هؤلاء
قوم خافوا الله , و خشوا الديان الذي لا يموت , خافوا
من عذاب المنتقم
الجبار , خافوا على أنفسهم من النار, قرءوا القرآن ,
تدبروا في آيات الله ,
ونظروا في قصص السابقين من عباد الله , بكوا ..
واقشعرت جلودهم وما غمضت
لهم عين , يقول تعالى {ويخرون للأذقان يبكون و يزيدهم خشوعاً}
[الإسراء (109) ] . تتلمذوا في مدرسة النبي
صلى الله عليه وسلم , درسوا على
يده , تعلموا من هديه , إنهم الصحابة
الكرام , منابر العلم , ومشاعل النور, عرفوا
الله حق المعرفة , فخشوه
حق الخشية , ضربوا لنا أرقى الأمثال في خوفهم من
الله.
فهذا
أبو بكر الصديق رضي الله عنه يمسك لسانه ويقول:
(هذا الذي أوردني
الموارد. يا ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل). الله أكبر ,
هذا أبو بكر
الصديق الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (( ما
طلعت الشمس ولا غربت على أحد من بعد النبيين و المرسلين
أفضل من أبي
بكر)) [حديث صحيح] . هذا الصحابي الجليل, أول الخلفاء الراشدين ,
أحد العشرة
المبشرين , تمنى أن لو كان شجرة تعضد ثم تؤكل , لماذا؟ لأنه
عرف الله فخافه
وما أمن عقابه.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله
عنه ثاني الخلفاء
الراشدين و أول أمير للمؤمنين , الفاروق الذي فرّق
بين الحق و الباطل , كان
يسمع الآية من كتاب الله فيمرض, فيعاد أياما.
وأخذ تبنة من الأرض فقال: ((
يا ليتني كنت هذه التبنة , يا ليتني لم أك
شيئاً مذكوراً, يا ليت أمي لم
تلدني)). وقد كان رضي الله عنه يبكي حتى
خدد الدمع خداه.
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه و أرضاه, الصحابي
الذي عرف بحيائه الجم, فعن عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه
و سلم جمع ثيابه حين دخل عثمان وقال: ((ألا أستحي من
رجل تستحي منه الملائكة)) [أخرجه الشيخان].
وما كان خوفه من الله
يقل عن حيائه , بل كان يخاف الله
خوفاً عظيماً , فقد كان رضي الله عنه
يقول : (( وددت أني إذا مت لا أبعث
)). مع أنه أحد المبشرين بالجنة.
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه آخر الخلفاء
الراشدين و فدائي
الإسلام الأول كان يقول: (( والله لقد رأيت أصحاب محمد
صلى الله عليه
وسلم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم. لقد كانوا يصبحون شعثاً
غبراً , بين
أعينهم أمثال ركب المعزى , قد باتوا سجداً و قياماً, يتلون
كتاب الله
تعالى ويراوحون بين جباههم وأقدامهم , فإذا أصبحوا فذكروا الله
عز و
جل, مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم,
والله
لكأن القوم باتوا غافلين )).
وهذا ابن عباس رضي الله عنه - ترجمان
القرآن- يجري
الدمع من خده الشريف المبارك كالشراك البالي. وهذه أم
المؤمنين عائشة رضي
الله عنها تقول :
( يا ليتني كنت نسياً منسيا
). و هذا الشجاع المقدام
أبو عبيده بن الجراح رضي الله عنه يقول : (
وددت أني كنت كبشاً فذبحني
أهلي, فأكلوا لحمي, وحسوا مرقي ). وهذا
عمران بن حصين يقول : ( يا ليتني
كنت رماداً تذروه الرياح ).
هؤلاء
قوم فهموا دينهم,
عرفوا ربهم, قرءوا القرآن وتدبروا آياته و فهموا
معانيه.. هؤلاء قوم قرءوا
قوله تعالى: { وأقبل
بعضهم على بعضٍ يتساءلون ■ قالوا إنا كنا
قبل في أهلنا مشفقين
■ فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ■ إنا كنا
من
قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم }[الطور (25 – 28)] . فعرفوا معناها,
عرفوا أن الله لا يجمع لعباده خوفين , درسوا الحديث
وتمعنوا في
دقائقه, سمعوا قول النبي صلى الله عليه و سلم: (( قال
الله عز وجل ( وعزتي وجلالي, ولا أجمع على عبدي خوفين,
ولا أجمع له
آمنين, إن أمنني في الدنيا, أخفته يوم القيامة, وإن خافني في
الدنيا,
أمنته يوم القيامة)) [حديث حسن]... فعرفوا
مقصوده وفهموا
مدلوله. فإذا كان هذا حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
في خشيتهم
وخوفهم من الله وخوفهم من عذابه .. وهم من هم .. فما
حالنا
نحن؟
لقد عاشوا القرن الأول للإسلام, لقد عاشوا في أفضل القرون, قرن
النبي صلى الله عليه وسلم.. فما حالنا و نحن نعيش بعدهم بأربعة عشر قرناً.
أين نحن منهم؟ وأين نحن من هديهم؟ أين نحن من حديث النبي صلى الله عليه و
سلم:
(( لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود
اللبن
في الضرع, ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جنهم)) [رواه
الترمذي].
هل بكينا أم ضحكنا, هل جاهدنا أنفسنا أم تركنا لها
العنان؟
أخي الكريم.. اسأل نفسك عن مقدار معرفتك بالله تعرف
قدر خوفك
وخشيتك من الله فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : (( أنا
أعرفكم بالله وأشدكم له خشية )) [رواه البخاري]. الأمر الذي يبين
أنه بمقدار
معرفة المرء لله تكون خشيته له.
أخي
الكريم.. أختم كلماتي إليك بدعاء أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها, فعن
مسروق أن عائشة رضي الله عنها قرأت هذه
الآية {فمن
الله علينا ووقانا
عذاب السموم ■
إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر
الرحيم}
فقالت: (( اللهم
منّ علينا وقنا عذاب السموم إنك أنت البر الرحيم)).
والحمد لله رب العالمين...
منقول
وبارك الله فى كاتبه
الموضوع : خافوا ... فأمنوا المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya