أما حكمها: فقد دلت
الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من
الفرائض، والأدلة في ذلك كثيرة، منها قوله سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ومنها
قوله جل وعلا: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ومنها قوله عز وجل:
(وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ومنها قوله
سبحانه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) فبين سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم
هم الدعاة إلى الله، وهم أهل البصائر، والواجب كما هو معلوم هو اتباعه،
والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وصرح العلماء أن
الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها
الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض
كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدعوة في حق
الباقين سنة مؤكدة، وعملا صالحا جليلا.
وإذا لم يقم أهل الإقليم،
أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام، صار الإثم عاما، وصار الواجب على
الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى
عموم البلاد، فالواجب: أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا
في أرجاء المعمورة، تبلغ رسالات الله، وتبين أمر الله عز وجل بالطرق
الممكنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة، وأرسل الكتب إلى
الناس، وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل.
وفي وقتنا
اليوم قد يسر الله عز وجل أمر الدعوة أكثر، بطرق لم تحصل لمن قبلنا، فأمور
الدعوة اليوم متيسرة أكثر، من طرق كثيرة، وإقامة الحجة على الناس اليوم
ممكنة بطرق متنوعة: عن طريق الإذاعة، وعن طريق التلفزة، وعن طريق الصحافة،
ومن طرق شتى، فالواجب على أهل العلم والإيمان، وعلى خلفاء الرسول أن يقوموا
بهذا الواجب، وأن يتكاتفوا فيه، وأن يبلغوا رسالات الله إلى عباد الله ولا
يخشوا في الله لومة لائم، ولا يحابوا في ذلك كبيرا ولا صغيرا ولا غنيا ولا
فقيرا، بل يبلغون أمر الله إلى عباد الله، كما أنزل الله، وكما شرع الله،
وقد يكون ذلك فرض عين إذا كنت في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك، كالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه يكون فرض عين، ويكون فرض كفاية، فإذا كنت
في مكان ليس فيه من يقوى على هذا الأمر، ويبلغ أمر الله سواك، فالواجب عليك
أنت أن تقوم بذلك، فأما إذا وجد من يقوم بالدعوة والتبليغ، والأمر والنهي
غيرك، فإنه يكون حينئذ في حقك سنة، وإذا بادرت إليه وحرصت عليه كنت بذلك
منافسا في الخيرات، وسابقا إلى الطاعات، ومما احتج به على أنها فرض كفاية
قوله جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
الآية، قال الحافظ ابن كثير عند هذه الآية وجماعة ما معناه: ولتكن منكم أمة
منتصبة لهذا الأمر العظيم، تدعو إلى الله، وتنشر دينه، وتبلغ أمره سبحانه
وتعالى، ومعلوم أيضا أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا إلى الله، وقام
بأمر الله في مكة حسب طاقته، وقام الصحابة كذلك رضي الله عنهم وأرضاهم بذلك
حسب طاقتهم، ثم لما هاجروا قاموا بالدعوة أكثر وأبلغ، ولما انتشروا في
البلاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام قاموا بذلك أيضا رضي الله عنهم
وأرضاهم، كل على قدر طاقته وعلى قدر علمه، فعند قلة الدعاة، وعند كثرة
المنكرات، وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم، تكون الدعوة فرض عين على كل واحد
بحسب طاقته، وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك، ووجد فيها من
تولى هذا الأمر، وقام به وبلغ أمر الله، كفى وصار التبليغ في حق غيره سنة،
لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره ونفذ أمر الله على يد سواه.
ولكن
بالنسبة إلى بقية أرض الله، وإلى بقية الناس، يجب على العلماء حسب طاقتهم،
وعلى ولاة الأمر حسب طاقتهم، أن يبلغوا أمر الله بكل ما يستطيعون، وهذا فرض
عين عليهم على حسب الطاقة والقدرة.
وبهذا يعلم أن كونها فرض عين،
وكونها فرض كفاية، أمر نسبي يختلف، فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى
أقوام وإلى أشخاص، وسنة بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام، لأنه وجد في محلهم
وفي مكانهم من قام بالأمر وكفى عنهم.
أما بالنسبة إلى ولاة الأمور
ومن لهم القدرة الواسعة، فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة
إلى ما استطاعوا من الأقطار، حسب الإمكان بالطرق الممكنة، وباللغات الحية
التي ينطق بها الناس، يجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله
إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية وبغيرها، فإن الأمر الآن
ممكن وميسور بالطرق التي تقدم بيانها، طرق الإذاعة والتلفزة والصحافة وغير
ذلك من الطرق التي تيسرت اليوم، ولم تتيسر في السابق، كما أنه يجب على
الخطباء في الاحتفالات وفي الجمع وفي غير ذلك أن يبلغوا ما استطاعوا من أمر
الله عز وجل، وأن ينشروا دين الله حسب طاقتهم، وحسب علمهم، ونظرا إلى
انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد وإنكار
الرسالات وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان،
وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظرا إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل
اليوم أصبحت فرضا عاما، وواجبا على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين
يدينون بالإسلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان
بالكتابة والخطابة، وبالإذاعة وبكل وسيلة استطاعوا، وأن لا يتقاعسوا عن
ذلك، أو يتكلوا على زيد أو عمرو، فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى
التعاون والاشتراك، والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل، ذلك
لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة، للصد عن سبيل الله والتشكيك
في دينه، ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل، فوجب على أهل
الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي، وبدعوة إسلامية على
شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما
أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله.
