الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
لقد صارت دماؤنا هي أرخص دماء على أعدائنا، فلا تكاد تهتز
لهم شعرة وهم يقتلون العشرات من الرجال والنساء والأطفال، بينما يملئون
الدنيا صياحاً وضجيجاً كلما جرح منهم واحد، مع أنهم يدعون الدعوة إلى
المساواة وحقوق الإنسان، ويبدو أن هناك تخصيصاً قلبياً لمواثيق حقوق
الإنسان على غرار التخصيص العقلي عند الأصوليين، مفاده أن الحقد الأسود
الذي تمتلئ به قلوبهم على المسلمين كفيل بمنع تطبيق أي حق من حقوق الإنسان
على المسلمين.
حتى لفظ "المحرقة" والذي كان في حد ذاته مستدراً للدمع
الهطول، ومعه سيول اليورو والدولار تكفيراً لخطيئة "هتلر" في حق اليهود،
والتي تعم كل الأوربيون وتتوارثها الأجيال وبالطبع يحتاجون للتكفير عنها
بصورة تجعلها تنافس "الخطيئة الأولى" في العقيدة النصرانية المحرفة التي
يزعمون أن جميع بني آدم يتوارثونها، ولا يغسلها إلا أن يرسل الإله ابنه لكي
يصلب -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-، ولا تمحى عن إنسان إلا متى
آمن بتلك العقيدة.
"المحرقة النازية لليهود" كانت هي المبرر
الذي بموجبه زعم الغرب أن عليه التزام أدبي أن يوطن اليهود في مكان آخر
غير أوروبا حتى لا يخرج لهم "هتلر" آخر، ويفضل أن سكانه ممن يتحلون "بالكرم
الحاتمي" فوقع اختيارهم على فلسطين لاعتبارات من أهمها أنها كانت آنذاك
موطن الصراع بين دعاة الخلافة الإسلامية ودعاة القومية العربية، فرفعت عنها
الراية الإسلامية ولكن غرزت مكانها الراية اليهودية.
وهاهم اليهود يفاخرون بأنهم هم الذين
يقومون بالمحرقة، والعالم يتفرج وكأنه يشاهد فيلماً سينمائياً عن محرقة
اليهود في سجون النازية.
دماؤنا رخيصة على أعدائنا، وهذه قضية
ليست بالجديدة أو على الأقل كان ينبغي ألا تمثل مفاجأة لمن يقرأ في كتاب
الله: (لا يَرْقُبُونَ فِي
مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً)(التوبة:10)،
ولمن رأى عشرات النماذج عبر التاريخ تطبيقاً لهذه القاعدة.
ولكن المفاجأة أن تكون دماؤنا رخيصة على
كثير ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ولكن هذا أيضاً لا ينبغي أن
يمثل مفاجأة، وقد وجد أسلاف هؤلاء في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر
الله عن حرصهم على الدنيا وتذبذبهم في إيمانهم.
ومنهم من خذل النبي -صلى الله عليه
وسلم- في أحد والأحزاب، مع أنه من حيث الحسابات الظاهرة أن هذا الفعل
بمثابة التضحية بجميع دماء المسلمين حتى قال الله فيهم: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ
وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي
قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا)(الفتح:12).
إذن فكون دمائنا رخيصة على أعدائنا أو
على المنافقين لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً، وهي أن حرمتها عند الله -عز
وجل- كبيرة، كما نظر ابن عباس -رضي الله عنهما- إلى الكعبة وقال: "إني أعلم
أن الله عظمك وشرفك إلا أن حرمة المسلم أعظم عند الله منك".
بل إن استرخاص الأعداء لدماء المسلمين
مما يزيدها حرمة عند الله؛ لأنهم يجمعون بين وصف الإسلام الذي يعظم الله
حرمة أهله، وبين أنهم مظلومون، والله ينصر المظلوم ولو كان كافراً بكيف
بالمسلم؟!
وأما أغلى دماء المسلمين وأثمنها فهي تلك الدماء التي
يرخصها أصحابها في سبيل الله: (إِنَّ
اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ
بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ)(التوبة:111)، ومن أجل
ذلك الشرف لا يغسل الشهيد، بل يبقى بهذه الدماء الزكية ومن أجل ذلك يأتي
الشهيد يوم القيامة بدمائه الزكية وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح
ريح المسك، وكأنه التشريف الإلهي على رؤوس الأشهاد.
ولذلك ستبقى لحظات شهادة الشهداء في
سبيل الله -تعالى- من اللحظات التي تتزاحم فيها مشاعر الفرح والفخر بمشاعر
الحزن والأسى على أهليهم وإخوانهم المسلمين، وربما غلب هذا حيناً وغلب ذاك
حيناً كما غلبت النبي -صلى الله عليه وسلم- عيناه على البكاء على قادة مؤتة
وهو يزف إلى المسلمين خبر استشهادهم واحداً بعد واحد، وغلب على الخنساء
-رضي الله عنها- صاحبة أمرِّ رثاء وأحزنهِ في الجاهلية فرحها باستشهاد
أبنائها الثلاثة في معركة واحدة.
وأما الأعداء فليس بغريب علينا حب
الكفار للدنيا؛ لأنهم بين جاحد بالآخرة وبين مصدق لها تصديقاً هو للتكذيب
أقرب كحال النصارى الذين يرون أن الجنة والنار معنويان، ناهيك عن أن كثيراً
منهم يعلمون أنهم على الباطل، ولكن يصرون عليه استحباباً للدنيا على
الآخرة، ولذلك تجد أن معظم الكفار لاسيما أمة الروم لا يضحي بدنياه، إلا
عندما ييأس فيها فيقتل نفسه انتحاراً متى لم يجد شهواته وملذاته، وقلما تجد
فيهم من يوطن نفسه للقتل من أجل غاية أو هدف.
الموضوع : بل دماؤنا الغالية... ودماؤهم الرخيصة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya