ومما يعين على التقوى أن تتعلم كيف تغالب هواك وتطيع مولاك
قال الشيخ مصطفى السباعى رحمه الله : " إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله ، فإذا
لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال ، فإذا لم ترجع فذكرها بالفضيحه إذا علم الناس ، فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعة انقلبت إلى حيوان " . (1)
وقال ابن القيم رحمه الله : " وملاك الأمر كله الرغبة فى الله وأرادة وجهه والتقرب
إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه ، وإلى لقائه ، فإن لم يكن للعبد همة على
ذلك فالرغبة فى الجنة ونعيمها وما أعد الله فيها لأوليائه ، فإن لم تكن له همة عالية تطالبه
بذلك ، فخشية النار وما أعد الله فيها لمن عصاه ، فإن لم تطاوعه نفسه لشئ من ذلك ، فليعلم أنه خلق للجحيم لا للنعيم ، ولا يقدر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه .
فلم يجعل الله طريقا إلى الجنة غير متابعته ، ولم يجعل للنار طريقاً غير مخالفته ،
قال الله تعالى :
] فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [ ..... ( النازعات : 37 - 41 )
وقال تعالى : ] وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [ ..... ( الرحمن : 46 )
قيل : هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه فى الدنيا ومقامه بين يديه فى
الأخرة فيتركها لله .
وقد أخبر الله عز وجل أن اتباع الهوى يضل عن سبيله فقال الله تعالى :
] يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ [ (1) ..( ص : 26 )
وقد حكم الله تعالى لتابع هواه بغير هدى من الله أنه أظلم الظالمين فقال الله عز وجل :
] فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [ ..... ( القصص : 50 )
وجعل سبحانه وتعالى المتبع قسمين لا ثالث لهما : إما ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
وإما الهوى : فمن اتبع أحداهما لم يمكنه إتباع الأخر .(2)
وقال ابن الجوزى رحمه الله : " الحذر الحذر من المعاصى فإنها سيئة العواقب ، والحذر من الذنوب خصوصاَ ذنوب الخلوات ، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه ، ولا
ينال لذة المعاصى إلا دائم الغفلة ، فأما المؤمن اليقظان فإنه لا يلتذ بها ، لأنه عند إلتذاذه يقف بإيذائه علمه بتحريمها ، وحذره من عقوبتها ، فإن قويت معرفته رأى بعين علمه قرب الناهى – وهو الله – فيتنغص عيشه فى حال إلتذاذه ،فإن غلبه سكر القلب متنغصاً بهذه المراقبات ، وإن كان الطبع فى شهوته فما هى إلا لحظة ثم خزى دائم وندم ملازم وبكاء متواصل وأسف على ما كان مع طول الزمان ، حتى لو تيقن العفو وقف بإزائه حذر العتاب .
فأفً للذنوب ! ما أقبح أثارها ؟ وأسوأ أخبارها ؟ ولا كانت شهوه لا تنال إلا بمقدار قوة الغفله .(1)
وقال ابن القيم رحمه الله : " واعلم أن الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإن الشهوة إما أن توجب ألماً وعقوبة ، وغما أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير من ذهابة ، وإما أن تضع قدراً قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسل نعمة بقاؤها ألذ من قضاء الشهوة ". (2)
وخلاصة هذا الفصل أن الناس فى ترك المعاصى والتورع عنها دوافع متعددة :
• منهم من يدفعه عن معصية محبة الله عز وجل وإجلاله أن يخالف أمره ويرتكب نهيه كما قال بعضهم : وددت أن جلدى قرض بالمقارض ، وأن هؤلاء الخلق أطاعوا الله عز وجل ، وهذه أعلى مراتب الخشية واغلى دوافع التقوى.
• ومن الناس من يدفعه عن المعصيه الرغبة فى دار القرار وما فيها من نعيم مقيم للأبرار ، قال النبى صلى اله عليه وسلم : (من شرب الخمر فى الدنيا لم يشربها فى الأخرة إلا أن يتوب) .(3)
فالتمتع بالحرام فى دار الفناء سبب للحرمان من النعيم المقيم فى دار البقاء ، فلن يجعل الله من أذهب طيباته فى حياته الدنيا واستمتع بها كمن صام عنها ليوم فطره من الدنيا إذا لقى الله عز وجل . قال بعضهم :
أنت فى دار شتات فتأهب لشتاتك
واجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك
واجعل الفطر عند الله فى يوم وفاتك
قال الخطابى : معناه لم يدخل الجنة ، لأن الخمر شراب أهل الجنة ( جامع الاصول 5/99)
وقال النووى : معناه أنه يحرم شربها فى الجنة وإن دخلها من فاخر شراب الجنة فيمنعها هذا العاصى بشربها فى الدنيا ، وقيل إنه ينسى شهوتها لان الجنة فيها كل ما يشتهى ، وقيل
لا يشتهيها وإن ذكرها ويكون هذا نقص نعيم فى حقه تمييزاً بينه وبين تارك شربها –
النووى على صحيح مسلم ( 13 / 173 ) .
• ومنهم من يتركها خوفاً من النار وإتقاء غضب الجبار . قال بعضهم :
إذا ما هممنا صدنا وازع التقى فولى على أعقابه الهم خاسئاً
وقال أخر :
لا خير فيمن لا يراقب ربه عند الهوى ويخافه إيماناً
حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى يخشى إذا وافى المعاد هواناً
• ومنهم من يتركها خوف العار والشنار(1) واستبقاء الحياء والوقار كما قال بعضهم :
ما إن دعانى الهوى لفاحشة إلا نهانى الحياء والكرم
فلا إلى فاحش مددت يدى ولا مشت بى لريبة قدم
• ومنهم من يترك المعصية لما يعقبها من شرور ومصائب وألام كما قال بعضهم :
وكم من معاص نال منهن لذة ومات فخلاها وذاق الدواهيا
تصرم لذات المعاصى وتنقضى وتبقى تباعات المعاصى كما هيا
فيا سوءتا والله راء وسامع لعبد بعين الله يخشى المعاصى
• ومنهم من يحمله على ترك المعاصى لذة العفة والاستعلاء عن أتباع الهوى فإن
لذلك حلاوة فى القلوب لا يعرفها إلا من ذاقها .
كما قال بعضهم :
وإنى لمشتاق إلى كل غاية من المجد يكبو دونها المتطاول
بذول لمالى حين يبخل ذو النهى عفيف عن الفحشاء قرم حلاحل(1)
• ومنهم من يتركها لإنها تنافى المروءة والشهامة كما قال عنترة وهو من شعراء العصر الجاهلى لم يسمع قول الله عز وجل : ] قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [ ....( النور : 30)
وأغض طرفى إن بدت لى جارتى حتى يوارى جارتى مأواها
• ومنهم من يتركها إستحياء من الناس ولا يخشى الله عز وجل وهذة أدنى المراتب : كما قال بعضهم :
لم يكن شأنى العفاف ولكن كنت خلا لزوجها فاستحييت
الموضوع : ومما يعين على التقوى أن تتعلم كيف تغالب هواك وتطيع مولاك المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ابراهيم كمال توقيع العضو/ه:ابراهيم كمال |
|