فضل الدعوة
وقد
ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث كثيرة، كما أنه ورد في إرسال النبي
صلى الله عليه وسلم الدعاة أحاديث لا تخفى على أهل العلم، ومن ذلك قوله جل
وعلا: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ
صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فهذه الآية الكريمة فيها
التنويه بالدعاة والثناء عليهم، وأنه لا أحد أحسن قولا منهم، وعلى رأسهم
الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم على حسب مراتبهم في الدعوة والعلم
والفضل، فأنت يا عبد الله يكفيك شرفا أن تكون من أتباع الرسل، ومن
المنتظمين في هذه الآية الكريمة (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا
إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
المعنى: لا أحد أحسن قولا منه لكونه دعا إلى الله وأرشد إليه وعمل بما يدعو
إليه، يعني: دعا إلى الحق وعمل به، وأنكر الباطل وحذر منه، وتركه، ومع ذلك
صرح بما هو عليه، لم يخجل بل قال: إنني من المسلمين، مغتبطا وفرحا بما من
الله به عليه، وليس كمن يستنكف عن ذلك ويكره أن ينطق بأنه مسلم، أو بأنه
يدعو إلى الإسلام، لمراعاة فلان أو مجاملة فلان، ولا حول ولا قوة إلا
بالله، بل المؤمن الداعي إلى الله القوي الإيمان، البصير بأمر الله يصرح
بحق الله، وينشط في الدعوة إلى الله ويعمل بما يدعو إليه، ويحذر ما ينهى
عنه، فيكون من أسرع الناس إلى ما يدعو إليه، ومن أبعد الناس عن كل ما ينهى
عنه، ومع ذلك يصرح بأنه مسلم وبأنه يدعو إلى الإسلام، ويغتبط بذلك ويفرح به
كما قال عز وجل:FFF:قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فالفرح برحمة الله وفضله
فرح الاغتباط، فرح السرور، أمر مشروع، أما الفرح المنهي عنه فهو فرح الكبر،
والفرح هذا هو المنهي عنه كما قال عز وجل في قصة قارون:FFF:لا
تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)
هذا فرح الكبر
والتعالي على الناس والتعاظم، وهذا هو الذي ينهى عنه..
أما فرح
الاغتباط والسرور بدين الله، والفرح بهداية الله، والاستبشار بذلك والتصريح
بذلك ليعلم، فأمر مشروع وممدوح ومحمود، فهذه الآية الكريمة من أوضح الآيات
في الدلالة على فضل الدعوة، وأنها من أهم القربات، ومن أفضل الطاعات، وأن
أهلها في غاية من الشرف وفي أرفع مكانة، وعلى رأسهم الرسل عليه الصلاة
والسلام، وأكملهم في ذلك خاتمهم وإمامهم وسيدهم نبينا محمد عليه وعليهم
أفضل الصلاة والسلام، ومن ذلك قوله جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فبين سبحانه أن
الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو على بصيرة، وأن أتباعه كذلك، فهذا فيه فضل
الدعوة، وأن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى سبيله على
بصيرة، والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه، وفي هذا شرف لهم
وتفضيل، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: " من دل
على خير فله مثل أجر فاعله " رواه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة
والسلام: " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك
من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا
ينقص ذلك من آثامهم شيئا " أخرجه مسلم أيضا، وهذا يدل على فضل الدعوة إلى
الله عز وجل، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لعلي رضي الله عنه
وأرضاه: " فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " متفق
على صحته، وهذا أيضا يدلنا على فضل الدعوة إلى الله وما فيها من الخير
العظيم، وأن الداعي إلى الله جل وعلا يعطى مثل أجور من هداه الله على يديه،
ولو كانوا آلاف الملايين، وتعطى أيها الداعية مثل أجورهم، فهنيئا لك أيها
الداعية إلى الله بهذا الخير العظيم، وبهذا يتضح أيضا أن الرسول عليه
الصلاة وللسلام يعطى مثل أجور أتباعه، فيا لها من نعمة عظيمة يعطى نبينا
عليه الصلاة والسلام مثل أجور أتباعه إلى يوم القيامة، لأنه بلغهم رسالة
الله، ودلهم على الخير عليه الصلاة والسلام، وهكذا الرسل يعطون مثل أجور
أتباعهم عليهم الصلاة والسلام، وأنت كذلك أيها الداعية في كل زمان تعطى مثل
أجور أتباعك والقابلين لدعوتك، فاغتنم هذا الخير العظيم وسارع إليه.
الموضوع : حكم الدعوة إلى الله وفضلها المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya