش بسيط جدا, وذلك لان 85 بالمائة من المياه التي تأتي لمصر والسودان تأتي من إثيوبيا, وتصب في النيل الأزرق وعطبرة, وهما في الجزء الشمالي, و10 مليار فقط من إجمالي حصة البلدين البالغة 84 مليار تصب في نهر سوباط في الجنوب السوداني. ولا يمكن للجنوب حتى أن يحتجز هذا الجزء, ولو فعل لغمرته المياه, ولذلك يتم التفكير حاليا في مشروع قناة جونجلي لتصريف هذه المياه والاستفادة بجزء منها. ما تقديركم للموقف المستقبلي, وإلى أين يتجه مسار هذه الأزمة؟ ستظل هذه المناوشات والضغط على مصر والسودان خاصة من خلال الادعاء بالوجود الإسرائيلي وتأثيره, حتى تحصل هذه الدول على ما تراه عائدا مناسبا ومنافع اقتصادية, لكنها في كل الأحوال لن تستطيع التأثير في حصة دول المصب من المياه, ولكن من المهم بالنسبة لمصر تدعيم وجودها في هذه الدول خاصة في مجال المشروعات الزراعية وتوليد الكهرباء.
بقلم الدكتور:عباس محمد الشارقى الموضوع : دول حوض النيل تبتز مصر والسودان المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|