السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أسباب، رقة القلب:
المعرفة بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته: فما رق القلب بسبب أعظم من
سبب الإيمان بالله تعالى.. ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه
رقيقاً لله عز وجل، وكان وقّافاً عند حدود الله؛ لا تأتيه آية من كتاب
الله، وحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا قال بلسان الحال
والمقال:} سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ(285){ [سورة البقرة]..فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى،
وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه إلا
وجدته إلى الخير سباقاً، وعن الشر محجاماً.. فأعظم سبب تلين به القلوب لله
عز وجل، وتنكسر من هيبته: المعرفة بالله تبارك وتعالى، فمن عرف الله؛ رق
قلبه من خشية الله .
والعكس بالعكس: فما وجدت قلباً قاسياً إلا وجدت صاحبه أجهل العباد
بالله، وأبعدهم عن المعرفة ببطش الله، وعذاب الله، وأجهلهم بنعيم الله عز
وجل ورحمته.. حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله، وأيئس ما
يكون من روح الله - والعياذ بالله- لمكان الجهل بالله.
فلما جهل الله تجرأ على حدوده، وتجرأ على محارمه، ولم يعرف إلا
ليلاً ونهاراً، وفسوقاً وفجوراً، هذا الذي يعرفه من حياته، وهذا الذي يعده
هدفاً في وجوده ومستقبله.
لذلك: - أحبتي في الله- المعرفة بالله عز وجل طريق لرقة القلوب،
وكل ما وجدت الإنسان يديم العبرة، يديم التفكر في ملكوت الله، كلما وجدت
قلبه فيه رقة، وكلما وجدت قلبه في خشوع وانكسار إلى الله تبارك وتعالى.
النظر في آيات هذا الكتاب: النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد
والصواب..النظر في كتاب وصفه الله بقوله:} كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ
ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ(1){ [سورة هود] ما قرأ العبد
تلك الآيات، وكان عند قراءته حاضر القلب، متفكراً متأملًا إلا وجدت العين
تدمع، والقلب يخشع، والنفس تتوهج إيماناً من أعماقها؛ تريد المسير إلى الله
تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير
ومحبة الله عز وجل وطاعته.
ما قرأ عبد القرآن، ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قراءتها
والتأمل فيها رقيقاً قد اقشعر قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك
وتعالى:} كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ
إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23){ [سورة الزمر] .
هذا القرآن عجيب، بعض الصحابة تُليت عليه بعض آيات القرآن فنقلته
من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه
وتعالى في آيات يسيرة..هذا القرآن موعظة رب العالمين، وكلام إله الأولين
والآخرين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك قال الله في
كتابه:} وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ(17){ [سورة القمر].
هل هناك من يريد الذكرى؟ هل هناك من يريد العظة الكاملة، والموعظة السامية ؟ هذا كتابنا.
ولذلك:ما أدمن عبد على تلاوة القرآن، وجعل القرآن معه يتلوه آناء الليل والنهار إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
تذكر الآخرة: أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر..وأن يتذكر أن لكل
بداية نهاية، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا
الجنة أو النار.. فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة، وأن المتاع فانٍ،
وأنها غرور حائل؛ دعاه ذلك إلى أن يحتقر الدنيا، ويقبل على ربها إقبال
المنيب الصادق، وعندها يرق قلبه.
ومن نظر إلى القبور، ونظر إلى أحوال أهلها؛ انكسر قلبه، وكان قلبه
أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور؛ ولذلك لن تجد إنساناً يحافظ على زيارة
القبور مع التفكر والتأمل والتدبر، إذ يرى فيها الآباء والأمهات، والإخوان
والأخوات، والأصحاب والأحباب.. يرى منازلهم ويتذكر أنه قريباً سيكون بينهم،
وأنهم جيران بعضهم لبعض قد انقطع التزاور بينهم مع الجيرة.
وأنه قد يتدانى القبران وبينهما كما بين السماء والأرض نعيماً وجحيماً.
ما تذكر عبد هذه المنازل التي ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى
ذكرها إلا رق قلبه من خشية الله.. ولا وقف على شفير قبر، فرآه محفوراً،
فهيأ نفسه أن لو كان صاحب ذلك القبر، ولا وقف على شفير قبر فرآى صاحبه يدلى
فيه، فسأل نفسه
على أي شيء يُغلق؟ أيغلق على مطيع أم عاصي ؟ أيغلق على جحيم أم على
نعيم ؟ فلا إله إلا الله! هو العالم بأحوالهم، وهو الحكم العدل الذي يفصل
بينهم.. ما نظر عبد هذه النظرات، ولا استجاشت في نفسه هذه التأملات إلا
اهتز القلب من خشية الله، وانفطر هيبة لله تبارك وتعالى، وأقبل على الله
إقبال صدق وإنابة وإخبات.
يتبع باذن الله
(أسباب، قسوة)
الموضوع : كيف ترق القلوب ؟_2 المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya