ومما يعين على تقوى الله عز وجل معرفة مكائد الشيطان ومصائده
، والحذر من وساوسه ودسائسه :
قال العلامة ابن مفلح المقدسى رحمه الله : اعلم أن الشيطان يقف للمؤمنين فى سبع عقبات ، عقبة الكفر ، فإن سلم منه ففى عقبة البدعة ، ثم فى عقبة فعل الكبائر ، ثم فى عقبة
فعل الصغائر ، فإن سلم منه ففى عقبة فعل المبيحات فيشغله بها عن الطاعات ،
فإن غلبه شغله بالأعمال المفضولة عن الأعمال الفاضلة ، فإن سلم من ذلك وقف له فى العقبة السابعة ، ولا يسلم منها المؤمن إذ لو سلم منها أحد لسلم منه رسول الله صلى الله علية وسلم وهى تسليط الأعداء الفجرة بأنواع الأذى . (1)
فلا شك فى أن معرفة العقبات التى يقف عندها الشيطان ، ومعرفة مداخله إلى قلب ابن أدم مما يعين على الحذر منه ، وأولى من ذلك بالذكر أن تعرف أن الشيطان عدو لبنى أدم فلا يمكن أن يأمره بخير أو ينهاه عن شر .
قال الله تعالى : ] إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [ .........) فاطر : 6 )
وقال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [ ......... ( النور : 21 )
قال أبو افرج بن الجوزى : " إنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ، ويزيد تمكنه منهم ويقل على مقدار يقظتهم ، وغفلتهم وجهلهم ، وعلمهم ، واعلم أن القلب كالحصن ، وعلى ذلك الحصن سور ، وللسور أبواب ، وفيه ثلم (2) ، وساكنه العقل ، والملائكة تتردد على الحصن ، وإلى جانبه ربض (3) فيه
الهوى ، والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع ، والحارس قائم بين أهل الحصن وأهل الربض ، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس والعبور من بعض الثلم ، فينبغى للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذى قد وكل بحفظه وجميع الثلم ، وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة فإن العدو ما يفتر " .
قال رجل للحسن البصرى : أينام إبليس ؟ قال : لو نام لوجدنا راحة ، وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالإيمان ، وفيه مرآة صقيلة يتراءى بها صور كل ما يمر به ، فأول ما يفعل الشيطان فى الربض إكثار الدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة ، وكمال الفكر يرد الدخان ، وصقل الذكر يجلو المرآة ، وللعدو حملات فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر
عليه الحارس فيخرج ، وربما دخل فعاث (1) ، وربما أقام لغفلة الحارس ، وربما ركدت الريح الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة فيمر الشيطان ولا يدرى به ، وربما جرح الحارس لغفلته وأسر واستخدم .(2)
واعلم أن أول ما يغوى به الشيطان ابن أدم الوساوس التى يوسوس بها إليه ، كما قال تعالى أمراً بالاستعادة بالله عز وجل من وساوسه:
] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ [ ...... ( الناس )
فإذا غفل القلب عن ذكر الله عز وجل جثم عليه الشيطان واخذ يوسوس إليه بالذنوب والمعاصى ، فإذا ذكر الله عز وجل واستعاذ به انخنس الشيطان وانقبض ، وإذا كره ما وسوس به فإن ذلك محض الإيمان ، عن أبى هريره قال : جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم
فسألوه : إنا نجد فى أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال : ( وقد وجدتموه ؟ ) قالوا : نعم . قال : ( ذلك صريح الإيمان ) . (3)
قال ابن القيم رحمه الله :
" الوسوسة هى مبادئ الإرادة فإن القلب يكون فارغاً من الشر والمعصية فيوسوس إليه ويخطر الذنب بباله فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه فيصير شهوه ، ويزينها له ويحسنها ويخيلها له
فى خيال تميل نفسه إليه فتصير إرادة ، ثم لا يزال يمثل ويخيل ويمنى ويشهى وينسى
علمه بضررها ويطوى عنه سوء عاقبتها فيحول بينه وبين مطالعته ، فلا يرى إلا صورة
المعصية وألتذاذه بها فقط ، وينسى ما وراء ذلك فتصير الأراده عزيمه جازمه ، فيشتد الحرص عليها من القلب ، فيبعث الجنود فى الطلب فيبعث الشيطان معهم مدداً لهم وعوناً ، فإن فتروا حركهم ، وإن ونوا أزعجهم كما قال تعالى :
] أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [ ......( مريم : 83)
أى تزعجهم إلى المعاصى ازعاجاً كلما فتروا أو ونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم ، فلا تزال بالعبد تقوده إلي الذنب ، وتنظم شكل الأجتماع بألطف حيله وأتم مكيده .
فأصل كل معصيه وبلاء إنما هى الوسوسة . (1)
فمهما كان العبد مشغولاً بالطاعات وذكر الله عز وجل ، فإنه لا يكون عند ذلك محلاً للوساوس فإذا غفل عن الذكر والطاعة وسوس إليه الشيطان بالمعاصى كما قال ابن القيم رحمه الله :
إذا غفل القلب ساعة عن ذكر الله جثم عليه الشيطان وأخذ يعده ويمنيه .
وأختم هذا الفصل بما يستعان به من طاعة الرحمن الرحيم حتى يحفظ العبد نفسه من وساوس الشياطين :
1- الاستعاذة بالله قال الله تعالى : ] وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ ..... ( الأعراف : 201 )
وعن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبى صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فاحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه ، فقال النبى صلى الله علية وسلم : ( إنى لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ) . الحديث (1) .
2- قراءة المعوذات فقد قال صلى الله علية وسلم : " لم يتعوذ الناس بمثلهن " .(2)
3- قراءة أية الكرسى عند النوم كما فى حديث أبى هريره فمن قرأها عند نومه لا يزال عليه من الله حافظ لا يقربه شيطان .
4- قراءة سورة البقرة قال النبى صلى الله عليه وسلم
( إن البيت الذى فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ) .(3)
5- خاتمة سورة البقرة عن أبى مسعود الانصارى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من قرأ الأيتين من أخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه ) . (4)
6- " لا أله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " مائة مرة من قرأها فى يوم كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى .
7- كثرة ذكر الله عز وجل فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر الله عز وجل .
8- الوضوء والصلاة قال ابن القيم : وهذا أمر تجربته تغنى عن إقامة الدليل عليه .
9- إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس ، فإن الشيطان إنما يتسلط على
ابن أدم وينال منه غرضه من هذه الأربعة .(1)
الموضوع : ومما يعين على تقوى الله عز وجل معرفة مكائد الشيطان ومصائده ، والحذر من وساوسه ودسائسه : المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ابراهيم كمال توقيع العضو/ه:ابراهيم كمال |
|