| | مع الآية الثالثة من سورة البقرة وتفسير القرطبى | |
| El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: مع الآية الثالثة من سورة البقرة وتفسير القرطبى الأربعاء 6 يوليو 2011 - 0:55 | |
| ومع الآية الثالثة من سورة البقرة
الَّذِينَ
في مَوْضِع خَفْض نَعْت " لِلْمُتَّقِينَ " , وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى الْقَطْع أَيْ هُمْ الَّذِينَ , وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْمَدْح .
يُؤْمِنُونَ
يُصَدِّقُونَ . وَالْإِيمَان فِي اللُّغَة : التَّصْدِيق ; وَفِي التَّنْزِيل : " وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا " [ يُوسُف : 17 ] أَيْ بِمُصَدِّقٍ ; وَيَتَعَدَّى بِالْبَاءِ وَاللَّام ; كَمَا قَالَ : " وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينكُمْ " [ آل عِمْرَانَ : 73 ] " فَمَا آمَنَ لِمُوسَى " [ يُونُس : 83 ] وَرَوَى حَجَّاج بْن حَجَّاج الْأَحْوَل - وَيُلَقَّب بِزِقِّ الْعَسَل - قَالَ سَمِعْت قَتَادَة يَقُول : يَا بْن آدَم , إِنْ كُنْت لَا تُرِيد أَنْ تَأْتِي الْخَيْر إِلَّا عَنْ نَشَاط فَإِنَّ نَفْسك مَائِلَة إِلَى السَّأْمَة وَالْفَتْرَة وَالْمَلَّة ; وَلَكِنَّ الْمُؤْمِن هُوَ الْمُتَحَامِل , وَالْمُؤْمِن هُوَ الْمُتَقَوِّي , وَالْمُؤْمِن هُوَ الْمُتَشَدِّد , وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ الْعَجَّاجُونَ إِلَى اللَّه اللَّيْل وَالنَّهَار ; وَاَللَّه مَا يَزَال الْمُؤْمِن يَقُول : رَبّنَا فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة حَتَّى اِسْتَجَابَ لَهُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة .
بِالْغَيْبِ
الْغَيْب فِي كَلَام الْعَرَب كُلّ مَا غَابَ عَنْك , وَهُوَ مِنْ ذَوَات الْيَاء يُقَال مِنْهُ : غَابَتْ الشَّمْس تَغِيب ; وَالْغِيبَة مَعْرُوفَة . وَأَغَابَتْ الْمَرْأَة فَهِيَ مُغِيبَة إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجهَا , وَوَقَعْنَا فِي غَيْبَة وَغِيَابَة , أَيْ هَبْطَة مِنْ الْأَرْض ; وَالْغِيَابَة : الْأَجَمَة , وَهِيَ جِمَاع الشَّجَر يُغَاب فِيهَا , وَيُسَمَّى الْمُطْمَئِنّ مِنْ الْأَرْض : الْغَيْب ; لِأَنَّهُ غَابَ عَنْ الْبَصَر . وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَأْوِيل الْغَيْب هُنَا ; فَقَالَتْ فِرْقَة : الْغَيْب فِي هَذِهِ الْآيَة : اللَّه سُبْحَانه . وَضَعَّفَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْقَضَاء وَالْقَدَر . وَقَالَ آخَرُونَ : الْقُرْآن وَمَا فِيهِ مِنْ الْغُيُوب . وَقَالَ آخَرُونَ : الْغَيْب كُلّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام مِمَّا لَا تَهْتَدِي إِلَيْهِ الْعُقُول مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة وَعَذَاب الْقَبْر وَالْحَشْر وَالنَّشْر وَالصِّرَاط وَالْمِيزَان وَالْجَنَّة وَالنَّار . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذِهِ الْأَقْوَال لَا تَتَعَارَض بَلْ يَقَع الْغَيْب عَلَى جَمِيعهَا . قُلْت : وَهَذَا الْإِيمَان الشَّرْعِيّ الْمُشَار إِلَيْهِ فِي حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَان . قَالَ : ( أَنْ تُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَالْيَوْم الْآخِر وَتُؤْمِن بِالْقَدَرِ خَيْره وَشَرّه ) . قَالَ : صَدَقْت . وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ , ثُمَّ قَرَأَ : " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : 3 ] . قُلْت : وَفِي التَّنْزِيل : " وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ " [ الْأَعْرَاف : 7 ] وَقَالَ : " الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ بِالْغَيْبِ " [ الْأَنْبِيَاء : 49 ] فَهُوَ سُبْحَانه غَائِب عَنْ الْأَبْصَار , غَيْر مَرْئِيّ فِي هَذِهِ الدَّار , غَيْر غَائِب بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَال ; فَهُمْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ لَهُمْ رَبًّا قَادِرًا يُجَازِي عَلَى الْأَعْمَال , فَهُمْ يَخْشَوْنَهُ فِي سَرَائِرهمْ وَخَلَوَاتهمْ الَّتِي يَغِيبُونَ فِيهَا عَنْ النَّاس , لِعِلْمِهِمْ بِاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِمْ , وَعَلَى هَذَا تَتَّفِق الْآي وَلَا تَتَعَارَض , وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقِيلَ : " بِالْغَيْبِ " أَيْ بِضَمَائِرِهِمْ وَقُلُوبهمْ بِخِلَافِ الْمُنَافِقِينَ ; وَهَذَا قَوْل حَسَن . وَقَالَ الشَّاعِر : وَبِالْغَيْبِ آمَنَّا وَقَدْ كَانَ قَوْمنَا يُصَلُّونَ لِلْأَوْثَانِ قَبْل مُحَمَّد
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
مَعْطُوف جُمْلَة عَلَى جُمْلَة . وَإِقَامَة الصَّلَاة أَدَاؤُهَا بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنهَا وَهَيْئَاتهَا فِي أَوْقَاتهَا ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . يُقَال : قَامَ الشَّيْء أَيْ دَامَ وَثَبَتَ , وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَام عَلَى الرِّجْل ; وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلك : قَامَ الْحَقّ أَيْ ظَهَرَ وَثَبَتَ ; قَالَ الشَّاعِر : وَقَامَتْ الْحَرْب بِنَا عَلَى سَاق وَقَالَ آخَر : وَإِذَا يُقَال أَتَيْتُمْ لَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى تُقِيم الْخَيْل سُوق طِعَان وَقِيلَ : " يُقِيمُونَ " يُدِيمُونَ , وَأَقَامَهُ أَيْ أَدَامَهُ ; وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ عُمَر بِقَوْلِهِ : ( مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينه , وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع . ) إِقَامَة الصَّلَاة مَعْرُوفَة ; وَهِيَ سُنَّة عِنْد الْجُمْهُور , وَأَنَّهُ لَا إِعَادَة عَلَى تَارِكهَا . وَعِنْد الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَابْن أَبِي لَيْلَى هِيَ وَاجِبَة , وَعَلَى مَنْ تَرَكَهَا الْإِعَادَة ; وَبِهِ قَالَ أَهْل الظَّاهِر , وَرُوِيَ عَنْ مَالِك , وَاخْتَارَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ قَالَ : لِأَنَّ فِي حَدِيث الْأَعْرَابِيّ ( وَأَقِمْ ) فَأَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ كَمَا أَمَرَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَالِاسْتِقْبَال وَالْوُضُوء . قَالَ : فَأَمَّا أَنْتُمْ الْآن وَقَدْ وَقَفْتُمْ عَلَى الْحَدِيث فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِإِحْدَى رِوَايَتَيْ مَالِك الْمُوَافِقَة لِلْحَدِيثِ , وَهِيَ أَنَّ الْإِقَامَة فَرْض . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير ) دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الصَّلَاة مَنْ لَمْ يُحْرِم , فَمَا كَانَ قَبْل الْإِحْرَام فَحُكْمه أَلَّا تُعَاد مِنْهُ الصَّلَاة إِلَّا أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى شَيْء فَيُسَلَّم لِلْإِجْمَاعِ كَالطَّهَارَةِ وَالْقِبْلَة وَالْوَقْت وَنَحْو ذَلِكَ . وَقَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَعَادَ الصَّلَاة , وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوُجُوبِهَا إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَاسْتَوَى سَهْوهَا وَعَمْدهَا , وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلِاسْتِخْفَافِ بِالسُّنَنِ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَة هَلْ يُسْرِع أَوْ لَا ؟ فَذَهَبَ الْأَكْثَر إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْرِع وَإِنْ خَافَ فَوْت الرَّكْعَة لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَة فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) . رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدكُمْ وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار صَلِّ مَا أَدْرَكْت وَاقْضِ مَا سَبَقَك ) . وَهَذَا نَصّ . وَمِنْ جِهَة الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَسْرَعَ اِنْبَهَرَ فَشَوَّشَ عَلَيْهِ دُخُوله فِي الصَّلَاة وَقِرَاءَتهَا وَخُشُوعهَا . وَذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف مِنْهُمْ اِبْن عُمَر وَابْن مَسْعُود عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوَاتهَا أَسْرَعَ . وَقَالَ إِسْحَاق : يُسْرِع إِذَا خَافَ فَوَات الرَّكْعَة ; وَرُوِيَ عَنْ مَالِك نَحْوه , وَقَالَ : لَا بَأْس لِمَنْ كَانَ عَلَى فَرَس أَنْ يُحَرِّك الْفَرَس ; وَتَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى الْفَرْق بَيْن الْمَاشِي وَالرَّاكِب ; لِأَنَّ الرَّاكِب لَا يَكَاد أَنْ يَنْبَهِر كَمَا يَنْبَهِر الْمَاشِي . قُلْت : وَاسْتِعْمَال سُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلّ حَال أَوْلَى , فَيَمْشِي كَمَا جَاءَ الْحَدِيث وَعَلَيْهِ السَّكِينَة وَالْوَقَار ; لِأَنَّهُ فِي صَلَاة , وَمُحَال أَنْ يَكُون خَبَره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَاف مَا أَخْبَرَ ; فَكَمَا أَنَّ الدَّاخِل فِي الصَّلَاة يَلْزَم الْوَقَار وَالسُّكُون كَذَلِكَ الْمَاشِي , حَتَّى يَحْصُل لَهُ التَّشَبُّه بِهِ فَيَحْصُل لَهُ ثَوَابه . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّة , وَمَا خَرَّجَهُ الدَّارِمِيّ فِي مُسْنَده قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُف قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا تَوَضَّأْت فَعَمَدْت إِلَى الْمَسْجِد فَلَا تُشَبِّكَنَّ بَيْن أَصَابِعك فَإِنَّك فِي صَلَاة ) . فَمَنَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ صَحِيح مِمَّا هُوَ أَقَلّ مِنْ الْإِسْرَاع وَجَعَلَهُ كَالْمُصَلِّي ; وَهَذِهِ السُّنَن تُبَيِّن مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : " فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْر اللَّه " [ الْجُمُعَة : 9 ] وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الِاشْتِدَاد عَلَى الْأَقْدَام , وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَل وَالْفِعْل ; هَكَذَا فَسَّرَهُ مَالِك . وَهُوَ الصَّوَاب فِي ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ) وَقَوْله : ( وَاقْضِ مَا سَبَقَك ) هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد أَوْ لَا ؟ فَقِيلَ : هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد وَأَنَّ الْقَضَاء قَدْ يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ التَّمَام , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة " [ الْجُمُعَة : 10 ] وَقَالَ : " فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ " [ الْبَقَرَة : 200 ] . وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف , وَهُوَ الصَّحِيح ; وَيَتَرَتَّب عَلَى هَذَا الْخِلَاف خِلَاف فِيمَا يُدْرِكهُ الدَّاخِل هَلْ هُوَ أَوَّل صَلَاته أَوْ آخِرهَا ؟ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّل جَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب مَالِك - مِنْهُمْ اِبْن الْقَاسِم - وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بِالْحَمْدِ وَسُورَة , فَيَكُون بَانِيًا فِي الْأَفْعَال قَاضِيًا فِي الْأَقْوَال . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ الْمَذْهَب . وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابنَا , وَهُوَ قَوْل الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَالطَّبَرِيّ وَدَاوُد بْن عَلِيّ . وَرَوَى أَشْهَب وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن عَبْد الْحَكَم عَنْ مَالِك , وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك , أَنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ آخِر صَلَاته , وَأَنَّهُ يَكُون قَاضِيًا فِي الْأَفْعَال وَالْأَقْوَال ; وَهُوَ قَوْل الْكُوفِيِّينَ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْوَهَّاب : وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالِك . قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : مَنْ جَعَلَ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته فَأَظُنّهُمْ رَاعَوْا الْإِحْرَام ; لِأَنَّهُ لَا يَكُون إِلَّا فِي أَوَّل الصَّلَاة , وَالتَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم لَا يَكُون إِلَّا فِي آخِرهَا ; فَمِنْ هَاهُنَا قَالُوا : إِنَّ مَا أَدْرَكَ فَهُوَ أَوَّل صَلَاته , مَعَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّة مِنْ قَوْله : ( فَأَتِمُّوا ) وَالتَّمَام هُوَ الْآخِر . وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِقَوْلِهِ : ( فَاقْضُوا ) وَاَلَّذِي يَقْضِيه هُوَ الْفَائِت , إِلَّا أَنَّ رِوَايَة مَنْ رَوَى " فَأَتِمُّوا " أَكْثَر , وَلَيْسَ يَسْتَقِيم عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّل صَلَاته وَيَطَّرِد , إِلَّا مَا قَالَهُ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة الْمَاجِشُونَ وَالْمُزَنِيّ وَإِسْحَاق وَدَاوُد مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأ مَعَ الْإِمَام بِالْحَمْدِ وَسُورَة إِنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مَعَهُ ; وَإِذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ قَرَأَ بِالْحَمْدِ وَحْدهَا ; فَهَؤُلَاءِ اِطَّرَدَ عَلَى أَصْلهمْ قَوْلهمْ وَفِعْلهمْ , رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . الْإِقَامَة تَمْنَع مِنْ اِبْتِدَاء صَلَاة نَافِلَة , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ) خَرَّجَهُ مُسْلِم وَغَيْره ; فَأَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي نَافِلَة فَلَا يَقْطَعهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ " [ مُحَمَّد : 33 ] وَخَاصَّة إِذَا صَلَّى رَكْعَة مِنْهَا . وَقِيلَ : يَقْطَعهَا لِعُمُومِ الْحَدِيث فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة ; فَقَالَ مَالِك : يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَلَا يَرْكَعهُمَا ; وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُل الْمَسْجِد فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوَات رَكْعَة فَلْيَرْكَع خَارِج الْمَسْجِد , وَلَا يَرْكَعهُمَا فِي شَيْء مِنْ أَفْنِيَة الْمَسْجِد - الَّتِي تُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَة - اللَّاصِقَة بِالْمَسْجِدِ ; وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَة الْأُولَى فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ ; ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس إِنْ أَحَبَّ ; وَلَأَنْ يُصَلِّيَهُمَا إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس أَحَبّ إِلَيَّ وَأَفْضَل مِنْ تَرْكهمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : إِنْ خَشِيَ أَنْ تَفُوتهُ الرَّكْعَتَانِ وَلَا يُدْرِك الْإِمَام قَبْل رَفْعه مِنْ الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة دَخَلَ مَعَهُ , وَإِنْ رَجَا أَنْ يُدْرِك رَكْعَة صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْر خَارِج الْمَسْجِد , ثُمَّ يَدْخُل مَعَ الْإِمَام وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ ; إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز رُكُوعهمَا فِي الْمَسْجِد مَا لَمْ يَخَفْ فَوْت الرَّكْعَة الْأَخِيرَة . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِنْ خَشِيَ فَوْت رَكْعَة دَخَلَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُصَلِّهِمَا وَإِلَّا صَلَّاهُمَا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِد . وَقَالَ الْحَسَن بْن حَيّ وَيُقَال اِبْن حَيَّان : إِذَا أَخَذَ الْمُقِيم فِي الْإِقَامَة فَلَا تَطَوُّع إِلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْر . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة دَخَلَ مَعَ الْإِمَام وَلَمْ يَرْكَعهُمَا لَا خَارِج الْمَسْجِد وَلَا فِي الْمَسْجِد . وَكَذَلِكَ قَالَ الطَّبَرِيّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَحُكِيَ عَنْ مَالِك ; وَهُوَ الصَّحِيح فِي ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام . ( إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ) . وَرَكْعَتَا الْفَجْر إِمَّا سُنَّة , وَإِمَّا فَضِيلَة , وَإِمَّا رَغِيبَة ; وَالْحُجَّة عِنْد التَّنَازُع حُجَّة السُّنَّة . وَمِنْ حُجَّة قَوْل مَالِك الْمَشْهُور وَأَبِي حَنِيفَة مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ جَاءَ وَالْإِمَام يُصَلِّي صَلَاة الصُّبْح فَصَلَّاهُمَا فِي حُجْرَة حَفْصَة , ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَام . وَمِنْ حُجَّة الثَّوْرِيّ فَتَضَيَّفُوهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِد . وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَصَلَّى إِلَى أُسْطُوَانَة فِي الْمَسْجِد رَكْعَتَيْ الْفَجْر , ثُمَّ دَخَلَ الصَّلَاة بِمَحْضَرٍ مِنْ حُذَيْفَة وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . قَالُوا : ( وَإِذَا جَازَ أَنْ يَشْتَغِل بِالنَّافِلَةِ عَنْ الْمَكْتُوبَة خَارِج الْمَسْجِد جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِد ) , رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَالِك اِبْن بُحَيْنَة قَالَ : أُقِيمَتْ صَلَاة الصُّبْح فَرَأَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّن يُقِيم , فَقَالَ : ( أَتُصَلِّي الصُّبْح أَرْبَعًا ) ! وَهَذَا إِنْكَار مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُل لِصَلَاتِهِ رَكْعَتَيْ الْفَجْر فِي الْمَسْجِد وَالْإِمَام يُصَلِّي , وَيُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ بِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْر إِنْ وَقَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَال صَحَّتْ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَقْطَع عَلَيْهِ صَلَاته مَعَ تَمَكُّنه مِنْ ذَلِكَ , وَاَللَّه أَعْلَم . الصَّلَاة أَصْلهَا فِي اللُّغَة الدُّعَاء , مَأْخُوذَة مِنْ صَلَّى يُصَلِّي إِذَا دَعَا ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِذَا دُعِيَ أَحَدكُمْ إِلَى طَعَام فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ ) أَيْ فَلْيَدْعُ . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : إِنَّ الْمُرَاد الصَّلَاة الْمَعْرُوفَة , فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَنْصَرِف , وَالْأَوَّل أَشْهَر وَعَلَيْهِ مِنْ الْعُلَمَاء الْأَكْثَر . وَلَمَّا وَلَدَتْ أَسْمَاء عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر أَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَتْ أَسْمَاء : ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ , أَيْ دَعَا لَهُ . وَقَالَ تَعَالَى : " وَصَلِّ عَلَيْهِمْ " [ التَّوْبَة : 103 ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ . وَقَالَ الْأَعْشَى : تَقُول بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْتُ مُرْتَحِلًا يَا رَبّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَاب وَالْوَجَعَا عَلَيْك مِثْل الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْء مُضْطَجَعَا وَقَالَ الْأَعْشَى أَيْضًا : وَقَابَلَهَا الرِّيح فِي دَنِّهَا وَصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمَ اِرْتَسَمَ الرَّجُل : كَبَّرَ وَدَعَا , قَالَ فِي الصِّحَاح , وَقَالَ قَوْم : هِيَ مَأْخُوذَة مِنْ الصَّلَا وَهُوَ عِرْق فِي وَسَط الظَّهْر وَيَفْتَرِق عِنْد الْعَجْب فَيَكْتَنِفهُ , وَمِنْهُ أُخِذَ الْمُصَلِّي فِي سَبَق الْخَيْل ; لِأَنَّهُ يَأْتِي فِي الْحَلْبَة وَرَأْسه عِنْد صَلْوَى السَّابِق , فَاشْتُقَّتْ الصَّلَاة مِنْهُ , إِمَّا لِأَنَّهَا جَاءَتْ ثَانِيَة لِلْإِيمَانِ فَشُبِّهَتْ بِالْمُصَلِّي مِنْ الْخَيْل , وَإِمَّا لِأَنَّ الرَّاكِع تُثْنَى صَلَوَاهُ . وَالصَّلَا : مَغْرِز الذَّنَب مِنْ الْفَرَس , وَالِاثْنَانِ صَلَوَانِ . وَالْمُصَلِّي : تَالِي السَّابِق ; لِأَنَّ رَأْسه عِنْد صَلَاهُ . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : سَبَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى أَبُو بَكْر وَثَلَّثَ عُمَر . وَقِيلَ : هِيَ مَأْخُوذَة مِنْ اللُّزُوم , وَمِنْهُ صَلِيَ بِالنَّارِ إِذَا لَزِمَهَا , وَمِنْهُ " تَصْلَى نَارًا حَامِيَة " [ الْغَاشِيَة : 4 ] . وَقَالَ الْحَارِث بْن عُبَاد : لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتهَا عَلِمَ اللَّه وَإِنِّي بِحَرِّهَا الْيَوْم صَال أَيْ مُلَازِم لِحَرِّهَا , وَكَأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا مُلَازَمَة الْعِبَادَة عَلَى الْحَدّ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ . وَقِيلَ : هِيَ مَأْخُوذَة مِنْ صَلَيْت الْعُود بِالنَّارِ إِذَا قَوَّمْته وَلَيَّنْته بِالصِّلَاءِ . وَالصِّلَاء : صِلَاء النَّار بِكَسْرِ الصَّاد مَمْدُود , فَإِنْ فَتَحْت الصَّاد قَصَرْت , فَقُلْت صَلَا النَّار , فَكَأَنَّ الْمُصَلِّي يُقَوِّم نَفْسه بِالْمُعَانَاةِ فِيهَا وَيَلِينَ وَيَخْشَع , قَالَ نُجَيْد : فَلَا تَعْجَل بِأَمْرِك وَاسْتَدِمْهُ فَمَا صَلَّى عَصَاك كَمُسْتَدِيمِ وَالصَّلَاة : الدُّعَاء وَالصَّلَاة : الرَّحْمَة , وَمِنْهُ : ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد ) الْحَدِيث . وَالصَّلَاة : الْعِبَادَة , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت " [ الْأَنْفَال : 35 ] الْآيَة , أَيْ عِبَادَتهمْ . وَالصَّلَاة : النَّافِلَة , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ " [ طَه : 132 ] . وَالصَّلَاة التَّسْبِيح , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ " [ الصَّافَّات : 143 ] أَيْ مِنْ الْمُصَلِّينَ . وَمِنْهُ سُبْحَة الضُّحَى . وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيل " نُسَبِّح بِحَمْدِك " [ الْبَقَرَة : 30 ] نُصَلِّي . وَالصَّلَاة : الْقِرَاءَة , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تَجْهَر بِصَلَاتِك " [ الْإِسْرَاء : 110 ] فَهِيَ لَفْظ مُشْتَرَك . وَالصَّلَاة : بَيْت يُصَلَّى فِيهِ , قَالَهُ اِبْن فَارِس . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الصَّلَاة اِسْم عَلَم وُضِعَ لِهَذِهِ الْعِبَادَة , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُخْلِ زَمَانًا مِنْ شَرْع , وَلَمْ يُخْلَ شَرْع مِنْ صَلَاة , حَكَاهُ أَبُو نَصْر وَحُكِيَ . قُلْت : فَعَلَى هَذَا الْقَوْل لَا اِشْتِقَاق لَهَا , وَعَلَى قَوْل الْجُمْهُور وَهِيَ : - اِخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ هَلْ هِيَ مُبْقَاة عَلَى أَصْلهَا اللُّغَوِيّ الْوَضْعِيّ الِابْتِدَائِيّ , وَكَذَلِكَ الْإِيمَان وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحَجّ , وَالشَّرْع إِنَّمَا تَصَرَّفَ بِالشُّرُوطِ وَالْأَحْكَام , أَوْ هَلْ تِلْكَ الزِّيَادَة مِنْ الشَّرْع تُصَيِّرهَا مَوْضُوعَة كَالْوَضْعِ الِابْتِدَائِيّ مِنْ قِبَل الشَّرْع . هُنَا اِخْتِلَافهمْ وَالْأَوَّل أَصَحّ ; لِأَنَّ الشَّرِيعَة ثَبَتَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ , وَالْقُرْآن نَزَلَ بِهَا بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين , وَلَكِنْ لِلْعَرَبِ تَحَكُّم فِي الْأَسْمَاء , كَالدَّابَّةِ وُضِعَتْ لِكُلِّ مَا يَدِبّ , ثُمَّ خَصَّصَهَا الْعُرْف بِالْبَهَائِمِ فَكَذَلِكَ لِعُرْفِ الشَّرْع تَحَكُّم فِي الْأَسْمَاء , وَاَللَّه أَعْلَم . وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا , فَقِيلَ : الْفَرَائِض . وَقِيلَ : الْفَرَائِض وَالنَّوَافِل مَعًا , وَهُوَ الصَّحِيح ; لِأَنَّ اللَّفْظ عَامّ وَالْمُتَّقِي يَأْتِي بِهِمَا . الصَّلَاة سَبَب لِلرِّزْقِ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ " [ طَه : 132 ] الْآيَة , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي " طَه " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَشِفَاء مِنْ وَجَع الْبَطْن وَغَيْره , رَوَى اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : هَجَّرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَّرْت فَصَلَّيْت ثُمَّ جَلَسْت , فَالْتَفَتَ إِلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( أَشْكَمْتَ دَرْدَه ) قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه , قَالَ : ( قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّ فِي الصَّلَاة شِفَاء ) . فِي رِوَايَة : ( أَشْكَمْتَ دَرْد ) يَعْنِي تَشْتَكِي بَطْنك بِالْفَارِسِيَّةِ , وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذَا حَزَبَهُ أَمْر فَزِعَ إِلَى الصَّلَاة . الصَّلَاة لَا تَصِحّ إِلَّا بِشُرُوطٍ وَفُرُوض , فَمِنْ شُرُوطهَا : الطَّهَارَة , وَسَيَأْتِي بَيَان أَحْكَامهَا فِي سُورَة النِّسَاء وَالْمَائِدَة . وَسَتْر الْعَوْرَة , يَأْتِي فِي الْأَعْرَاف الْقَوْل فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَأَمَّا فُرُوضهَا : فَاسْتِقْبَال الْقِبْلَة , وَالنِّيَّة , وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالْقِيَام لَهَا , وَقِرَاءَة أُمّ الْقُرْآن وَالْقِيَام لَهَا , وَالرُّكُوع وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ , وَرَفْع الرَّأْس مِنْ الرُّكُوع وَالِاعْتِدَال فِيهِ , وَالسُّجُود وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ , وَرَفْع الرَّأْس مِنْ السُّجُود , وَالْجُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ , وَالسُّجُود الثَّانِي وَالطُّمَأْنِينَة فِيهِ . وَالْأَصْل فِي هَذِهِ الْجُمْلَة حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي الرَّجُل الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاة لَمَّا أَخَلَّ بِهَا , فَقَالَ لَهُ : ( إِذَا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَأَسْبِغْ الْوُضُوء ثُمَّ اِسْتَقْبِلْ الْقِبْلَة ثُمَّ كَبِّرْ ثُمَّ اِقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآن ثُمَّ اِرْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنّ رَاكِعًا ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِل قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنّ سَاجِدًا ثُمَّ اِرْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنّ جَالِسًا ثُمَّ اِفْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا ) خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَمِثْلُهُ حَدِيث رِفَاعَة بْن رَافِع , أَخْرَجَهُ الْمَسْرُوقِيّ وَغَيْره . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَبَيَّنَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْكَان الصَّلَاة , وَسَكَتَ عَنْ الْإِقَامَة وَرَفْع الْيَدَيْنِ وَعَنْ حَدّ الْقِرَاءَة وَعَنْ تَكْبِير الِانْتِقَالَات , وَعَنْ التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود , وَعَنْ الْجِلْسَة الْوُسْطَى , وَعَنْ التَّشَهُّد وَعَنْ الْجِلْسَة الْأَخِيرَة وَعَنْ السَّلَام . أَمَّا الْإِقَامَة وَتَعْيِين الْفَاتِحَة فَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِمَا . وَأَمَّا رَفْع الْيَدَيْنِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْد جَمَاعَة الْعُلَمَاء وَعَامَّة الْفُقَهَاء ; لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة وَحَدِيث رِفَاعَة بْن رَافِع . وَقَالَ دَاوُد وَبَعْض أَصْحَابه بِوُجُوبِ ذَلِكَ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام . وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه : الرَّفْع عِنْد الْإِحْرَام وَعِنْد الرُّكُوع وَعِنْد الرَّفْع مِنْ الرُّكُوع وَاجِب , وَإِنَّ مَنْ لَمْ يَرْفَع يَدَيْهِ فَصَلَاته بَاطِلَة , وَهُوَ قَوْل الْحُمَيْدِيّ , وَرِوَايَة عَنْ الْأَوْزَاعِيّ . وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ . قَالُوا : فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَل كَمَا رَأَيْنَاهُ يَفْعَل ; لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغ عَنْ اللَّه مُرَاده . وَأَمَّا التَّكْبِير مَا عَدَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَمَسْنُون عِنْد الْجُمْهُور لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور . وَكَانَ اِبْن قَاسِم صَاحِب مَالِك يَقُول : مَنْ أَسْقَطَ مِنْ التَّكْبِير فِي الصَّلَاة ثَلَاث تَكْبِيرَات فَمَا فَوْقهَا سَجَدَ قَبْل السَّلَام , وَإِنْ لَمْ يَسْجُد بَطَلَتْ صَلَاته , وَإِنْ نَسِيَ تَكْبِيرَة وَاحِدَة أَوْ اِثْنَتَيْنِ سَجَدَ أَيْضًا لِلسَّهْوِ , فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ , وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَة الْوَاحِدَة لَا سَهْو عَلَى مَنْ سَهَا فِيهَا . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ عِظَم التَّكْبِير وَجُمْلَته عِنْده فَرْض , وَأَنَّ الْيَسِير مِنْهُ مُتَجَاوَز عَنْهُ . وَقَالَ أَصْبَغ بْن الْفَرَج وَعَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم : لَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ يُكَبِّر فِي الصَّلَاة مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرهَا شَيْء إِذَا كَبَّرَ تَكْبِيرَة الْإِحْرَام , فَإِنْ تَرَكَهُ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ , فَإِنْ لَمْ يَسْجُد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ , وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُك التَّكْبِير عَامِدًا ; لِأَنَّهُ سُنَّة مِنْ سُنَن الصَّلَاة , فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَصَلَاته مَاضِيَة . قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّحِيح , وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الشَّافِعِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَجَمَاعَة أَهْل الْحَدِيث وَالْمَالِكِيِّينَ غَيْر مَنْ ذَهَبَ مَذْهَب اِبْن الْقَاسِم . وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب إِتْمَام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ) وَسَاقَ حَدِيث مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه قَالَ : صَلَّيْت خَلْف عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَا وَعِمْرَان بْن حُصَيْن , فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ , وَإِذَا رَفَعَ رَأْسه كَبَّرَ , وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ , فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاة أَخَذَ بِيَدَيْ عِمْرَان بْن حُصَيْن فَقَالَ : لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ قَالَ : لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلَاة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَحَدِيث عِكْرِمَة قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا عِنْد الْمَقَام يُكَبِّر فِي كُلّ خَفْض وَرَفْع , وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ , فَأَخْبَرْت اِبْن عَبَّاس فَقَالَ : أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أُمّ لَك فَدَلَّك الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه بِهَذَا الْبَاب عَلَى أَنَّ التَّكْبِير لَمْ يَكُنْ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدهمْ . رَوَى أَبُو إِسْحَاق السَّبِيعِيّ عَنْ يَزِيد بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَلِيّ يَوْم الْجَمَل صَلَاة أَذْكَرَنَا بِهَا صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانَ يُكَبِّر فِي كُلّ خَفْض وَرَفْع , وَقِيَام وَقُعُود , قَالَ أَبُو مُوسَى : فَإِمَّا نَسِينَاهَا وَإِمَّا تَرَكْنَاهَا عَمْدًا . قُلْت : أَتَرَاهُمْ أَعَادُوا الصَّلَاة ! فَكَيْفَ يُقَال مَنْ تَرَكَ التَّكْبِير بَطَلَتْ صَلَاته ! وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْق بَيْن السُّنَّة وَالْفَرْض , وَالشَّيْء إِذَا لَمْ يَجِب أَفْرَاده لَمْ يَجِب جَمِيعه , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق . وَأَمَّا التَّسْبِيح فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَغَيْر وَاجِب عِنْد الْجُمْهُور لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور , وَأَوْجَبَهُ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ , وَأَنَّ مَنْ تَرَكَهُ أَعَادَ الصَّلَاة ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَمَّا الرُّكُوع فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُود فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاء فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَاب لَكُمْ ) . وَأَمَّا الْجُلُوس وَالتَّشَهُّد فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ , فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه : الْجُلُوس الْأَوَّل وَالتَّشَهُّد لَهُ سُنَّتَانِ . وَأَوْجَبَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء الْجُلُوس الْأَوَّل وَقَالُوا : هُوَ مَخْصُوص مِنْ بَيْن سَائِر الْفُرُوض بِأَنْ يَنُوب عَنْهُ السُّجُود كَالْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَة , وَالْقِرَاض مِنْ الْإِجَارَات , وَكَالْوُقُوفِ بَعْد الْإِحْرَام لِمَنْ وَجَدَ الْإِمَام رَاكِعًا . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سُنَّة مَا كَانَ الْعَامِد لِتَرْكِهِ تَبْطُل صَلَاته كَمَا لَا تَبْطُل بِتَرْكِ سُنَن الصَّلَاة . اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبهُ بِأَنْ قَالَ : لَوْ كَانَ مِنْ فَرَائِض الصَّلَاة لَرَجَعَ السَّاهِي عَنْهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِي بِهِ , كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَة أَوْ رَكْعَة , وَيُرَاعَى فِيهِ مَا يُرَاعَى فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مِنْ الْوَلَاء وَالرُّتْبَة , ثُمَّ يَسْجُد لِسَهْوِهِ كَمَا يَصْنَع مَنْ تَرَكَ رَكْعَة أَوْ سَجْدَة وَأَتَى بِهِمَا . وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُحَيْنَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَنَسِيَ أَنْ يَتَشَهَّد فَسَبَّحَ النَّاس خَلْفه كَيْمَا يَجْلِس فَثَبَتَ قَائِمًا فَقَامُوا , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاته سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْو قَبْل التَّسْلِيم , فَلَوْ كَانَ الْجُلُوس فَرْضًا لَمْ يُسْقِطهُ النِّسْيَان وَالسَّهْو , لِأَنَّ الْفَرَائِض فِي الصَّلَاة يَسْتَوِي فِي تَرْكهَا السَّهْو وَالْعَمْد إِلَّا فِي الْمُؤْتَمّ . وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْم الْجُلُوس الْأَخِير فِي الصَّلَاة وَمَا الْغَرَض مِنْ ذَلِكَ . وَهِيَ : - عَلَى خَمْسَة أَقْوَال : أَحَدهَا : أَنَّ الْجُلُوس فَرْض وَالتَّشَهُّد فَرْض وَالسَّلَام فَرْض . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة , وَحَكَاهُ أَبُو مُصْعَب فِي مُخْتَصَره عَنْ مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة , وَبِهِ قَالَ دَاوُد . قَالَ الشَّافِعِيّ : مَنْ تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَوَّل وَالصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ سَجَدَتَا السَّهْو لِتَرْكِهِ . وَإِذَا تَرَكَ التَّشَهُّد الْأَخِير سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا أَعَادَ . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ بَيَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة فَرْض ; لِأَنَّ أَصْل فَرْضِهَا مُجْمَل يَفْتَقِر إِلَى الْبَيَان إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) . الْقَوْل الثَّانِي : أَنَّ الْجُلُوس وَالتَّشَهُّد وَالسَّلَام لَيْسَ بِوَاجِبٍ , وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ سُنَّة مَسْنُونَة , هَذَا قَوْل بَعْض الْبَصْرِيِّينَ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِبْرَاهِيم بْن عُلَيَّة , وَصَرَّحَ بِقِيَاسِ الْجِلْسَة الْأَخِيرَة عَلَى الْأُولَى , فَخَالَفَ الْجُمْهُور وَشَذَّ , إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الْإِعَادَة عَلَى مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلّه . وَمِنْ حُجَّتهمْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا رَفَعَ الْإِمَام رَأْسه مِنْ آخِر سَجْدَة فِي صَلَاته ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاته ) وَهُوَ حَدِيث لَا يَصِحّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو عُمَر , وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب الْمُقْتَبَس . وَهَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا يُسْقِط السَّلَام لَا الْجُلُوس . الْقَوْل الثَّالِث : إِنَّ الْجُلُوس مِقْدَار التَّشَهُّد فَرْض , وَلَيْسَ التَّشَهُّد وَلَا السَّلَام بِوَاجِبٍ فَرْضًا . قَالَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ . وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ الْإِفْرِيقِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد وَهُوَ ضَعِيف , وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا جَلَسَ أَحَدكُمْ فِي آخِر صَلَاته فَأَحْدَثَ قَبْل أَنْ يُسَلِّم فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاته ) . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَ شَيْخنَا فَخْر الْإِسْلَام يُنْشِدنَا فِي الدَّرْس : وَيَرَى الْخُرُوج مِنْ الصَّلَاة بِضَرْطَةٍ أَيْنَ الضُّرَاط مِنْ السَّلَام عَلَيْكُمْ قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَسَلَكَ بَعْض عُلَمَائِنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَرْعَيْنِ ضَعِيفَيْنِ , أَمَّا أَحَدهمَا : فَرَوَى عَبْد الْمَلِك عَنْ عَبْد الْمَلِك أَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَلَاعِبًا , فَخَرَجَ الْبَيَان أَنَّهُ إِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَع أَنَّهُ يُجْزِئهُ , وَهَذَا مَذْهَب أَهْل الْعِرَاق بِعَيْنِهِ . وَأَمَّا الثَّانِي : فَوَقَعَ فِي الْكُتُب الْمَنْبُوذَة أَنَّ الْإِمَام إِذَا أَحْدَثَ بَعْد التَّشَهُّد مُتَعَمِّدًا وَقَبْل السَّلَام أَنَّهُ يُجْزِئ مَنْ خَلْفه , وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَت إِلَيْهِ فِي الْفَتْوَى , وَإِنْ عَمَرَتْ بِهِ الْمَجَالِس لِلذِّكْرَى . الْقَوْل الرَّابِع أَنَّ الْجُلُوس فَرْض وَالسَّلَام فَرْض , وَلَيْسَ التَّشَهُّد بِوَاجِبٍ . وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا مَالِك بْن أَنَس وَأَصْحَابه وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي رِوَايَة . وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا : لَيْسَ شَيْء مِنْ الذِّكْر يَجِب إِلَّا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَقِرَاءَة أُمّ الْقُرْآن . الْقَوْل الْخَامِس أَنَّ التَّشَهُّد وَالْجُلُوس وَاجِبَانِ , وَلَيْسَ السَّلَام بِوَاجِبٍ , قَالَهُ جَمَاعَة مِنْهُمْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ , وَاحْتَجَّ إِسْحَاق بِحَدِيثِ اِبْن مَسْعُود حِين عَلَّمَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّد وَقَالَ لَهُ : ( إِذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتك وَقَضَيْت مَا عَلَيْك ) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : قَوْله ( إِذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتك ) أَدْرَجَهُ بَعْضهمْ عَنْ زُهَيْر فِي الْحَدِيث , وَوَصَلَهُ بِكَلَامِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفَصَلَهُ شَبَابَة عَنْ زُهَيْر وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَام اِبْن مَسْعُود , وَقَوْله أَشْبَه بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل مَنْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَشَبَابَة ثِقَة . وَقَدْ تَابَعَهُ غَسَّان بْن الرَّبِيع عَلَى ذَلِكَ , جَعَلَ آخِر الْحَدِيث مِنْ كَلَام اِبْن مَسْعُود وَلَمْ يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي السَّلَام , فَقِيلَ : وَاجِب , وَقِيلَ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ . وَالصَّحِيح وُجُوبه لِحَدِيثِ عَائِشَة وَحَدِيث عَلِيّ الصَّحِيح خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة عَنْ عَلِيّ قَالَ , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مِفْتَاح الصَّلَاة الطَّهُور وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ) وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي إِيجَاب التَّكْبِير وَالتَّسْلِيم , وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئ عَنْهُمَا غَيْرهمَا كَمَا لَا يُجْزِئ عَنْ الطَّهَارَة غَيْرهَا بِاتِّفَاقٍ . قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ : لَوْ اِفْتَتَحَ رَجُل صَلَاته بِسَبْعِينَ اِسْمًا مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُكَبِّر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَمْ يُجْزِهِ , وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْل أَنْ يُسَلِّم لَمْ يُجْزِهِ , وَهَذَا تَصْحِيح مِنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ لِحَدِيثِ عَلِيّ , وَهُوَ إِمَام فِي عِلْم الْحَدِيث وَمَعْرِفَة صَحِيحه مِنْ سَقِيمه . وَحَسْبك بِهِ وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي وُجُوب التَّكْبِير عِنْد الِافْتِتَاح وَهِيَ : فَقَالَ اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْأَوْزَاعِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن وَطَائِفَة : تَكْبِيرَة الْإِحْرَام لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك فِي الْمَأْمُوم مَا يَدُلّ عَلَى هَذَا الْقَوْل , وَالصَّحِيح مِنْ مَذْهَبه إِيجَاب تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَأَنَّهَا فَرْض وَرُكْن مِنْ أَرْكَان الصَّلَاة , وَهُوَ الصَّوَاب وَعَلَيْهِ الْجُمْهُور , وَكُلّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَمَحْجُوج بِالسُّنَّةِ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي اللَّفْظ الَّذِي يَدْخُل بِهِ فِي الصَّلَاة , فَقَالَ مَالِك وَأَصْحَابه وَجُمْهُور الْعُلَمَاء : لَا يُجْزِئ إِلَّا التَّكْبِير , لَا يُجْزِئ مِنْهُ تَهْلِيل وَلَا تَسْبِيح وَلَا تَعْظِيم وَلَا تَحْمِيد . هَذَا قَوْل الْحِجَازِيِّينَ وَأَكْثَر الْعِرَاقِيِّينَ , وَلَا يُجْزِئ عِنْد مَالِك إِلَّا " اللَّه أَكْبَر " لَا غَيْر ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ وَزَادَ : وَيُجْزِئ " اللَّه الْأَكْبَر " وَ " اللَّه الْكَبِير " وَالْحُجَّة لِمَالِك حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ , وَالْقِرَاءَة بِـ " الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " . وَحَدِيث عَلِيّ : وَتَحْرِيمهَا التَّكْبِير . وَحَدِيث الْأَعْرَابِيّ : فَكَبِّرْ . وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَعَلِيّ بْن مُحَمَّد الطَّنَافِسِيّ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة قَالَ حَدَّثَنِي عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد اِبْن عَمْرو بْن عَطَاء , قَالَ سَمِعْت أَبَا حُمَيْد السَّاعِدِيّ يَقُول : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاة اِسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : " اللَّه أَكْبَر " وَهَذَا نَصّ صَرِيح وَحَدِيث صَحِيح فِي تَعْيِين لَفْظ التَّكْبِير , قَالَ الشَّاعِر : رَأَيْت اللَّه أَكْبَر كُلّ شَيْء مُحَاوَلَة وَأَعْظَمه جُنُودَا ثُمَّ إِنَّهُ يَتَضَمَّن الْقِدَم , وَلَيْسَ يَتَضَمَّنهُ كَبِير وَلَا عَظِيم , فَكَانَ أَبْلَغ فِي الْمَعْنَى , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ اِفْتَتَحَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه يُجْزِيه , وَإِنْ قَالَ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي لَمْ يُجْزِهِ , وَبِهِ قَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن . وَقَالَ أَبُو يُوسُف : لَا يُجْزِئهُ إِذَا كَانَ يُحْسِن التَّكْبِير . وَكَانَ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة يَقُول : إِذَا ذَكَرَ اللَّه مَكَان التَّكْبِير أَجْزَأَهُ . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَلَا أَعْلَمهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ الْقِرَاءَة فَهَلَّلَ وَكَبَّرَ وَلَمْ يَقْرَأ أَنَّ صَلَاته فَاسِدَة , فَمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبه فَاللَّازِم لَهُ أَنْ يَقُول لَا يُجْزِيه مَكَان التَّكْبِير غَيْره , كَمَا لَا يُجْزِئ مَكَان الْقِرَاءَة غَيْرهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُجْزِئهُ التَّكْبِير بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِن الْعَرَبِيَّة . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : لَا يُجْزِيه لِأَنَّهُ خِلَاف مَا عَلَيْهِ جَمَاعَات الْمُسْلِمِينَ , وَخِلَاف مَا عَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته , وَلَا نَعْلَم أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى مَا قَالَ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى وُجُوب النِّيَّة عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام إِلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَابنَا يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي آيَة الطَّهَارَة , وَحَقِيقَتهَا قَصْد التَّقَرُّب إِلَى الْآمِر بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الْوَجْه الْمَطْلُوب مِنْهُ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَالْأَصْل فِي كُلّ نِيَّة أَنْ يَكُون عَقْدهَا مَعَ التَّلَبُّس بِالْفِعْلِ الْمَنْوِيّ بِهَا , أَوْ قَبْل ذَلِكَ بِشَرْطِ اِسْتِصْحَابهَا , فَإِنْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّة وَطَرَأَتْ غَفْلَة فَوَقَع الموضوع : مع الآية الثالثة من سورة البقرة وتفسير القرطبى المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
| | | El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: مع الآية الثالثة من سورة البقرة وتفسير القرطبى الأربعاء 6 يوليو 2011 - 0:55 | |
| وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
رزقناهم : أعطيناهم , والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما , خلافا للمعتزلة في قولهم : إن الحرام ليس برزق ; لأنه لا يصح تملكه , وأن الله لا يرزق الحرام وإنما يرزق الحلال , والرزق لا يكون إلا بمعنى الملك . قالوا : فلو نشأ صبي مع اللصوص ولم يأكل شيئا إلا ما أطعمه اللصوص إلى أن بلغ وقوي وصار لصا , ثم لم يزل يتلصص ويأكل ما تلصصه إلى أن مات , فإن الله لم يرزقه شيئا إذ لم يملكه , وإنه يموت ولم يأكل من رزق الله شيئا . وهذا فاسد , والدليل عليه أن الرزق لو كان بمعنى التمليك لوجب ألا يكون الطفل مرزوقا , ولا البهائم التي ترتع في الصحراء , ولا السخال من البهائم ; لأن لبن أمهاتها ملك لصاحبها دون السخال . ولما اجتمعت الأمة على أن الطفل والسخال والبهائم مرزوقون , وأن الله تعالى يرزقهم مع كونهم غير مالكين علم أن الرزق هو الغذاء ولأن الأمة مجمعة على أن العبيد والإماء مرزوقون , وأن الله تعالى يرزقهم مع كونهم غير مالكين , فعلم أن الرزق ما قلناه لا ما قالوه . والذي يدل على أنه لا رازق سواه قوله الحق : " هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض " [ فاطر : 3 ] وقال : " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " [ الذاريات : 58 ] وقال : " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " [ هود : 6 ] وهذا قاطع , فالله تعالى رازق حقيقة وابن آدم رازق تجوزا ; لأنه يملك ملكا منتزعا كما بيناه في الفاتحة , مرزوق حقيقة كالبهائم التي لا ملك لها , إلا أن الشيء إذا كان مأذونا له في تناوله فهو حلال حكما , وما كان منه غير مأذون له في تناوله فهو حرام حكما , وجميع ذلك رزق . وقد خرج بعض النبلاء من قوله تعالى : " كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور " [ سبأ : 15 ] فقال : ذكر المغفرة يشير إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام . قوله تعالى : " ومما رزقناهم " الرزق مصدر رزق يرزق رزقا ورزقا , فالرزق بالفتح المصدر , وبالكسر الاسم , وجمعه أرزاق , والرزق : العطاء . والرازقية : ثياب كتان بيض . وارتزق الجند : أخذوا أرزاقهم . والرزقة : المرة الواحدة , هكذا قال أهل اللغة . وقال ابن السكيت : الرزق بلغة أزد شنوءة : الشكر , وهو قوله عز وجل : " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " [ الواقعة : 82 ] أي شكركم التكذيب . ويقول : رزقني أي شكرني . قوله تعالى : " ينفقون " ينفقون : يخرجون . والإنفاق : إخراج المال من اليد , ومنه نفق البيع : أي خرج من يد البائع إلى المشتري . ونفقت الدابة : خرجت روحها , ومنه النافقاء لجحر اليربوع الذي يخرج منه إذا أخذ من جهة أخرى . ومنه المنافق ; لأنه يخرج من الإيمان أو يخرج الإيمان من قلبه . ونيفق السراويل معروفة وهو مخرج الرجل منها . ونفق الزاد : فني وأنفقه صاحبه . وأنفق القوم : فني زادهم , ومنه قوله تعالى : " إذا لأمسكتم خشية الإنفاق " [ الإسراء : 100 ] . واختلف العلماء في المراد بالنفقة هاهنا , فقيل : الزكاة المفروضة - روي عن ابن عباس - لمقارنتها الصلاة . وقيل : نفقة الرجل على أهله - روي عن ابن مسعود - لأن ذلك أفضل النفقة . روى مسلم عن أبي هريرة قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك ) . وروي عن سلام قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله عز وجل ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ) قال أبو قلابة : وبدأ بالعيال [ ثم ] قال أبو قلابة : وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم الله به ويغنيهم . وقيل : المراد صدقة التطوع - روي عن الضحاك نظرا إلى أن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها المختص بها وهو الزكاة , فإذا جاءت بلفظ غير الزكاة احتملت الفرض والتطوع , فإذا جاءت بلفظ الإنفاق لم تكن إلا التطوع . قال الضحاك : كانت النفقة قربانا يتقربون بها إلى الله جل وعز على قدر جدتهم حتى نزلت فرائض الصدقات والناسخات في " براءة " . وقيل : إنه الحقوق الواجبة العارضة في الأموال ما عدا الزكاة ; لأن الله تعالى لما قرنه بالصلاة كان فرضا , ولما عدل عن لفظها كان فرضا سواها . وقيل : هو عام وهو الصحيح ; لأنه خرج مخرج المدح في الإنفاق مما رزقوا , وذلك لا يكون إلا من الحلال , أي يؤتون ما ألزمهم الشرع من زكاة وغيرها مما يعن في بعض الأحوال مع ما ندبهم إليه . وقيل : الإيمان بالغيب حظ القلب . وإقام الصلاة حظ البدن . ومما رزقناهم ينفقون حظ المال , وهذا ظاهر . وقال بعض المتقدمين في تأويل قوله تعالى : " ومما رزقناهم ينفقون " أي مما علمناهم يعلمون , حكاه أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري . الموضوع : مع الآية الثالثة من سورة البقرة وتفسير القرطبى المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
| | | واسلاماهالمراقبة العامة
تاريخ التسجيل : 23/06/2009
| | | | أم شروقالمراقبة العامة
تاريخ التسجيل : 12/07/2011
| | | | | مع الآية الثالثة من سورة البقرة وتفسير القرطبى | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
مواضيع مماثلة | |
| |
| |